"من أجل تحرير جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك"، هذه هي الأهداف التي أعلنتها روسيا للمرحلة الثانية من حربها على أوكرانيا، حيث حوَّلت بوصلة هجومها نحو الشرق، محاولة بسط سيطرتها التامة على إقليم الدونباس والشريط الساحلي الشمالي لبحر آزوف. فيما يشكك مراقبون في سهولة هذه المهمة، بسبب المقاومة الأوكرانية منذ بداية الهجوم قبل ما يقارب شهرين.

وحسب مقال لمؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية الأمريكية، فسبب هذا التحول في خطة الهجوم الروسية عائد إلى "الخسائر التي لا يمكن لروسيا تحملها في شمال أوكرانيا"، حيث تعين عليها "سحب العديد من قواتها من الشمال، بما في ذلك جميع القوات المحيطة بكييف، إلى بيلاروسيا وروسيا لإعادة تجهيزها وإعادة نشرها".

ويضيف المقال: أنه "استجابة للتحول الاستراتيجي لروسيا، تكيفت الجهود الأوكرانية، وأصبحت أكثر هجومية بهجمات مضادة ومضايقات على نطاق أصغر لسحب القوات الروسية". الأمر الذي عزَّز قدرات البلاد على المقاومة والدفاع عن أراضيها، كما يجعل من الهجوم الروسي ذا شراسة كبيرة ودموية أكبر، بل وقد تغير نتائجه موازين القوى في أوروبا، حسب مقال آخر لـ "واشنطن بوست".

هجوم تقليدي.. لكنه شرس!

تُظهر صور الأقمار الصناعية للهجوم الروسي على الشرق الأوكراني، تعبئة القيادة في موسكو حوالي 73 كتيبة، بقوام يناهز حوالي 75 ألف جندي. وحسب محللين عسكريين، يحافظ هذا الهجوم على الخطة الروسية المعهودة نفسها، أي الاستخدام المكثف للمدفعية والأنظمة الصاروخية والقذائف الثقيلة متبوعاً بتقدم المدرعات. الأمر الذي قد يفسر، الدمار الحاصل بالمدن التي شملها الهجوم منذ بدايته قبل يومين.

ووصف الحاكم الأوكراني لمنطقة لوغانسك سيرغي غايداي، الوضع عقب بدء تلك العملية بـ"الجحيم"، وأضاف بأن "معارك تدور في روبيجني وبوبسانا، ومعارك مستمرّة في مدن مسالمة أخرى"، فيما سقطت مدينة كريمينا "للأسف" تحت سيطرة الروس.

ووفقاً لتقرير نشره موقع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن الهجوم الروسي نحو دونباس يجري على ثلاثة محاور: من الشمال، من محور خاركوف سومي، حيث بعد استيلائهم على مدينة إيزيوم بداية هذا الشهر، لم يحرزوا سوى القليل من التقدم. ومن الجنوب، من محور زابارودجيا، حيث حققوا بالفعل تقدماً نحو دونيتسك. ومن الجنوب والشرق، حيث تقدمت الوحدات الروسية بضعة كيلومترات في أحسن الأحوال هذا الشهر. وبالتالي تحاصر القوات الروسية المنطقة من ثلاثة جوانب، تاركة الغرب فقط مفتوحاً أمام الأوكرانيين من أجل الإمداد بالتعزيزات والتراجع إذا لزم الأمر.

وحسب مقال "واشنطن بوست" المذكور، يرى قادة عسكريون أمريكيون بأن القوات الروسية تسعى إلى تنفيذ التكتيك ذاته الذي حاصر به هانيبال الجيش الروماني في كاناي عام 216 قبل الميلاد، أي بـ "تطويق مزدوج" للقوات الأوكرانية مستفيدين من تضاريس سهول شرق أوكرانيا المنبسطة، وإغلاق الكماشة عليه دافعين إياه إلى التداعي.

وحسب مسؤولين استخباراتيين أمريكيين فإن الروس فقدوا 25% من قوة نيرانيهم خلال الشهرين الأولين من الحرب، ومن هنا تخلص الصحيفة الأمريكية إلى أنهم يعمدون إلى تركيز جهدهم الكامل في مربع صغير من المعركة، ومنه تشتيت قوات العدو وتحقيق سلسلة من المكاسب على الأرض.

هجوم يحدد مصير أوروبا

يضيف مقال "واشنطن بوست" بأن مصير هذا الهجوم لا يزال غير محسوم، كون القوات الأوكرانية تمتلك أفضلية مهمة هي كونها تحارب على أرضها. غير أن ما سيخلص إليه قد يحدد مصير توازنات القوى، لا في منطقة شرق أوروبا فحسب، بل في أوروبا كلها.

وبالرغم من أن هذا الهجوم الروسي مركز في منطقة الشرق، فإن أهداف روسيا الواسعة من الحرب ما زالت قائمة. هذا ما يوضحه الباحث في "معهد السياسات الخارجية" الأمريكي ماكسيميليان هيس، لشبكة "CNBC"، بأن هذا الهجوم "سيحدد مساحة أوكرانيا الواقعة شرق نهر دنيبرو (النهر الذي يقسم أوكرانيا) التي ينقشها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيداً"، وبالتالي الحدود المستقبلية لأوكرانيا.

وفي حال ما نجحت روسيا في تنفيذ أهدافها العسكرية، سيضع هذا الأمر الحلفاء الغربيين أمام حرج عدم القدرة على حماية الأراضي الأوروبية من القوة الروسية، ما سيغير سياسياً نهج التعامل بين الطرفين. هذا، ويضيف تقرير الشبكة الأمريكية، بأن تسليح الأوكران وتمكينهم من استخدام أسلحة الجو بشكل مكثف يمكنه أن يسلّم البلاد من مصير فقدان شرقها. فيما ما زال هناك خلاف أوروبي حول كيفية تسليح أوكرانيا، والسرعة التي يمكن أن تصل بها تلك المساعدات ونجاعتها في ساحة المعركة.

TRT عربي