الواقع المأزوم لآثار تغير المناخ على الكرة الأرضية، لا يمنع الطموح، ولا يوقف محاولات المواجهة، هذا هو ما يعمل المجتمع المدني في الإقليم الأورو متوسطي والعربي عليه، وفي القلب منه مصر، عبر جهود منظمات المجتمع المدني، في هذا الإطار نظمت MedECC (شبكة مستقلة من خبراء البحر الأبيض المتوسط حول المناخ والتغير البيئي) التي تأسست في عام 2015. اجتماعاً صباح اليوم الخميس، عبر تطبيق “زووم” من اثينا، ضم الاجتماع خبراء وممثلي المجتمع المدني من عدة دول عربية و أوروبية، وأدار النقاش د. عماد عدلي رئيس المكتب العربي للشباب والبيئة ود. مايكل سكولاس رئيس الشبكة.

وطبقاً لتقارير خبراء الشبكة، فإن حوض البحر الأبيض المتوسط هو أحد أبرز المناطق التي يشتد فيها التغير المناخي والبيئي، حيث يعيش فيه 500 مليون شخصٍ، ارتفعت درجة الحرارة بمنطقة البحر المتوسط بحوالي 1,5 تقريبًا منذ ما قبل العصر الصناعي، أي 20% أسرع من المتوسط العالمي. وفي حالة عدم اتخاذ تدابير إضافية للحد من هذا الأمر، سترتفع درجة الحرارة في منطقة البحر المتوسط بمقدار 2.2 درجة مئوية بحلول عام 2040، وربما تتجاوز 3.8 درجة مئوية في بعض المناطق الفرعية بحلول عام 2100.، ويترتب على ارتفاع درجات الحرارة وجود موجات حارة أشد وطأةً وأطول أمدًا. بالنسبة لمعظم المدن الكبيرة في منطقة الشرق المتوسط وشمال إفريقيا، ستكون أكثر شهور الصيف برودةً في المستقبل أكثر دفئًا من أكثر الشهور حرارةً اليوم، مما ينتج عنه فترات طويلة من الحرارة الشديدة والمدمرة. وستزداد حالات الجفاف الشديد في جميع أنحاء حوض البحر المتوسط، مما ينتج عنه آثار خطيرة على العديد من الأنظمة.

استناداً لنتائج تقارير الخبراء، دار الاجتماع حول الفرص المتاحة لمساهمة المجتمع المدني في التأثير على صناع السياسات فيما يخص ما تواجهه دول إقليم البحر المتوسط.

أوضح دكتور عماد عدلي رئيس المكتب العربي للشباب والبيئة، هذا الاجتماع هو الأول ضمن سلسلة من الاجتماعات عبر الإنترنت، يهدف لإتاحة فرصة للمنظمات غير الحكومية الأعضاء في الشبكة للمشاركة، والإدلاء برأي الخبراء والناشطين في المجتمع المدني، وتابع عدلي موضحاً: “الفرص متاحة لمشاركة المجتمع المدني، وتحقيق التغيير المطلوب ليس مستحيلاً، ولدينا تجارب سابقة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.”

كما أن هناك تقرير التقييم الأول للبحر الأبيض المتوسط (MAR1) الذي أعدته الشبكة المستقلة لخبراء البحر الأبيض المتوسط حول المناخ والتغير البيئي (MedECC) في نوفمبر 2020.، قدم المعارف العلمية المتاحة حول المناخ والتغير البيئي والمخاطر المرتبطة به في حوض البحر الأبيض المتوسط لتصبح في متناول صانعي السياسات وأصحاب المصلحة والمواطنين. وكتب التقرير ما يقرب من 190 عالمًا متطوعاً من 25 دولة.

ويتضمن التقرير ملخصًا لصانعي السياسات (SPM) ، ويشتمل على الرسائل الرئيسية وأهمها: أن كما أن التقرير يضع رؤية لتدابير الأمن المائي والغذائي المستدام، واستدامة الأراضي والبحار جميعها تدابير موجهة لصناع القرار، ويمكن أن يساهم فيها المواطنون، عبر التشبيك مع وسائل الإعلام، لذلك جاءت التجربة المصرية للمكتب العربي للشباب والبيئة الذي يتعاون مع الإعلام في ذلك بشكل منظم عبر إطلاقه مؤخراً “شبكة إعلاميون من أجل المناخ”.

من جانبه قال مايكل سكولاس رئيس الشبكة: على المستوى الوطني يمكن للمجتمع المدني التأثير على القرارات المهمة التي ستشكل سياسة المناخ، فمنسقو MedECC يعملون على المساهمة في إنشاء عملية تقييم علمي سليمة وشفافة، حتى نكون بحلول نوفمبر ” قمة المناخ 27″ قادرين على تقييم ما إذا كانت البلدان تأخذ على محمل الجد خطوات موثوقة لإنجاز ما التزموا به في قمة جلاسكو (مثل الالتزامات بإعادة النظر وتعزيز تعهداتهم بشأن المناخ بحلول نهاية عام 2022 من أجل الحفاظ على هدف الثبات عند 1.5 درجة مئوية) باعتباره هدفاً اساسياً لاتفاقية باريس.

كذلك فيما يخص التقليل التدريجي من الفحم وإنهاء دعم الوقود الأحفوري، نحن كمنظمات مجتمع مدني، بحاجة إلى أن نكون في وضع يسمح لنا بممارسة الضغط، لتعزيز السياسات والالتزامات المناخية نحو اتجاه إيجابي تجاه الطبيعة. عبر توفير مساحة مفتوحة للمنظمات غير الحكومية المشاركة للتعبير عنها اهتماماتهم ، وعرض إنجازاتهم وصياغة الرسائل الرئيسية بشكل مشترك للقوة

.وأوضح مايكل أن منطقة البحر المتوسط باعتبارها إحدى المناطق الرئيسية التي يشتد فيها التغير المناخي، تحتاج ، أكثر من أي وقت مضى، إلى عمل جماعي قوي لمواجهة التحدي الذي يفرضه التغير المناخي والبيئي. للمساعدة في تحقيق المساهمات المحددة وطنيًا بموجب اتفاقية باريس، وخطط التكيف الوطنية، وغيرها من السياسات مثل التنمية الريفية والصحة والتنوع البيولوجي وغيرها.

من جانبه قال د. عمرو عصام ممثل وزارة الخارجية المصرية التي تتولي رئاسة القمة COP27:” تأخرنا كثيراً، والتحليلات غير متفائلة ومتشائمة والمشكلة الكبيرة انه في وقتنا ذلك حينما نتحدث عن التحول وهذه واحدة من الرسائل التي نود أن ننقلها لاجتماع قمة المناخ السابعة والعشرينcop27 ، من الصعب أن تتم عملية التغيير في بلد واحد ولابد أن يتم ذلك في الإقليم كاملاً وإذا ما استطعنا إيحاد العامل المشترك الذي يستكيع الربط بين دول الإقليم، لإجراء التغيير حينها يمكننا نقل رسالة متفائلة، لأن الحكومات سوف تفهم الرسالة بوضوح حينما يكون المنحى مشتركاً”.

الإطار السياسي

أما البروفيسور ولفجانج كرامر ، الجغرافي البيئي وعالم البيئة العالمي، ومدير أبحاث (CNRS) معهد البحر الأبيض المتوسط للتنوع البيولوجي والإيكولوجيا (IMBE ، فرنسا). واحد المشاركين باستمرار في الفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي (IPCC). منذ عام 2017 فقال:” في مسألة تغير المناخ يجب أن يسير الإطار السياسي بالتوازي مع أهداف الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، لأن مخاطر التغيرات المناخية على دول البحر المتوسط، فحوض البحر المتوسط هو أحد بؤر التنوع البيولوجي على مستوى العالم، ويتعرض للخطر بسبب التغير المناخي، والتلوث، والاستغلال المفرط. وكلها أمور وردت في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والتي عملنا – الشبكة- بالتعاون معها ومع الاتفاقية الإطارية، واستطعنا جمع المخاطر الأساسية الخاصة بالمستقبل لدول حوض البحر المتوسط، وتم إفراد جزء خاص بذلك .

الأمن البشري

بالرجوع لتقرير الهيئة مع الشبكة وجد أن الأمن البشري لدول حوض البحر المتوسط مهدداً اكثر من غيره من الدول بسبب طبيعة الإقليم، التي تتسبّب المخاطر الساحلية الناجمة عن الفيضانات وأضرار العواصف في مخاطر كبيرة على الهياكل الأساسية وسبل عيش البشر.، مع ازدياد قوة الموجات الحارة وزيادة وتيرتها، تصبح نظم الدعم الاجتماعي للمسنين والمحرومين أكثر ضعفًا وتزداد الاختلالات المجتمعية. وذلك من خلال تأثير نوبات الجفاف على الزراعة والأمن الغذائي، لعبت نوبات الجفاف المكثفة دورًا مهمًا في الأزمة الإقليمية الحالية.

كما تتسم بلدان جنوب وشرق البحر المتوسط بشكل عام بأنها أكثر ضعفًا بسبب محدودية القدرات الاجتماعية والاقتصادية على التكيف مع التغيّر البيئي.، وقد يؤدي الصراع على الموارد المحدودة (الأرض والمياه والغذاء وما إلى ذلك) إلى زيادة الهجرة البشرية واسعة النطاق.

دول الخليج في خطر

قدم د. شريف الخياط، ممثل عن المجتمع المدني بالكويت، عرضاً علمياً بالإحصاءات حول الآثار السلبية لتغير المناخ على دول الخليج تحديداً بسبب طبيعتها التي تتسم بندرة المياه، واستخدام النفط، وقال:”هناك دراسة حالة عن الكويت، لدينا جزيرة بوبيان تقع في قلب الخليج العربيّ، وهي إحدى الجزر العربيّة، والتي تتمتّع بموقع استراتيجيّ، الأمر الذي يجعل منها مقصداً لمعظم الشّركات العالميّة لإدارة المشاريع، واستثمارها في هذه الجزيرة، والتي توفّر دخولاً مرتفعةً جداً للدولة الكويتيّة، لتدعمها اقتصاديّاً، وتعزّز مكانتها سياحيّاً.

بوبيان تواجه سيناريوهات، كارثية، فالتقارير تشير الى ان معظم هذه الجزيرة الحيوية سيغمره الماء عند ارتفاع سطح البحر الى واحد متر وهو دليل هلى مستوى الدمار حسب توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ

واضاف الخياط:” ايضا تواجه دول الخليج أزمة امن مائي وغذائي بسبب نقص الهطول المطري، لذلك لجأت الدول الى تحلية مياه البحر، ويتم ذلك عن طريق الوقود الإحفوري، الذي بطبيعته يزيد من الانبعاثات، فالازمة مركبة، والاحتياج لتحلية المياه متصاعد، وبالتالي استخدام الوقود الإحفوري، مستمر لتلبية احتياجات المواطنين، وهو ما ينبىء ان دولالخليج سوف تعاني في المستقبل من نقص مائي وبالتالي ازمة غذاء بسبب الاحيتاجات المائية التي تتطلبها زراعة المحاصيل.

تحديات خضراء خضراء

اما هاريس باليوجينيس مسؤول السياسات في المكتب الإعلامي للبحر الأبيض المتوسط للبيئة والثقافة والتنمية المستدامة، وعالم الأحياء البحرية فقال:” نحاول الاسراع في اتسخدام الطاقةالمتجددة، وهناك قائمة بورقة السياسات التي تتضمن التوصية باستخدام طاقة الرياح، وسوف تتم مشاركتها على مستوى الدو ل الاعضاء في الاقليم المتوسطي ومع وزرارات البيئة و الطاقة المتجددة.

وحول التحديات الخضراء الخضراء قال هاريس: هناك تحديات خضراء ايضاً فليست الأزمة فقط في الآثار الكارثية للتغيرات المناخية، ولكنها في الحلول، نعم هناك تناقضات أحياناً في سبل المواجهة، وعلى شسبيل المثال فان النشر الهائل للطاقة المتجددة بكل فوائده وهو بمثابة خطوة حاسمة في جهود المناخ في معظم البلدان. ومع ذلك ، على المستوى المحلي ، يعتبره البعض، تهديدًا لبيئتهم الطبيعية الغنية والمتنوعة. من خلال هذا المنظور ، نجادل بأن هذه المعضلة الخضراء مقابل المعضلة الخضراء، لذلك دعم السياسات التكاملية ومشاركة الاجتماعية فيما يخص الطاقة المتجددة، كما أن هذه التناقضات لن تحلها إلا المواءمات السياسية.

قريباً في برشلونة

الجدير بالذكر أن الشبكة المستقلة لخبراء البحر الأبيض المتوسط توفر المعلومات لصانعي القرار وعامة الناس على أساس المعلومات العلمية المتاحة والبحوث الجارية.و تعد منظمة MedECC حالياص تقييمات وتجميع شامل لمعرفة التغيير العالمي في منطقة البحر الأبيض المتوسط ومخاطرها، ويركز عمل MedECC الحالي على ثلاثة تقارير خاصة تتعلق بتحديات محددة تم تحديدها في تقرير التقييم الأول للبحر الأبيض المتوسط (MAR1):

تقرير خاص عن المخاطر الساحلية،

تقرير خاص عن العلاقة بين المناخ – المياه – الطاقة – الغذاء – النظم الإيكولوجية،

تقرير خاص عن التغير البيئي والصراعات والهجرة البشرية.

سيتم نشر التقارير في عام 2023. ومن أجل التقدم في إعدادها ، سيعقد اجتماع المؤلفين الرئيسيين المنسقين في التاسع من شهر يونيو 2022 في برشلونة. وستستضيف جامعة برشلونة الاجتماع. من أجل تحقيق تقدم فعال لكل تقرير ، وتحديد الرسائل الرئيسية ، والتداخلات المحتملة بين التقارير ، والقضايا المتداخلة بين الفصول داخل كل تقرير والفجوات المعرفية. هدف مهم آخر لهذا الاجتماع هو توضيح دور الجميع والمسائل الفنية المتعلقة بالتقارير ، لتحديد الخطوات والمواعيد النهائية التالية بوضوح، وكذلك لتأسيس طريقة فعالة للتقدم نحو نشر تقارير MedECC الخاصة في الوقت المناسب.