التاريخ.. الذاكرة.. الماضي


خلال الأسبوع الفائت دعيت من طرف بعض الأصدقاء المهتمين بالمجال الفلسفي، ويديرون نشاطا دوريا تحت مسمى «الحلقة المعرفية» لإلقاء محاضرة بهذا الخصوص، مع إعطائي الحرية في اقتراح الموضوع وعنوانه.

لا يبدو الأمر بذات السهولة التي كنت أتصورها، بدءا من اختيار الموضوع، واختيار الطريقة الأنسب لطرحها، خصوصا وأن الحلقة ليست مغلقة على منتسبيها من المهتمين بالشأن الفلسفي فقط، كما هو المتعارف عليه في مثل هذه الحلقات، حتى ندعي أن الأمور أكثر سهولة ويسرا، وإنما هي منفتحة على العموم من الجمهور والمحبين للثقافة بشكل عام.


هنا تكمن صعوبة الموقف سواء في الاختيار للعنوان أو اتخاذ زاوية النظر التي تحدد من خلالها الموضوع المراد عرضه، لأن القضايا الفلسفية ذات طبيعة مجردة، ناهيك أن كل قضية أو مشكلة، أكانت اجتماعية أو فكرية أو سياسية أو دينية يراد لها أن تطرح من منظور فلسفي، فإن المفاهيم الفلسفية حاضرة بقوة في هذا الطرح مما يعقد الأمور أكثر، فمثلا السوسيولوجيا «لم تغيب كليا المفاهيم والمناهج الفلسفية من دائرتها واستخدمتها كآليات معالجة لمواضيعها».

وما يزيد الموقف تعقيدا هو الوسط الاجتماعي والثقافي إذا كان غير متمرس - على الأقل في الفضاء العام - على مناقشة الفلسفة وتاريخها ومناهجها وصلة ارتباطها بالعلوم الاجتماعية والإنسانية، وإذا كان لا يشغل همه وباله سوى تلك القضايا التي تمس حياته اليومية مسا مباشرا.

لذلك حاولت قدر الإمكان الانطلاق من أزمة ملموسة في واقعنا الاجتماعي المحلي والعربي أيضا، ولها تأثير كبير على طريقة التفكير التي تحدد نظرتنا للعالم وموقعنا فيه، والقيم التي تمتلئ بها تلك النظرة، وهذا ما جرى في المحاضرة تلك.

الخلط الذي يجري مجرى النار في الهشيم حين يتعلق الأمر بالماضي والتاريخ والذاكرة والثقافة المعرفية. يتحدث الواحد منا عن التاريخ بكل ثقة. لكنك ترى من طيات كلامه ينبعث صوت الذاكرة، ويظن نفسه - من جانب آخر - أنه يتكلم عن الماضي. لكنه لا يدرك أن الماضي الذي يعنيه هو من اختراع وتركيب تصوراته وتصورات مجتمعه الذي تربى في وسطه.

لكن كيف تقدم هذه الأزمة بأمثلة محسوسة، ومن الواقع المعيش، حتى لا يظل كلامنا مجرد تهويمات مبنية على مصطلحات فلسفية مجردة؟

وهنا مربط الفرس كما يقال !

قلة من الدراسات والمراكز والبحوث المتخصصة التي اهتمت بهذا الشأن، واهتمت بدراسة تلقي الذاكرة والتاريخ والماضي من جيل إلى آخر عند المجتمعات العربية. لذا تظل الاجتهادات والمقاربات التطبيقية من الناحية الاجتماعية قليلة الرصد والحضور، رغم ما تعانيه مجتمعاتنا من لعنة الماضي والتاريخ في تفكيره.

لكن بالمقابل لقد أصبحنا نعرف بفضل الدراسات الغربية في مجال دراسات الذاكرة (memory studies) التي افتتحت في سبعينيات القرن المنصرم من خلال أطروحة موريس هالبفاكس (الذاكرة الجمعية) ثم توالت الدراسات من علماء ومفكرين من مختلف التخصصات، أن ثمة فروقات عديدة، فالتاريخ يهدف فيما يهدف إليه، إلى تقديم صورة شاملة ودقيقة عن الماضي وغير متحيزة للأحداث في الماضي، عبر الوثائق والأرشيف والإركيولوجيا بينما تركز الذاكرة على منظور واحد مثل منظور مجموعة اجتماعية أو أمة، حيث تمثل أحداث الماضي بقيمه ومروياته فضاء للتحيز والانتساب لهذه المجموعة. أما الماضي فإنه ليس معطى جاهزا تحت تصرف المجتمع، لكنه يبنى انتقائيا وفق تموضع أفراد المجتمع وعلاقاتهم في واقعهم اليومي.

لذلك وفق هذه الفروقات هناك العديد من الأمثلة التي يمكن القياس عليها داخل فضاء مجتمعاتنا العربية، بالخصوص أن الأحداث التي أثقلت ذاكرة العرب منذ هزيمة 67م وما زالت تتوالى أحداثها حتى كادت تنفجر في وجه أبنائها، لا تزال بحاجة إلى مثل هذه الدراسات والمقاربات.

@MohammedAlHerz3
تاريخ الخبر: 2022-05-26 00:24:44
المصدر: اليوم - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

‎مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:22
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:27
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 54%

استمرار "الحرمان" من وصل الإيداع يشعل غضب حماة المال العام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:06
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

‎مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 12:26:26
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية