محمد الباز يكتب «الأيام الحاسمة 2»: 23 يونيو مهلة أسبوعًا للتفاهم.. والجيش يحذر الجميع قبل التدخل

صباح ٢٣ يونيو ٢٠١٣ عقدت القوات المسلحة الندوة التثقيفية الخامسة، وهى الندوة التى ألقى فيها السيسى بيانًا واضحًا منح فيه القوى السياسية مهلة أسبوعًا واحدًا لتصل إلى كلمة سواء تتفق فيها على مصلحة الوطن العليا، وإلا فإن الجيش لن يقف مكتوف الأيدى، لأن المؤسسة العسكرية ومن منطلق إيمانها بدورها التاريخى لا يمكن أن تسمح للأوضاع العامة بالتردى. 

البيان الذى ألقاه السيسى كان واضحًا.

قال فيه: القيادة العامة للقوات المسلحة منذ توليها المسئولية فى أغسطس ٢٠١٢، أصرت على أن تبتعد بقواتها عن الشأن السياسى وتفرغت لرفع الكفاءة لأفرادها ومعداتها، وأن ما تم من إنجازات خلال الثمانية عشر شهرًا السابقة يمثل قفزة هائلة. 

دخل السيسى إلى الأزمة بقوة، قال: هناك حالة من الانقسام داخل المجتمع، وإن استمرارها خطر على الدولة المصرية، ولا بد من التوافق بين الجميع، لأنه يخطئ من يعتقد أن هذه الحالة فى صالح المجتمع، بل تضر به وتهدد الأمن القومى المصرى، ويخطئ من يعتقد أننا فى معزل عن المخاطر التى تهدد الدولة المصرية، لذلك لن نظل صامتين أمام انزلاق البلاد فى صراع تصعب السيطرة عليه. 

كان مهمًا ما قاله السيسى عن علاقة المؤسسة العسكرية بالشعب. 

قال: أؤكد أن علاقة الجيش والشعب علاقة أزلية، وهى جزء من أدبيات القوات المسلحة تجاه شعب مصر، ويخطئ من يعتقد أنه يستطيع بأى حال من الأحوال الالتفاف حول هذه العلاقة أو اختراقها، فإرادة الشعب المصرى هى التى تحكمنا ونرعاها بشرف ونزاهة، ونحن مسئولون مسئولية كاملة عن حمايتها، ولا يمكن أن نسمح بالتعدى على إرادة الشعب، وأنه ليس من المروءة أن نصمت أمام تخويف وترويع أهلنا المصريين. 

صك السيسى عبارة واضحة صارت منهجًا سرنا عليه جميعًا مع الجيش بعد ذلك، وهى: الموت أشرف لنا من أن يُمسَّ أحد من شعب مصر فى وجود جيشه.

أكد السيسى أيضًا أن الجيش لن يقبل بالتعدى عليه أو التجاوز فى حقه، بقوله: إن الشعب المصرى بأكمله هو الحاضن لجيشه، وإن القوات المسلحة لن تظل صامتة بعد الآن تجاه أى إساءة قادمة توجه إليها، وأرجو أن يدرك الجميع مخاطر ذلك على الأمن القومى. 

وحتى يؤكد على هذا المعنى، قال: الجيش المصرى هو كتلة واحدة صلبة ومتماسكة وعلى قلب رجل واحد يثق فى قيادته وقدرتها، وأنه تجنب، خلال الفترة السابقة، الدخول فى المعترك السياسى، إلا أن مسئوليته الوطنية والأخلاقية تجاه الشعب تحتم عليه التدخل لمنع انزلاق مصر فى نفق مظلم من الصراع أو الاقتتال الداخلى أو التجريم أو التخوين أو الفتنة الطائفية أو انهيار مؤسسات الدولة. 

ثم كانت الرسالة الأكبر والأخطر فى تاريخ الثورة المصرية.

قال السيسى: إن القوات المسلحة تدعو الجميع دون أى مزايدات لإيجاد صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها، ولدينا من الوقت أسبوع يمكن أن يتحقق خلاله الكثير، وهى دعوة متجردة إلا من حب الوطن وحاضره ومستقبله. 

شرح الرئيس السيسى ما جرى بعد ذلك فى حواره الصحفى المطول الذى أجراه صديقنا الراحل ياسر رزق ونشر فى المصرى اليوم فى ٨ أكتوبر ٢٠١٣.

قال: ونحن فى يوم ٢٣ يونيو قلنا نعطى فرصة بمبادرة وضعناها تتضمن المطالب التى يجمع عليها الناس وكان سقفها الأعلى هو الاستفتاء على الرئيس، وكنا نتمنى أن يستجيب لها ويعرض نفسه على الاستفتاء، فلو وافق الشعب على بقائه كانت المعارضة قد سكتت. 

لم تفهم جماعة الإخوان المسلمين هذه الرسالة أيضًا، رغم أنها كانت واضحة جدًا، حاول البعض أن يصور الأمر على أن السيسى كان يتحدث مع من يريدون الخروج فى ٣٠ يونيو، ومهدت الجماعة لذلك بتصريح منسوب إلى أحد قياداتها يقول إن هذا البيان الذى ألقاه وزير الدفاع كان بالتنسيق مع الرئيس، وأنه كان على علم كامل به. 

إيحاء الإخوان لم يكن دقيقًا، فقد حاولوا تصوير الأمر على أن السيسى أصدر البيان لصالح الإخوان، والدليل على ذلك أنه نسق مع الرئيس، رغم أن ما حدث، وكما قال السيسى: قبل أن أصدر بيان مهلة الأيام السبعة أطلعت الرئيس على تفاصيله، وهو لم يغضب من البيان، وإنما كان متحفظًا على رد الفعل. 

كان السيسى قد صاغ البيان فى فترة الاستراحة خلال الندوة التثقيفية.

اجتمع مع قيادات الجيش، وناقش معهم الأوضاع المتردية، واقترحوا جميعًا أن يصدر بيان عن القيادة العامة للقوات المسلحة تؤكد فيه على موقفها، وحدث هذا دون أن يقابل السيسى مرسى مرة أخرى، أو يطلع على النص النهائى للبيان، وهو ما جعل أحد القيادات العسكرية يصرح بأن وزير الدفاع لم يقابل الرئيس خلال هذا اليوم إلا فى الساعة الخامسة مساء، فى إشارة واضحة إلى أنه لم يجر تنسيق كامل بينهما بخصوص البيان، الذى كان صادرًا فى الأساس للإخوان المسلمين، لكن الجماعة فيما يبدو كانت حريصة على التدليس حتى اللحظة الأخيرة، وهو التدليس الذى لم ينفعها فى شىء على الإطلاق. 

كان لا بد أن تتحرك جماعة الإخوان. 

عقدت اجتماعًا فى مكتب الإرشاد مساء ٢٣ يونيو، واستقرت فيه على رفضها بيان وزير الدفاع الذى يعرى فيه الرئيس وموقفه، وقرروا أيضًا أن يرسلوا إليه من يتحدث معه، ويراجعه فيما قاله، خاصة أن الرئيس عندما قابل وزير الدفاع مساء ٢٣ يونيو، قال له إن البيان بهذه الصيغة يزيد الأمور اشتعالًا، وإن الجماعة ثائرة جدًا وغاضبة منه، لأنه يشجع الرافضين لحكم الجماعة على الخروج فى مظاهرات ٣٠ يونيو، لأنهم بذلك يطمئنون إلى أن الجيش معهم. 

كان السيسى صريحًا فى رده على محمد مرسى، لم يزين له الصورة، ولم يقل له كلامًا يريحه والسلام، بل قال مؤكدًا إن القوات المسلحة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدى أمام المخاطر التى تهدد أمن البلاد، وإن عليه أن يستجيب للمطالب الشعبية، التى قدمها له قيادات الجيش فى اجتماع ٢٢ يونيو، وهى المطالب التى لم يلتفت لها مرسى، بل وعد بأن يقوم بدراستها، رغم أن الوقت كان ضيقًا جدًا.

٢٥ يونيو السيسى للشاطر: إنتم عايزين يا تحكمونا يا تقتلونا 

قررت الجماعة أن يذهب سعد الكتاتنى، الذى كان وقتها رئيسًا لحزب الحرية والعدالة، وخيرت الشاطر، نائب المرشد العام، للحديث مع السيسى، اتصلا بمدير مكتب وزير الدفاع اللواء عباس كامل صباح ٢٤ يونيو طالبين موعدًا، فحدد لهما موعدًا صباح ٢٥ يونيو. 

يصف الرئيس السيسى ما حدث فى هذا اللقاء فى حواره المطول الذى أجراه معه الصحفى الكبير ياسر رزق، يقول: التقيت بهما واستمعت إليهما، وبلا مبالغة استمر خيرت الشاطر يتحدث لمدة ٤٥ دقيقة، ويتوعد بأعمال إرهابية وأعمال عنف وقتل من جانب جماعات إسلامية لا يستطيع هو ولا جماعة الإخوان السيطرة عليها، موجودة فى سيناء وفى الوادى، وبعضها لا يعرفه جاءت من دول عربية، ثم أخذ الشاطر يشير بإصبعه وكأنه يطلق زناد بندقية. 

قال الشاطر للسيسى: إذا ترك الرئيس منصبه فستنطلق هذه الجماعات لتضرب وتقتل، وإن أحدًا لن يقدر على أن يسيطر عليها، وهذا معناه اقتتال شديد جدًا. 

كان الشاطر يتحدث- كما وصف السيسى- تحت ضغط شديد، قال إن هناك أناسًا أفشلوا الرئيس وإن مواقف القوات المسلحة زادت التوتر ضدهم، وأفقدتهم السيطرة على قواعد جماعات الإخوان وعلى كل التيارات الإسلامية الأخرى الموجودة، والتى تمتلك أسلحة جاءت من ليبيا وعبر الحدود. 

استفز كلام الشاطر، عبدالفتاح السيسى بشكل غير مسبوق فى حياته، لأنه كان يعبر عن شكل من أشكال الاستعلاء والتجبر فى الأرض، وهو ما جعل السيسى ينفجر فيه، قال له: إنتم عايزين إيه؟... إنتم خربتم البلد... وأسأتم للدين، إنتم عايزين يا تحكمونا يا تقتلونا. 

صمت خيرت الشاطر تمامًا بعد أن وجد غضب السيسى ينفجر فى وجهه، ويعلق وزير الدفاع على ذلك بقوله: أظنه أدرك رد الفعل من جانبنا. 

سأل سعد الكتاتنى الذى كان صامتًا من بداية الحوار: وما الحل؟ 

رد عليه السيسى بقوله: أن تحلوا مشاكلكم مع القضاء والكنيسة والأزهر والإعلام والقوى السياسية والرأى العام. 

حاول الكتاتنى أن يحصل على أى مساحة، فقال: ومن قال إننا ضد الحل؟ 

ثم حاول أن يتقدم أكثر، قال: نحن فقط نلوم على صدور بيان من القوات المسلحة يحذر الرئيس، فيزيد النار اشتعالًا، ويقوى العناصر المناوئة ويجعلها تصر على تهديد أمن البلد فى ٣٠ يونيو. 

هدوء الكتاتنى دفع السيسى إلى أن يهدأ قليلًا. 

قال له: سواء أصدرت القوات المسلحة تحذيرها أو لم تصدر، فالشعب سيخرج فى ٣٠ يونيو القادم، وأنا أحذر من غضبة الشعب، وكان بيان القوات المسلحة هو إبراء للذمة أمام الجميع، ونحن لن نسمح أبدًا بسقوط الدولة أو إذلال الشعب، ولن يجرؤ ضابط أو جندى على أن يوجه الرصاص إلى صدور المصريين، لن يكون هناك حل أمنى ولن نسمح به أبدًا، وجيش مصر سيحمى شعب مصر. 

التفت السيسى إلى خيرت الشاطر، ثم عاد ليوجه كلامه إلى الكتاتنى. 

قال له: وأنا أحذر أيضًا من تهديدات الأخ خيرت الشاطر باستخدام الميليشيات ضد الجيش أو الشرطة أو الشعب، أقسم بالله العظيم إن أولادنا حياكلوهم ويقطعوهم لو فكروا يعتدوا على الشعب. 

وضع السيسى ما يشبه خارطة الطريق، قال للشاطر والكتاتنى: اطلبوا من الرئيس الاستجابة لمطالب الشعب، الناس تريد الاستفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة... لماذا تخافون؟ لو كان الشعب معكم أهلًا وسهلًا، لو كان الشعب يريد انتخابات رئاسية مبكرة، فلماذا لا نحترم رغبته؟ الحل فى أيديكم ونحن سنكون سندًا وعونًا لكم إذا استجبتم لمطالب المصريين. 

التقط الكتاتنى خيط الكلام، قال للسيسى: أعدك بأننا سنفكر فى الأمر جيدًا، وغدًا سيتضمن خطاب الرئيس ما ينهى الأزمة ويضع حدًا للخلاف.

مساء نفس اليوم توافرت معلومات لأجهزة الأمن بأن جماعة الإخوان تجهز لخطة محددة يتم تنفيذها قبل دقائق من إلقاء محمد مرسى خطابه الذى حددت له الساعة الثامنة من مساء ٢٦ يونيو. 

كانت الخطة تقوم على عدة بنود أساسية. 

أولًا: إقالة كل من الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، والفريق صدقى صبحى، رئيس أركان حرب الجيش المصرى، واللواء رأفت شحاتة مدير المخابرات العامة، واللواء محمود حجازى، مدير المخابرات الحربية، واللواء خالد فوزى، رئيس هيئة الأمن القومى، واللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، واللواء خالد ثروت، مساعد الوزير للأمن الوطنى- من مناصبهم. 

ثانيًا: اعتقال ٣٦ من قيادات العمل الإعلامى الذين شنوا هجومًا متواصلًا على جماعة الإخوان ورئيسها، وذلك لقطع الطريق عليهم ومنعهم من الهجوم على قرار الرئيس بإعفاء القيادات العسكرية والأمنية من مناصبهم. 

كان التنفيذ يقتضى تحديد طريقة إجرائية آمنة، حتى لا يحدث صدام بين من ينفذون وهذه القيادات، ففكرت الجماعة أن يقوم عدد من قيادات ميليشياتها المسلحة بالتنفيذ، بعد أن يرتدوا ملابس عسكرية، وتم التجهيز لذلك بالفعل، وأجرت الجماعة اتصالات مع عدد من القيادات العسكرية، وطلبت منهم أن يحلفوا اليمين لمنصب وزير الدفاع خلفًا لعبدالفتاح السيسى، وكان من بين هؤلاء اللواء محمد زكى، قائد الحرس الجمهورى، واللواء أحمد وصفى، قائد الجيش الثانى، لكنهما رفضا ذلك رفضًا تامًا، وكانت الإجابة الموحدة لهما أنه لا يوجد فى مصر إلا وزير دفاع واحد هو عبدالفتاح السيسى. 

عرف عبدالفتاح السيسى بهذه الخطة، فتصرف سريعًا، حيث أمر بنشر القوات فى أرجاء القاهرة الكبرى، وفى المناطق الحيوية بمختلف أرجاء الجمهورية، وهو ما جرى بشكل كامل واحترافى صباح يوم ٢٦ يونيو ٢٠١٣ فى الفترة من الساعة الخامسة حتى الساعة الثامنة صباحًا. 

عندما عرف محمد مرسى بنشر القوات بهذه الطريقة وهذه السرعة أدرك أن خطته وخطة جماعته كشف أمرها، فتراجع عنها، وبدأ فى السيناريو البديل، وهو محاولة استقطاب وزير الدفاع، واعتبر أن هذه محاولة أخيرة، ولا أعرف من أين جاء محمد مرسى بيقينه أنه يمكن أن يقنع عبدالفتاح السيسى بشىء لا يوافق عليه.

تاريخ الخبر: 2022-04-29 21:20:38
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

هضبة تكنوبول قسنطينة: نحو استحداث ركن خاص بتمويل المؤسسات الناشئة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:34
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

بتهم ارتكــاب جرائم إبادة جماعية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:40
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

أزيلال.. فاعلون إسبان وإيطاليون يكتشفون الإمكانيات السياحية للجهة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:25:30
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

75.3 مليار ريال نموا بإيرادات السعودية للكهرباء السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:42
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

الجلاجل: إجراءات استباقية لمواجهة تحديات المستقبل - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:34
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

400 فرصة لتطوير القطاع اللوجستي بالشرقية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 65%

السعودية تنشئ مركزاً عالمياً متخصصاً في الفضاء - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-30 03:24:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية