الآلات:

عزيزي القارئ، تحدثنا في المقال السابق عن أسباب منع إستخدام الآلات الموسيقية في الليتورجيا ورأي القديس كليمندص السكندري في هذا الشأن.واليوم سوف نتحدث عن الآلات التي لم يتم منع إستخدامها في الليتورجيا وهي الناقوس والمثلث، وسنتكلم عن الطبيعة المونوفونية لألحان الكنيسة القبطية، ثم سنتناول موضوع التقليد الشفاهي الذى نجح بشبه معجزة في نقل التراث الموسيقي للألحان التي بين أيدينا وتصل إلى نحو 1048 لحن ترتل في عدد 35 مناسبة طقسية على مدار السنة الطقسية.

يقتصر إستخدام الآلات الموسيقية بالكنيسة القبطية على آلتى الناقوس والمثلث فقط وهما من الآلات الايقاعية التي تستخدم في ضبط الإيقاع، وإشاعة روح البهجة لبعض الألحان، ولمساعدة المُعلم في القيادة حيث أن دقاتها الحادة تكون مسموعة بوضوح مها زاد عدد الشمامسة والمرتلين.

والناقوس Cymbals وهو عبارة عن صحيفة مستديرة من نحاس مخلوط بمعدن أخر يضرب بها على أخرى متكافئة وكلاهما محدب ولها مركز على شكل قبة مرتفعة بها ثقب لرباط من الجلد لحملها(صورة). وأما المثلث “Triangle” فهو قضيب معدنى ينحنى إلى ثلاث زوايا على شكل مثلث ويصدر صوتاً عند ضربه بعصا معدنية صغيرة،هو يستخدم حالياً في الاوركسترا.

ولقد منعت الكنيسة القبطية إستخدام الآلات الموسيقية الأخرى داخل الليتورجيا المقدسة. والألحان القبطية تعتمد على ميلودي نغمي متناسق عذب له مسار لحني غني ومتنوع يجعلها لا تحتاج الى تلوين آلي.

المونوفونية:

الألحان القبطية هي أحادية النسيج فهي لا بوليفونية ولا هوموفونية، وتعتمد على خط ميلودي واحد قوي متماسك متجانس متنوع متعدد المقامات ومتنوع في إيقاعاته ومتغير في سرعاته. ممتلئ بالقفزات وبالنغمات السلمية من خلال خط غنائي عذب لكن أحادي الصياغة. إلا أن هذا لا يعني أنها غير قابلة للصياغة البوليفونية او الهوموفونية، بل إن عدد من المؤلفين المصريين وغير المصريين قد جذب إنتباههم جمال الخط اللحني الأحادي الصوت، فوضعوه في نسيج متعدد الأصوات مستخدمين علوم الكونتربوينت والهارموني والتي منبعها الأصلي بلاط فرعون (حسبما ذكر علماء الحملة الفرنسية في كتاب وصف مصر، وفيلو اليهودي السكندري الذي عايش الرسل).

و يذكر المؤرخ اليوناني”ديودور السيسيلى” أن الإله “توت” الذى أطلق عليه اليونانيون اسم “هيرمس” كان اول من إكتشف ترتيب توزيع الكواكب واكتشف ايضا الهارمونى وطبيعة الاصوات الموسيقية الصادرة من الكواكب، لذا أتت المعتقدات المصرية أنه صانع الليرة ذات الثلاثة أوتار، لتقليد عدد فصول السنة” آنذاك”. ويتبنى ثلاثة نغمات: النغمة الحادة تمثل فصل الصيف، النغمة الغليظة تمثل فصل الشتاء، النغمة الوسطى تمثل فصل الربيع. هذا الإعتقاد قد جعل الموسيقيون القدماء يؤمنون أن لكل وتر رمزا يفسر فصلا معينا من فصول السنة، وبمعنى آخر أن لكل موسم نغمة موسيقية خاصة به. واذ فسر العلماء هذه المقولة الخاصة بالاله توت على انها اسطورة فكيف يفسر الدارسون تغير الالحان فى طقس الكنيسة المصرية مع ثبات نصوصها حسب مواسم السنة، بالرغم من مرور ازمنة غابرة، ولا يخلو مخطوط طقسي او كتاب طقسي مطبوع فى العصر الحديث إلا ويحث المرتل على أداء الالحان بالطريقة المناسبة لهذه الفصول حسب طقوس ألحان الكنيسة المصرية.

التقليد الشفاهي:

لعبت الكنيسة القبطية دورا معجزيا في الحفاظ على تراث الألحان القبطية الذي تسلمته من الآباء الرسل ، في أزمنة غابت فيها أجهزة التسجيل ،ولم يكن وقتئذ علم التدوين الموسيقي قد وُجد، وذلك بالـ “التقليد الشفاهي” Oral Tradition “، ومن أجل ذلك عينت “”المرتلين” Cantors الذين لهم القدرة على الأداء الصوتي ويتمتعون بذاكرة قوية وقدرة شديدة على التركيز، و تخيل النغمات والأشكال رغم اختلاف طرائقها ومقاماتها والمناسبات المختلفة التي تقال فيها. وصارت تُوجد في كل جيل من يستطيع أن يُسلم و يتسلم هذه الألحان.

ولكل كنيسة “معلم” خاص بها تكون مهمته الأساسية –إلى جوار الترتيل في القداسات والتسبحة والصلوات المختلفة– أن يتولى تسليم الألحان، “أي تحفيظها” لمجموعات من الشمامسة. وفى القداسات والتسابيح المختلفة يقف ” العريف” أو “المعلم” على رأس هؤلاء الشمامسة ليقوم بدور ” المايسترو” الذي بإشارات دقيقة بيده، يحدد السرعة المناسبة للحن وكذلك مواضع البدايات والنهايات للألحان،كما يقوم بالعزف على آلة الناقوس ويصاحبه أحد الشمامسة على آلة المثلث عند أداء أحد الألحان الفرايحي.

عزيزي القاريء أرجو أن أكون نجحت في شرح موضوع الألات الموسيقية والطبيعة المونوفونية لألحان الكنيسة التي إنتقلت بالتقليد الشفاهي، وإلى أن نلتقي في مقال جديد اتركك في رعاية ملك الملوك ورب الأرباب.