خبراء لـ«الدستور»: الجهل وراء جريمة الدقهلية.. ودعم الزوج طوق نجاة الأُم من «الانفجار النفسى»

حادث مروع أثار جدلًا فى الشارع على مدار الأيام الماضية، بطلته أُم لثلاثة أبناء من محافظة الدقهلية، ذبحت أطفالها ثم حاولت الانتحار بإلقاء نفسها أمام جرار زراعى، إلا أنها لم تمت، وأصيبت بإصابات بالغة، وحين سألتها النيابة عن سبب قتلها لأطفالها قالت إنها عانت من اكتئاب حاد، وإن أحد أبنائها يعانى من التوحد ما أثّر على حالتها النفسية.

سلطت الجريمة وأقوال الأم الضوء على ظاهرة منتشرة فى مصر والعالم، لا يُلتفت إليها، هى معاناة الأمهات من مرض نفسى يدعى «اكتئاب ما بعد الولادة».

وفق أقوال الأم فى تحقيقات النيابة، فإنها كانت تتمتع بحياة أسرية مستقرة، لكن دخلت فى نوبة اكتئاب شديد عقب ولادة طفلها الأخير، ما دفعها للتفكير فى إزهاق روحها وأرواح أطفالها، ولذلك استغلت فرصة انفرادها بالأطفال الثلاثة فى منزل الزوجية ونفذت جريمتها.

وفق منظمة الصحة العالمية، يعانى نحو ١٠٪ من النساء حول العالم من الاكتئاب أثناء فترة الحمل، وترتفع النسبة إلى ١٣٪ بعد الولادة، وفى الدول النامية ترتفع النسبة إلى ١٦٪ خلال فترة الحمل وتصل إلى ٢٠٪ بعد الولادة.

ويرى أطباء وخبراء نفسيون أن الأزمة سببها ارتباط قدوم مولود جديد فى أذهان غالبية أفراد الأسر المصرية بالفرح والسعادة، حيث ينشغلون فى تجهيز ملابسه الصغيرة، ومساعدة الأم فى العناية به، والتحضير لحفل «السبوع»، لكن داخل الأم هناك صراع من نوع آخر يشتعل، حيث يباغتها القلق والاكتئاب.

ويفسر الخبراء «اكتئاب ما بعد الولادة» بالتغييرات الهرمونية التى تحدث عقب الولادة، وتنشأ عن الانخفاض الحاد المفاجئ فى هرمونى الإستروجين والبروجسترون، إضافة إلى انخفاض هرمونات الغدة الدرقية التى تنشأ عنها زيادة الشعور بالكسل والتعب والاكتئاب.

وأشاروا إلى دور الضغوط النفسية عقب الولادة بسبب القلق من تغيير روتين الحياة وشكل الجسم، واحتمالية أن تشعر الأم بفقدان التحكم فى حياتها، ومن ثم الإصابة بخوف وقلق شديدين، ما يؤدى إلى الاكتئاب.

 

جمال فرويز: الأعراض قريبة من «الفصام».. والتفكير فى الانتحار والإيذاء وارد

شدد استشارى الطب النفسى، الدكتور جمال فرويز، على أن اكتئاب ما بعد الولادة من الأمراض التى انتشرت بصورة كبيرة فى الأعوام الأخيرة، ويأتى بأعراض تشبه مرض الفصام، وفيه ترفض المريضة تقبل نفسها ومَن حولها، خاصة أطفالها، وتصاب بتقلبات مزاجية حادة، وتعانى الأرق أو النوم لفترات طويلة، وتتردد فكرة الانتحار والتخلص من الطفل أو إيذائه، مع خوفها المستمر من الفشل فى العناية بالطفل. 

وأضاف لـ«الدستور»: «تحدث الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة نتيجة الأفكار والمشاعر السلبية الحادة طويلة الأمد التى تتعرض لها الأنثى فى بداية الزواج حتى موعد الولادة، وتظهر أعراض الاكتئاب أثناء الحمل بصورة بسيطة تتمثل فى البكاء أو عدم تحمل الألم».

وتابع «فرويز»: «اكتئاب ما بعد الولادة ليس له موعد محدد ولكن أعراضه القوية تظهر عقب الولادة مباشرة، وليس من المعروف بالتحديد طول المدة اللازمة للتعافى منه، فمن الممكن أن يستمر فى أول ثلاثة أشهر فقط بعد الولادة، ويمكن أن يمتد لثلاث سنوات، ويتحكم فى ذلك توقيت التشخيص واللجوء للطبيب المختص، فهناك الكثير من الأسر تتأخر أو تتجاهل معاناة الأم، وبالتالى تطول فترة إصابتها وتتفاقم معاناتها».

وأشار إلى أهمية التوعية المجتمعية بأعراض «اكتئاب ما بعد الولادة»، حيث يمكن تقليل فاتورة الخسائر بالتشخيص المبكر واللجوء للمختصين لوصف العلاج المناسب، وتقديم الدعم النفسى للمرأة أثناء فترة الحمل وعقب الولادة.

وعن تعليقه بشأن «مذبحة الدقهلية»، قال استشارى الطب النفسى إن الأم التى ذبحت أبناءها ضحية لجهل المجتمع، والدائرة المقربة منها التى فشلت فى الانتباه لمعاناتها، وبالتالى تأخر اللجوء للطبيب المختص. وأضاف: «هناك حالات كثيرة مشابهة لحالة سيدة الدقهلية، والعامل الذى يتحكم فى درجة العنف والإيذاء، هو حجم الضغوط، ودرجة وعى المحيط، والمصابة نفسها».

سامية خضر: زيادة عدد العيادات النفسية لاحتواء الظاهرة

أوضحت الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن انتشار العيادات النفسية ومراكز الدعم الاجتماعية يساعد فى احتواء بعض الظواهر السلبية مثل حالة «سيدة الدقهلية»، مع اكتئاب ما بعد الولادة، مطالبة بجدية التعامل مع الأمراض والمشكلات النفسية والاجتماعية التى تؤثر على كثيرين. 

وقالت: «نحن لا نتعامل بجدية مع المرض النفسى، ولا تتوافر لدينا فى مصر زيارات من إخصائيين اجتماعيين للمحتاجين فى منازلهم، ويجب العمل على توفير ذلك، خاصة فى القرى البعيدة، لخدمة السيدات، أسوة بما يحدث فى العديد من دول العالم، خاصة أن كثيرًا من الأشخاص أصبح يعيش فى عزلة، ولم يهتم أحد بالآخر كما كان الأمر فى الماضى، مع انتشار وسائل التواصل التى تقدم أفكارًا سلبية وانتحارية لمن يمرون بظروف صعبة».

عمرو حسن: تغير الهرمونات السبب وأعراضه الحزن

أشار عمرو حسن، طبيب النساء والتوليد، إلى أن اكتئاب ما بعد الولادة قادر بالفعل على إحداث اهتزاز نفسى لدى الأم، ومن أبرز أعراضه الحزن والشعور باللا مبالاة والرغبة فى البكاء طوال الوقت، بالإضافة إلى الإحباط من عدم الشعور بالحب تجاه مولودها، وهو ما يصاحبه من مشاعر خزى وتقصير وإحساس بانعدام القيمة. 

وأضاف: «اكتئاب ما بعد الولادة ينتج عن تغير فى الهرمونات، وعن الإرهاق فى فترتى الحمل والولادة، والقلق الزائد على الطفل، ما يتسبب فى الإحساس بالذنب، وهو ما يمكن أن يدفع الأم إلى الانتحار أو قتلها أطفالها». وأوضح أنه على الأمهات تفادى هذا الاكتئاب، فى حال ظهور أعراضه، بالمتابعة مع طبيب نفسى متخصص، مشيرًا إلى أن الزوج والأهل يلعبون دورًا كبيرًا فى هذه الأثناء لمتابعة الحالة النفسية والصحية للأم، إذا ظهرت تغيرات فى شخصيتها عقب الولادة.

 

عزة كامل: على المراكز الطبية رصد أى تحولات للمرأة

قالت الدكتورة عزة كامل، الناشطة الحقوقية النسوية، إن «سيدة الدقهلية» كانت تعانى من ضغوط حياتية كبيرة، خاصة أنها كانت تتحمل مسئولية أطفالها بمفردها، لافتة إلى أن طريقة كتابتها للرسالة التى تركتها، توضح أنها كانت تعانى من اهتزاز نفسى.

وأضافت أن معظم النساء يعانى من اكتئاب ما بعد الولادة، مشيرة إلى أن هذا المرض النفسى قد يدفع لارتكاب جرائم.

ونصحت سيدات مصر عند ظهور أى أعراض اكتئاب ما بعد الولادة بزيارة الطبيب النفسى للعلاج، محذرة من خطورة هذا المرض، مطالبة المراكز الطبية بالاهتمام بهذا الأمر بشكل أكبر وأن تلعب دورًا أوسع فى مساندة السيدات.

 

محمد ميزار: الاضطراب النفسى يُفقد الإنسان الإدراك وقت ارتكاب الجريمة

أكد محمد ميزار، الخبير القانونى، أن المادة ٦٢ فقرة ١ عقوبات بالقانون رقم ٧١ لسنة ٢٠٠٩، نصت على أن الاضطراب النفسى قد يفقد المتهم الإدراك أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة.

وذكر أن القانون اعتبر ذلك سببًا للإعفاء من المسئولية الجنائية، حيث لا يسأل جنائيًا الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار أو الذى يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيًا كان نوعها، إذا أخذها قهرًا عنه أو عن غير علم منه.

وأضاف أن الشخص سيظل مسئولًا جنائيًا إذا كان يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، لكن تأخذ المحكمة فى اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة.

وأكد أنه إذا اقتصر أثر المرض على الانتقاص من إدراك المتهم أو اختياره، يظل المتهم مسئولًا عن ارتكاب الجريمة، وإن جاز اعتبار هذا الانتقاص ظرفًا، يصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة التى توقع عليه.

وبيَّن أن محكمة النقض استقرت على أن تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التى تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، ويجب عليها تعيين خبير للبث فى هذه الحالة إثباتًا أو نفيًا، ويجوز للمحكمة أو سلطة التحقيق إيداع المتهم إحدى دور الصحة النفسية تحت الملاحظة لمدة ٤٥ يومًا للتأكد من مدى سلامته.

تاريخ الخبر: 2022-06-01 21:20:53
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

أمطار مصحوبة بعدد من الظواهر الجوية على جميع مناطق المملكة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:24:07
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

رواد مركبة الفضاء الصينية “شنتشو-17” يعودون إلى الأرض في 30 أبريل

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

الصين: “بي إم دبليو” تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:11
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

رصد 54 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية في شهر مارس السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:24:06
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 09:25:14
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية