كشف ثقافى وإنسانى.. أول ظهور لـ«كريم».. رفيق أمل دنقل الوحيد فى «الرحلة الأخيرة»

نجا من الموت بسرطان الدم ودرس الفلسفة والسينما.. ويعيش الآن مع والدته فى باريس

الشاعر محمد سيف: ياسر عرفات أنقذ ابنى وعالجه على نفقة منظمة التحرير الفلسطينية

 «لا شىء يثبت أنى حى ولا شىء يثبت أنى ميت» 

«المعهد القومى للأورام- 1983»

«لقد أصبحتَ أقرعَ مثلى يا كريم» بهذه الكلمات القليلة، والبسيطة، والساخرة، والضاحكة داعب الشاعر أمل دنقل الطفل كريم- صديقه الوحيد الذى اختاره من بين عشرات المرضى فى المعهد- عندما دخل عليه ذات صباح صامتًا، وشاردًا، وحزينًا بسبب تساقط شعر رأسه كاملًا نتيجة جلسات العلاج الكيماوى. 

مد «أمل» يده الحانية إلى طاولة صغيرة بجواره، وسحب من فوقها «كاسكيت أحمر» «كاب».. واقترب وقرَّب كريم إليه حتى يضعه فوق رأسه الأقرع قائلًا بابتسامة حزينة: «أنت الآن أكثر جمالًا برأسك الأحمر يا رفيق»! فى هذا الصباح بكى كريم بشدة على غير عادته منذ أن اقتحم الغرفة «٨» وفرض صداقته البريئة- وأمل على غير العادة قبِلها بسعادة غامرة- والتى استمرت حتى فرّق المرض بينهما. سأله أمل بتأثر شديد: «لماذا تبكى؟».. نظر كريم وهو يشير إلى يده التى تتلقى فى الصباح والمساء وخز الحقن المتلاحقة، والمتتابعة، والتى تجعله يبكى بكاءً مريرًا. حاول أمل قدر استطاعته- ونجح فى ذلك- فى إقناعه «بأنها شىء جميل للغاية ولا يستحق البكاء»! بعد لحظات خرج كريم عائدًا إلى غرفته، فيما دخل أمل فى نوبة بكاء مرير وهو يكرر قوله لكل من يدخل إليه «ما الذى جناه طفل فى الرابعة ليسكنه هذا العذاب المؤلم؛ ليذوب جسده خلية بعد أخرى»، لقد انهارت حصون أمل الدفاعية التى كان يتمترس خلفها حتى لا يبكى حاله، ومرضه، وعمره، ونفسه، وجسده طيلة السنوات الماضية التى هاجمه فيها المرض وسكن، وأحكم قبضته القاسية تحت جلده الرهيف، وجسده الضعيف. الآن سقطت الحصون، وانهمرت الدموع حزنًا على طفولة كريم المعذبة تحت ضربات السرطان المؤلمة إلى حد القسوة وكأنه- فى واقع الأمر- بكاء النفس على النفس دون أن يشعر أمل بذلك!

 «أنا بارتجف

وبكرة فى كفى كما الخنجر

أنا بارتجف وخنجرى فى اليد 

يا بحر مالهوش حد

يا صوت هدير الفجر والحرية»

«القاهرة- 1983»

فى الوقت الذى كان فيه أمل مقتنعًا بالعلاج فى مصر، واثقًا فى أطبائه وفخورًا بكفاءتهم العلمية، ربما بعدما غضب طبيبه من فكرة السفر إلى أمريكا أو موسكو، على الرغم من تراجع الفكرتين «التراجع حدث عندما لم يسع أحد لسفره إلى واشنطن. والمرة الثانية بسبب عرقلة أو عدم اهتمام عبدالرحمن الشرقاوى بطلب خالد محيى الدين بتسهيل سفره إلى موسكو».. كل ذلك حدث مع قناعته أصلًا بأن الموت لن ينتظر لحظة، لا فى موسكو ولا واشنطن.. على الناحية الأخرى كان الشاعر محمد سيف يسابق الزمن ليطير بابنه إلى الخارج لاستكمال علاجه هناك. 

وكان كلما جلس إلى جواره يداعبه ويحدثه عن خطواته التى يسير فيها للوصول للهدف قائلًا: «بإذن الله سوف تسافر يا كريم للعلاج.. يا كريم.. ربك كريم»، بالفعل نجح الأب وجاء موعد السفر قبل ساعات من موت أمل دنقل. الآن يفترق الصديقان رغم اشتراكهما فى نفس المكان والزمان والأحزان يفترقان للأبد.. فبينما عاد الشاعر ودُفن -حسب وصيته- بجوار أبيه فى جنوب مصر، طار كريم «قبل ٤٨ ساعة» إلى باريس للعلاج هناك بتأشيرة من الزعيم الفلسطينى أبوعمار «ياسر عرفات» على نفقة منظمة التحرير الفلسطينية، لينجو كريم من الموت بأعجوبة فى دراما إنسانية غريبة وعجيبة وغير متوقعة بعدما نجح الفريق الطبى المعالج- وإرادة الله فوق كل ذلك وقبل كل ذلك- فى هزيمة ذلك المرض اللعين، ليعيش كريم الآن حياة عادية جدًا فى باريس وعمره الآن ٤٤ سنة! سبحان الله!

«يا مين يجمل حية مكروهة

يا مين يسايس بنت معتوهة

يا مين يلم الكلمة م التوهة» 

 «القاهرة- 1980»

كنت من أصدقاء أمل دنقل نجتمع معًا على مقاهى وسط البلد، حيث تعرفت عليه مطلع الستينيات تقريبًا فى ظل حركة ثقافية قوية تهز أركان العاصمة وشوارعها وجدرانها فى شتى الفنون. وجاءت النكسة لتسحب هذا الزخم الغاضب والرافض للهزيمة لدعم حرب الاستنزاف، والاستعداد لحرب التحرير، وخلال ذلك تنقلت للعمل فى مهن عديدة وسافرت إلى عدة دول عربية للعمل فى تأسيس مجلات وصحف هناك، ثم عدت للقاهرة.

فى عام ١٩٧٩ ولد كريم دون أى شكوى أو متاعب صحية، وبدأنا نسمع عن مرض أمل دنقل ودخوله إلى مستشفى العجوزة وخروجه منه بسلام، ثم دخوله مرة ثانية ثم خروجه، ثم المرة الأخيرة التى كانت عام ١٩٨٢ والتى كانت الأخيرة. فى هذه المرة مرض ابنى كريم، وبدأت عليه أعراض غريبة تتلخص فى ضيق شديد فى التنفس، وتجمع سائل متكرر على الرئة. وبعد رحلة شاقة من زيارات عيادات الأطباء ومراكز الأشعة والتحاليل اكتشفنا أنه مصاب بسرطان الدم. الصدمة زلزلتنى، صعقتنى، أفقدتنى الثبات والتركيز والعقل بعض الوقت، ثم بسرعة اتجهنا حسب إرشادات الأطباء إلى معهد الأورام «لم يكن وقتها يوجد مستشفى خاص لأورام الأطفال» وعندما كشف عليه الدكتور إسماعيل السباعى، الذى كان يعالج أمل أيضًا، قال: «المرض فى المرحلة الرابعة، ويجب دخوله فورًا للمعهد». قلت: «هل كان أمل دنقل فى المعهد وقتها؟».. ردَّ: «نعم دخل قبل كريم بعدة أسابيع، وعندما علمت بوجوده لم أرد إبلاغه حتى لا أزيده حزنًا فوق حزنه. لكننى منذ اللحظة الأولى قررت السعى إلى سفر كريم للعلاج بالخارج. ومثلما التف جميع رموز الحركة الثقافية فى مصر والوطن العربى حول أمل دنقل، فقد فعلوا الشىء نفسه مع ابنى. بدأ كريم يتلقى العلاج الكيماوى، وبدأت أنا طيلة النهار والليل أبحث عن وسيلة سريعة لسفره خارج مصر، لذلك أرسلت ملفه الطبى لكل الأصدقاء فى روسيا ولندن وباريس. وبعد عدت أسابيع جاء الرد من باريس».

«الكلمة مدهونة 

والضحكة مدفونة

والغنوة طفلة بين أيادى غول»!

«القاهرة- 1983»

وصلنا فى ذات المساء إلى بيته فى حى حلمية الزيتون- شرق العاصمة- وكانت عنده مجموعة من كتّاب وأدباء فلسطينيين «اتحاد كتّاب فلسطين» وهم جميعًا أصدقاء لنا. وكان اللقاء اجتماعًا دوريًا لهم فى منزل ياسين. بعد انتهاء الاجتماع عرض بشير السباعى الموقف عليهم، وأكد ضرورة سرعة سفر الطفل إلى فرنسا. قال عبدالقادر ياسين: إذن نقدم طلبًا إلى أبوعمار لعلاج كريم على نفقة منظمة التحرير الفلسطينية. وافق الجميع وقتها. لكن ظهرت مشكلة. قلت: وما هى؟ رد: «كيف سيتم ذلك وأنا مصرى ولست عضوًا فى اتحاد الكتّاب الفلسطينى»؟ بعد برهة من الوقت أردف قائلًا: «لكن بعد لحظات قال عبدالقادر ياسين: مفيش مشكلة، أعطنى يا رفيق- وأشار إلى صديق يجلس بالقرب منه- استمارة عضوية فى الاتحاد وكتب فيها اسمى، وبناء على هذه العضوية تمت كتابة الطلب فى اللحظة نفسها، وتوجيهه إلى الزعيم ياسر عرفات الذى كان فى ذلك الوقت ما بين لبنان وتونس بعد انتهاء الحرب اللبنانية. وعندما وصل إليه الطلب وافق على الفور، وأشار بتحمل تكلفة منظمة التحرير لجميع مراحل العلاج فى باريس مع توفير مسكن لائق للأسرة تتحمل تكاليفه المنظمة أيضًا طيلة فترة العلاج».

 

 «القاهرة- 1982»

فى شهر مارس من ذلك العام، وبالتحديد يوم «٨» دخل المعهد- دخل يوم «٨» وسكن فى الغرفة «٨»- للمرة الثالثة بعدما عاوده السرطان هذه المرة بكل شراسته، وقوته، وعنفه، رغم مقاومته البطولية له. «كان المرض قد بدأ هجماته الأولى فى سبتمبر ٩٧٩١، وهجمته الثانية فى مارس ٠٨٩١، وهجمته الثالثة والقاضية فى فبراير ٢٨٩١ والتى جاءت إلىّ به إلى المعهد».. أما الطفل كريم «وكان عمره ٤ سنوات» فقد هاجمه المرض «اللوكيما»- سرطان الدم- فى عام ٢٨٩١، وبعد زيارات مرهقة وشاقة للأطباء لمعرفة ماذا أصابه، «بدأت بأعراض ضيق فى التنفس» وزيارات مشابهة لمعامل التحاليل وأجهزة الأشعة، شخّص الأطباء الحالة بأنها سرطان! ونصحوا بدخوله المعهد فورًا. وبالفعل عاد الأب محمد سيف هذه المرة- كان يأتى زائرًا لصديقه أمل دنقل- للمعهد مع طفله الصغير.. استقبله الدكتور إسماعيل السباعى الذى كان يعالج «أمل» ويشرف عليه مع مجموعة كبيرة من الأطباء كانت تدرك قيمة أمل ونبوغه الشعرى، وبعدما انتهى من الكشف على كريم قال: «المرض وصل للمرحلة الرابعة.. كيماوى فورًا»! «الدكتور إسماعيل هو شقيق الأديب الراحل يوسف السباعى وزير الثقافة الأسبق»، وهو الذى كان قد أجرى الجراحة الأولى- قبل سنتين- لأمل ويومها قال له: «إن السرطان لن يعاودك إذا مرت عليك خمس سنوات.. لكن المرض عاوده قبل أن تنقضى السنوات الخمس»! 

 «المعهد- 1982»

منذ اللحظة الأولى لدخول أمل هذه المرة إلى عالمه الجديد للعلاج فى المعهد، فرض على نفسه حصارًا شديدًا حتى لا يقترب من غرفته نزلاء المستشفى الذين نظرًا لشهرته الواسعة وقتها قد بدأوا فى التردد والدخول إليه. هذه الطريقة- وهى شائعة فى المجتمعات العربية بين المرضى النزلاء فى المستشفيات- رفضها بشدة بعدما حوّل غرفته إلى عالم سحرى شعرى خاص به، فهو بتركيبته الإنسانية الصلبة لا يحب الضعف الإنسانى- وهو أمر طبيعى- ولا يحب البكائيات والكلمات والدعوات- وهى مطلوبة- والتى توقع سماعها من النزلاء المرضى. أمل رفض كل ذلك وشدد كثيرًا من الحصار على غرفته ونجح- بمساعدة الآخرين- فى ذلك، لكنه فشل- ربما للمرة الأولى فى حياته- فى أن يمنع إنسانًا فرض صداقته عليه. هذا الإنسان هو الطفل كريم الذى نجح فى كسر هذا الحصار، والقفز فوق الزمان، وتحطيم أسوار المكان بطفولته وبراءته وجسده النحيل، وصوته الهادئ الجميل، وعاش معه، يتردد عليه كلما شاء فى الصباح والمساء، وكأنه صديق أرسلته عناية السماء!

  «فرنسا- 1983»

إلى باريس طار كريم ووالدته- هكذا يتذكر سيف- وبقيت أنا فى القاهرة أستعد للسفر إلى طرابلس للعمل هناك فى مجلة- كنت قد تعاقدت عليها منذ شهور- لتجهيز ما يستجد من مصاريف فى مشوار السفر والعلاج. وبعد ثلاثة أيام من وصوله بدأ الطبيب المعالج مراحل العلاج السريع والمكثف لتحدث المعجزة والحمد لله نجا كريم من ذلك المرض اللعين، وأكمل مسيرة حياته العادية حتى اليوم باستثناء بعض التوابع البسيطة من جراء ذلك المشوار الطويل فى العلاج. وهو يزور القاهرة كلما سمحت ظروف عمله بذلك.

 

«القاهرة- 1983»

فى الوقت الذى كان فيه الأب يبحث عن طريق سريع للسفر، مع إيجاد تكاليف العلاج الباهظة، وهو فى ذلك الحين بالكاد يستطيع أن يوفر له علبة اللبن!.. كان كريم- بين فترات الراحة من تلقى العلاج الإشعاعى القاسى- يتسلل إلى غرفة الشاعر أمل دنقل بعدما تعرّف عليه وأحبه أمل- وأحبه أكثر- عندما عرف أنه ابن صديقه الشاعر محمد سيف. فى الغرفة «٨» كان يجلس كريم ويزور صديقه «إذا جاز المسمى» أمل ويجلس إليه. وكثيرًا ما بكى أمل عندما كان يراه حالق الرأس بسبب جلسات الكيماوى، وفى يده أماكن الحقن وعلى وجهه شبح المرض اللعين.

 «المعادى- 2022»

منذ عدة سنوات مرت وأنا أفكر فى الطفل كريم.. بعدما جاء اسمه وذكره وصوره فى بعض الكتب والحوارات والحكايات التى خرجت لنا من خلف جدران الغرفة «٨».. وكنت أسأل بينى وبين نفسى هل مات؟.. هل حى؟.. هل نجا من ذلك المرض اللعين؟.. وظلت الأسئلة عالقة، وساكنة فى ذهنى منذ سنوات حتى نشرت الأسبوع الماضى الحلقة الأولى من «تعليق على ما حدث فى الغرفة (٨)»، وبعد النشر عادت الأسئلة تلح علىّ للوصول إلى الأب محمد سيف «شاعر العامية» والد كريم، وبالفعل وصلت- بمساعدة الصديقين محمد جلال عابدين «مسرحى» ومحمد خطاب «باحث»- وذهبت إليه فى بيته على نيل المعادى ذات ظهيرة حارة وهادئة. فى هذا اللقاء سألته فى البداية عن كريم؟ رد: «كريم الحمد لله نجا من الموت بسرطان الدم ويعيش الآن مع والدته فى باريس، ودرس الفلسفة والسينما وهو الآن (إذا جاز اللفظ) مثقف ومحلل سياسى وفنان، ويزور القاهرة فى إجازات صيفية متباعدة ثم يعود إلى مقره ومستقره فى باريس». قلت وأنا فى حالة ذهول تام: كريم عايش؟!.. رد: «نعم.. والحمد لله». قلت وأنا أطيح بما معى من أوراق وهدوء وضبط للنفس- ثم اعتذرت عن هذا بعد ذلك: طفل عمره سنتان يصاب بسرطان الدم، ورغم ذلك يعالج وينجو، ويعيش، ويتعلم، ويدرس، وينجح، ويتسكع فى الشوارع، ويجلس على المقاهى ويمشى فى الأسواق مثل باقى خلق الله؟!.. «ياما أنت كبير يا رب». كررتها عدت مرات حتى تركنى الأب متجهًا إلى المطبخ وهو يقول لى مبتسمًا: «أكيد أنت تريد فنجان شاى؟» هززت رأسى الذى ما زال يدور وتثور بداخله عشرات الأسئلة، والحكايات، وأنا أرد قائلًا: «يا ريت.. يا أستاذ»! بعد دقائق استعدت توازنى وطلبت منه الاتصال بكريم حتى أسمع صوته.. وقد كان!

 «باريس بعد 20 دقيقة»

من مدينة الحرية والأحلام والأوهام جاء صوته «يتحدث عربى مكسر»: «أهلًا.. أهلًا.. قال لى والدى عن هذا الريبورتاج الصحفى.. والحقيقة أنا كنت صغير كما تعلم عندما عرفت عمو أمل.. وما أذكره قليل.. لكن ما زالت ملامح وجهه فى ذهنى لا أنساها.. وعندما كبرت عرفت قيمته وموهبته وتاريخه واسمه فى عالم الشعر... وأنا سعيد أن اسمى ارتبط باسمه فى الغرفة (٨) التى كان يسكنها. وقبل أن يفصل الخط بيننا قال: الله يرحمه.. ثم فصل الخط. قلت للأب: أريد أن أعرف الحكاية منذ البداية، نظر لى بابتسامة ثم قال: اتفضل الأول.. اشرب الشاى»! 

 

 «المعادى- 2022»

عندما تذكر الأب هذه اللحظات قال: أول مرة دخلت إلى أمل فى غرفته قال: لماذا يا محمد لم تقل لى إن كريم ابنك؟.. قلت: كفاية اللى أنت فيه يا أمل. فاحتضننى وهو ممدد على سريره وبكينا معًا حتى أتعبنا البكاء! بعد أسابيع جاء الرد من باريس قائلًا: «يحضر كريم فورًا للعرض على دكتور متخصص قد وافق على علاج الحالة»، يومها- هكذا يقول الأب- دارت بى الدنيا عندما وجدت طاقة أمل لعلاج ابنى فتحت أمامى. لكن من أين تكاليف السفر والعلاج؟ طرحت هذا السؤال على الكثير من الأصدقاء والذين كانوا يشاركوننى البحث عن وسيلة سريعة. ومنهم عزالدين نجيب، وإبراهيم منصور، وزين العابدين فؤاد، ومحمد روميش، وسمير حسنى، وفؤاد قاعود، وكان يتابع الموقف من روسيا «عبدالرحمن الخميسى» وأمير سالم وعماد أبوغازى، وخليل كلفت، وبشير السباعى الذى جاء لى ذات يوم وقال: «مفيش غيره»! قلت: مَن؟ رد: صديقنا عبدالقادر ياسين «كاتب ومناضل فلسطينى يعيش بالقاهرة منذ منتصف الخمسينيات»! وبالفعل ذهبنا إليه فى بيته. 

 

«القاهرة - 2022»

وبعد ما يقرب من ساعة وأكثر جلستها مع الشاعر محمد سيف عدنا فيها بالزمان والمكان إلى المعهد القومى للأورام، وجدران الغرفة «٨» والمرض والطب والموت والحياة واليأس والأمل والتضامن والوحدة والمقاومة والثقافة والقاهرة وطرابلس ودمشق وفلسطين ولبنان، وتونس، وأبوعمار واليمين واليسار، وباريس وموسكو، والأشواق والأزهار، ثم تركته وخرجت مسرعًا من العمارة أترجل حتى وصلت إلى نيل المعادى القريب من مسكنه. وبدأت رحلة عودتى إلى بيتى سيرًا على الأقدام مندهشًا، أمشى وحدى، أنظر للنيل الساكن بجوارى وحدى. أنظر إلى موجه النائم على نسمة عصارى هادئة وحدى. وأسأل النيل وحدى: «هل كان أمل دنقل يتنبأ- بصفاء النية، وسكينة النفس، ونقاء الضمير- عندما اختار الطفل كريم من بين المئات نزلاء المستشفى- ليقربه، ويصادقه، ويرافقه فى رحلة المرض والموت، ليضعه لنا- بهذا القرب الغريب والمدهش والعجيب- فى برواز ضمن تصاوير أوراقه فى الغرفة (٨) ليقول لنا: إن كان المرض قد انتصر علىّ رغم مقاومتى الشديدة له، فبينكم الطفل كريم- أو الذى كان طفلًا- رسالة أمل جديدة، فلا تيأسوا ولا تبتئسوا.. ولا تحزنوا.. فهذا الطفل- رغم أننى أحببته كثيرًا وأبكانى كثيرًا إلا أنه- سيعود إليكم ذات يومٍ بالأمل منتصرًا على المرض».

«قال فى آخر الليل: 

خدنى إلى البيت

بيت المجاز الأخير

فإنى غريب هنا غريب،

ولا شىءَ يُفرحنى قربَ بيتِ الحبيب»

 «القاهرة- 1983»

... و.. و.. فى النهاية.. مات أمل!

 «القاهرة - 2022»

.. و.. و.. فى البداية.. عاش أمل!

 

تاريخ الخبر: 2022-05-29 21:21:32
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 58%

آخر الأخبار حول العالم

مبديع من زنزانته بـ"عكاشة" يستقيل من عضوية مجلس النواب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:25:59
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

مبديع من زنزانته بـ"عكاشة" يستقيل من عضوية مجلس النواب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:26:05
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

القضاء يعزل بودريقة من رئاسة مقاطعة مرس السلطان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:26:21
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 57%

ماكرون يطالب بمشاركة مبابي في أولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:25:48
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

القضاء يعزل بودريقة من رئاسة مقاطعة مرس السلطان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 18:26:17
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية