فرنسا: هل يساهم الجمهوريون المنقسمون و"خونة" حزب زمور في توسيع كتلة الجبهة الوطنية بالبرلمان الجديد؟


إعلان

بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة وقبل انتخابات تشريعية في 12 و19 يونيو/حزيران، يبدو المشهد السياسي الفرنسي مختلفا جدا عما كان معهودا قبل 15 عاما فقط، حين كان حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، الذي غير اسمه عام 2015 إلى الجمهوريون، هو الممثل الأساسي لليمين، مقابل الحزب الاشتراكي الذي يمثل اليسار. أما الآن فلم يحصل ممثلا الحزبين مجتمعين إلا على نحو ستة بالمئة من أصوات الناخبين في الدورة الأولى للاستحقاق الرئاسي، وخلت الدورة الثانية للمرة الثانية تواليا من مرشح لإحدى القوتين التقليديتين.

بالمقابل بقي الرئيس ، الذي يؤكد على أنه ليس من اليمين ولا من اليسار، في الإليزيه. وتابعت قوى أقصى اليسار وأقصى اليمين تقدمها.

وإذا كان المشهد اليساري قد أصبح أكثر وضوحا بعد بين الحزب الاشتراكي والخضر والحزب الشيوعي وحركة فرنسا الأبية التي يقودها جان لوك ميلنشون صاحب المرتبة الثالثة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة والذي فصله فارق ضئيل عن مارين لوبان، مرشحة اليمين المتطرف التي جاءت ثانية، فإن الوضع على الضفة اليمينية لا يزال ضبابيا.

فلا تزال قوى اليمين التقليدي تعمل لاستعادة توازنها بعد الهزات الكثيرة التي تعرضت لها منذ عام 2017. أما فيجد نفسه منقسما للمرة الأولى بين التجمع الوطني وزعيمته لوبان من جهة، والحركة الجديدة التي قادها إريك زمور والتي حصلت على دعم قياديين سابقين في حزب لوبان، بينهم عدد ممن كانوا مقربين منها.

صراع الزعامة في اليمين المتطرف

باب الجمعية الوطنية لا يزال مغلقا في وجه الذي فشل في جمع التأييد للانتخابات التشريعية الفرنسية. ففي محاولة للاتحاد مع قوى اليمين المتطرف والتقليدي، أعلن المرشح الرئاسي السابق على تويتر أن حزبه الاسترداد، لن يقدم مرشحا في الانتخابات التشريعية ضد مارين لوبان وإريك سيوتي ونيكولا دوبونت إينيان.

منذ فوز إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية، غرد كاتب العمود السابق على تويتر داعيا لتشكيل تحالف يميني متطرف في ضوء انتخابات 12 و19 يونيو/حزيران. وقال يوم الاثنين إن الاتحاد الوطني الذي دعا إليه سيأتي على رأس القائمة في 246 دائرة مقابل 105 دوائر انتخابية فقط للأحزاب نفسها دون اتحاد. وأشار أيضا إلى أن 70٪ من ناخبي حزب الجبهة الوطنية حسب استطلاع إبسوس يؤيدون اتحادا بين هذه الأحزاب. ونشر بيانا صحافيا من نواب رئيس حزبه، ماريون ماريشال ونيكولاس باي العضوان السابقان في التجمع الوطني، وغيوم بيلتييه العضو السابق في حزب الجمهوريون، يقترحون فيه عقد اجتماع مع الجبهة الوطنية "من أجل تشكيل ائتلاف انتخابي للانتخابات التشريعية".

لكن يد زمور الممدودة رُفضت، فهو الوحيد الذي أراد اتحاد اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية، بينما ترغب مارين لوبان بالمقابل، بترسيخ سيادة حزبها، فكان مستحيلا أن تنخرط في نقاش مع "خونة" التجمع الوطني، كما يطلق عليهم داخليا، إذ أذهلها خروجهم من الحزب.

ويشار إلى أن حزب الجمهوريون من جهته وبعد عشر سنوات من خروج ساركوزي من الإليزيه يبدو مشتتا ويحاول إثبات وجوده أمام حزبي الرئيس ماكرون ورئيس الوزراء السابق إدوار فيليب، وعلى الرغم من ذلك رفض أيضا التحالف مع حزب زمور.

"لا يوجد رقم اثنين في الجبهة الوطنية"

ويصرح إروان لوكور أستاذ العلوم السياسية المتخصص في اليمين المتطرف: "قال جان ماري لوبان: لا يوجد رقم اثنين في الجبهة الوطنية. هناك قائد وهذا القائد سيفعل كل شيء لسحق الآخرين. دفع برونو ميغريه الثمن في 1998-1999. أراد إيريك زمور أن يلعب دور الزعيم الجديد ليمين متطرف جديد، وسيتحمل بدوره عبئا كبيرا في هذا المجال خلال الأسابيع المقبلة".

ويبدو أن المرشح السابق الذي حصل على 7,07 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية كان مخطئا بالفعل، إذ نُظر إليه كشخص اعتمد على حضوره وقضى جزءا كبيرا من حملته في تشويه صورة مارين لوبان. وحتى في مساء الدورة الثانية، اختار أن يبدأ خطابه بالتأكيد بشدة على أن مرشحة الجبهة الوطنية قد هُزمت. إذ قال قبل أن يدعو إلى تشكيل اتحاد يميني متطرف "هذه هي المرة الثامنة التي تلحق فيها الهزيمة اسم لوبان"، وهو ما سخر منه رئيس التجمع الوطني بالوكالة جوردان بارديلا، إذ قال في اليوم التالي للانتخابات إنه "طلب بارع للزواج".

"خدع إيريك زمور العديد من الناخبين، وأقنعهم بوجود ’تصويت خفي‘ (أي أصوات مخبأة في الصناديق بقصد التزوير). كان هدف إيريك زمور، كما هو واضح، هو قتل التجمع الوطني والحلول محل مارين لوبان. ولكن الفرنسيين كان لهم رأي آخر" حسب رأي لوران جاكوبلي في تصريح لإذاعة فرانس كولتور، معتبرا أن مهمة الحزب هي "عدم مساعدة حركة معادية لنا".

على الجانب الآخر ستفعل مارين لوبان كل ما باستطاعتها لإزاحة حزب الاسترداد من المشهد، مدفوعة بالتقدم الكبير الذي أحرزته في الانتخابات الرئاسية بين عامي 2017 و2022، إذ ارتفعت نسبة الأصوات التي حصلت عليها في الاقتراع الأخير بـ8% من المجموع العام للأصوات. وكان متحدث آخر باسم التجمع الوطني هو سيباستيان تشينو قد أشار إلى أن الاسترداد "مختلف في النهج. نحن لسنا مع اتحاد اليمين، نريد اتحاد الوطنيين. وهذا يتجاوز اليمين واليسار لأننا لم نعد نؤمن بذلك".

ويقول إروان لوكور إن مارين لوبان ليس لديها أي مصلحة "لبقاء إريك زيمور وماريون ماريشال. لن يتمكن حزب الاسترداد، من الحصول سوى على عدد قليل من النواب في جنوب شرق فرنسا، بينما تملك لوبان فرصة الحصول على نحو خمسين برلمانيا منتخبا، وللمرة الأولى بدون تمثيل نسبي، ما يمنحها كتلة كبيرة في الجمعية الوطنية". 

وأوضحت حسابات الحزب أن لوبان قد احتلت الصدارة في 159 دائرة انتخابية رئاسية، وكانت الأولى في 23 مقاطعة حضرية، مقابل اثنتين عام 2017. ومع ذلك، فإن حزب التجمع الوطني مثقل بالديون، والحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات في الانتخابات التشريعية والنيابية يعد ضرورة مالية. لأن هذه الانتخابات ستحدد تمويل الأحزاب السياسية للسنوات الخمس القادمة. بالنسبة للأحزاب التي تحصل على 1٪ من الأصوات في 50 دائرة انتخابية على الأقل، فإن كل صوت سيحقق 1,42 يورو سنويا، وكل نائب سيحقق للحزب أرباحا بـ37280 يورو سنويا.

الجمهوريون يسعون لتجنب غرق سفينتهم

قبل 15 عاما فقط كان نيكولا ساركوزي خامس شخص من اليمين التقليدي يفوز برئاسة الجمهورية الفرنسية الخامسة، المنصب الذي لم تخسره هذه القوة التي أسسها الرئيس السابق شارل ديغول في الجمهورية الخامسة حتى ذلك الحين إلا مرتين أمام مرشح يساري واحد هو فرانسوا ميتران. ولم يغب مرشحوهم عن الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية حتى عام 2012 أبدا، ولكن ها هم عام 2022 يغيبون للمرة الثانية تواليا عنها.

وبعد أن حصلوا على أسوأ نتيجة في تاريخهم في الانتخابات الرئاسية، إذ لم تحصل مرشحتهم فاليري بيكريس سوى على 4,78 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى، يعمل أعضاء وقادة حزب الجمهوريون بشكل متواصل لتجنب غرق السفينة بالكامل، عبر إيجاد استراتيجية جديدة وقوية تمكنهم من حصد نتائج جيدة في الانتخابات التشريعية. 

وأغلق حزب الجمهوريون رسميا الباب أمام أي تحالفات محتملة في الانتخابات القادمة بعد اجتماع عام للحزب في 25 أبريل/نيسان ومجلس استراتيجي في اليوم التالي. إذ قال رئيس الحزب كريستيان جاكوب: "لا توجد عضوية مزدوجة. لا يمكننا أن نكون الجمهوريون والأغلبية الرئاسية، ولا يمكننا أن نكون الجمهوريون و الاسترداد، ولا الجمهوريون و آفاق. نحن الجمهوريون، مجموعة مستقلة". وأرغم الحزب أعضاءه على توقيع تعهد يمنعهم، في حال رغبتهم في المغادرة، من الانتماء لمجموعات سياسية أخرى تكون جزءا من الأغلبية الرئاسية أو من اليمين المتطرف. 

ولكن خلف الكواليس، تبدو الأمور أقل وضوحا، إذ إن هناك مؤشرات على انقسامات عديدة داخل الحزب. فلم يوقع المرشح السابق للانتخابات التمهيدية فيليب جوفان ورئيس كتلة الجمهوريون في الجمعية الوطنية داميان أباد، نص الولاء للحزب، والأسوأ من ذلك الانتقادات التي يتعرض لها هذا النص.

فقد تعرض الحزب لهزات شديدة في الأعوام الأخيرة، من قضايا الفساد ضد عدد من أبرز قياداته، مثل رئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي السابق فرانسوا فيون. إلى جانب التحاق عدد من أعضائه بحركة الجمهورية إلى الأمام حزب رئيس البلاد إيمانويل ماكرون الذي تحول اسمه مؤخرا إلى النهضة. كما أن رئيسي الوزراء اللذين عينهما ماكرون، إدوار فيليب وجان كاستكس، كانا عضوين في الجمهوريون.

ويبدو أن هذا زاد من الشكوك في استراتيجيات الحزب والانقسامات داخله. إذ غادر فيليب الحزب ليؤسس حزبه الجديد آفاق، وبدأ كثير من أعضاء الجمهوريون يفكرون بالالتحاق به أو بحزب الرئيس.

وهناك من يدعون علنا داخل الحزب للالتحاق بمشروع الرئيس مثل جان فرانسوا كوبيه، ودانيال فاسكيل، وداميان أباد، وفيليب جوفان، ونيكولا فوريسيه، وروبن ريدا، وسيباستيان هويغي، وغيوم لاريفيه، مقابل من يقاومون أي اندماج أو تحالف مثل أوليفييه مارليكس ولوران واكييه وأوريليان برادييه وبرونو ريتايو. 

بعد إعلان فوز ماكرون دعا دانييل فاسكيي أمين صندوق الحزب إلى دعم "يقظ" للرئيس في سبيل "توحيد الوطن في مشروع طموح. وهو ما عرضه لسيل من الانتقادات داخل حزبه. ودعت أصوات أخرى بالمقابل لإعادة تنظيم صفوف الحزب للانتخابات البرلمانية في سبيل الفوز بالأغلبية، ولكن حتى هذه الدعوات بدت حذرة ودبلوماسية.

إذ قال جاكوب: "لم نؤيد أبدا عرقلة البرلمان، مثلما يفعل أقصى اليسار أو الجبهة الوطنية [...]، إذا تم اقتراح إصلاحات علينا وسارت في الاتجاه الصحيح، فستكون مجموعتنا البرلمانية قادرة على تحمل مسؤولياتها والموافقة عليها... وإلا فإننا سنعارض هذه الإصلاحات".

ولا بد من القول إن استطلاعات الرأي تصب في مصلحة الأغلبية الرئاسية، ما يعني أن الأصوات التي دعت إلى دعمه قد تكتسب زخما. كذلك يفسح هذا المجال أمام آفاق لكسب دعم عدد من أعضاء الحزب الذين لا يرون أن لديه القدرة على لعب دور هام في الوضع الراهن، ولكنهم لا يرغبون في الوقت نفسه في الانخراط بالكامل في مشروع ماكرون والانضمام لحزبه.

ففي الظل، لا تزال هناك توترات متكررة بين إدوار فيليب وإيمانويل ماكرون. وفقا لـ "أوروب1"، قال هذا الأخير لأحد أقاربه "لا توجد دائرة انتخابية لآفاق، إنهم أغبياء! يدين لي بكل شيء ويعتقد أننا متساويان؟". أما فيليب، فعلى العكس من ذلك يبدو أنه حافظ على رباطة جأشه، ولا يستبعد تقديم مرشحين مقابل من يدعمهم حزب الرئيس. 

 

فرانس24/ فؤاد حسن

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

Download_on_the_App_Store_Badge_AR_RGB_blk_102417
تاريخ الخبر: 2022-05-06 21:16:03
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 90%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

"تيلكيل عربي" ينشر اللائحة الأولية للبعثة المغربية لأولمبياد باريس

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 18:09:36
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

هذه هي الأسماء التي تم تعيينها في مناصب عليا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 18:08:58
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 71%

النقابة الوطنية للصحافة ترصد "أعطاب" حرية الصحافة بالمغرب

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 18:09:42
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

مكتب المطارات يطلق طلب عروض لتصميم وبناء مقره الاجتماعي الجديد

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 18:09:41
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 62%

مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 18:09:40
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 51%

المحكمة التجارية تمدد الإذن باستمرار نشاط "سامير" لثلاثة أشهر جديدة

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 18:09:38
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية