«الندوة الثقافية» تطفئ أنوارها: صاحب المقهى يحكي أسرار عن روادها من «الصُّحبجية»

كثيرٌ من الكُتّاب والمؤلفين ومشاهير المصورين الصحفيين كانوا يختارون مقهى الندوة الثقافية الذي تعرض للإغلاق أمس بحكم المحكمة للجلوس عليه، وربما كان للمقهى تفضيل نظرًا لعدم استخدامه التلفاز أو ألاعيب التسلية كـ الدومينو والشطرنج والطاولة، وفي هذا التقرير نرصد كيف كان المقهى قُبلة الكُتّاب والفنانين.

“الدستور” كانت هناك تستمع إلى حكايات “الندوة الثقافية” من صاحب المقهى الذي أراح ظهره إلى الخلف ورشف بقايا الشاي ليحكي لنا قصة مقهاه ورواده الذين كانوا حديث شارع باب اللوق في وسط البلد.. فماذا قال؟  

◘ وحيد حامد:  "القمر يقتل عاشقه" !

قبل أن تعرف أقدام وحيد حامد فندق "جراند حياة" كان واحدًا من المترددين على مقهى الندوة الثقافية بعد مجيئه إلى القاهرة عام 1963 من محافظة الشرقية لدراسة علم الاجتماع بكلية الآداب، ليكتب في عدد من الصحف والمطبوعات وأصدر أول مجموعة قصصية من هيئة الكتاب تحت عنوان "القمر يقتل عاشقه"، وكانت أغلب جلساته كانت مع الصحفيين والكتبة بشكل عام.

كان حامد لا يبخل في شرح أي مشهد لعمّال المقهى، ورغم حب وحيد حامد لمهنة الصحافة، إلاّ أنه نصح بالكتابة في الدراما بعد مقابلته وتردده على مجالس كبار مثقفي مصر منهم الأديب الكبير يوسف إدريس ونجيب محفوظ والكاتب المفكر عبدالرحمن الشرقاوي، الأساتذة الذين كان لهم دور كبير في إثقال موهبة السيناريست الأهم في تاريخ السينما المصرية، فرغم كتابته للدراما إلا أنه أحب صاحبة الجلالة وقدّرها رغم عدم امتهانها، وكان يعامل مع الجميع بذوق وكان من المستحيل أن يطلب أي شئ دون أن يقول "لو سمحت" وبصوت به رنة خجل واضحة، وكان يحب تدخين الشيشة التمباك وكان مغرمًا بها، ولا يحدث مع أي أحد إلا بعد شرب الشيشة.

◘ وحيد فريد: (لك يوم يا ظالم)

اعتبر وحيد فريد أكبر مصور سينمائي، فهو من مواليد أغسطس 1919 وفارق الحياة في 1998 ولعله أطول المعمرين مع الكاميرا السينمائية، فتجارب السنين جعلته يعمل مع الكبار لتتميز كادراته في وصف العائلة المصرية، كل ذلك أهله لاستحقاق لقب "شيخ المصورين"، وكان شيخ المصورين من رواد المقهى لسنوات طويلة وكان له موعد ثابت يأتي فيه ليلًا ويشرب شيشة التمباك ومشروبة الساخن ما بين ينسون أو قرفة أو شاي أو قهوة، ورغم ميلاده بالإسكندرية لأب تركي وأم تركية إلا أنه فضّل شوارع وسط البلد، ومقاهيها والعمل بالقاهرة، فكان والده يعمل بأحد الوزارات ثم تم نقله إلى القاهرة لتصبح محطة منيرة في حياة وحيد فريد للعمل مع كبار المصورين والروّاد مع الكاميرا ومن بينهم محمد عبد العظيم وحسن داهش، شيخ المصورين الذي التقط أغلب أفلام فاتن حمامة و11 فيلمًا للعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.

وفي مرة وأثناء جلوس وحيد فريد على المقهى لمحه المخرج صلاح أبو سيف، فقام مهرولاً إلى طاولته للسلام عليه، الصدفة البحتة التي جعلت من المعلم سعيد يعلم قيمة ومنزلة شيخ المصورين فقط، عند قدوم مدير تحرير أحد الصحف القومية إلى المقهى لم يتذكر سعيد اسمه، فقال له:"أستاذنا وفنانا الجليل إزي حضرتك" وقتها أحس سعيد أن الضيف لا يقل أهمية عن صلاح أبوسيف أو فاطمة رشدي أو المليجي أو كأي نجم، ومع الوقت يقول سعيد تأكد من منزلته عند ذهاب ممثلين مثل المليجي أو الدقن أو رؤساء الصحف للسلام عليه والحديث معه والضحك أو لسؤاله في مسألة فنية.

شيخ المصورين بصماته كبيرة في السينما المصرية منها "لك يوم يا ظالم" و"إمبراطورية ميم" و"ليلة القبض على فاطمة" وغيرها من الروائع التي تحدث عنها الكبار، فاتن حمامة قالت في حق شيخ المصورين هو من جعلني "سيدة على الشاشة"، ولم يبعد هنري بركات في رأيه عن فاتن بحق وحيد فريد، فيقول:"عشق الكاميرا فعشقته".

◘ محمد حمزة

محمد حمزة أو مداح القمر أو صاحب الـ 1200 أغنية كان مدمنًا للمقاهي، وكان الكثير من النجوم يقابلونه على مقهى الندوة الثقافية، كان يأتي للندوة الثقافية بشكل يومي على"طرابيزة" ثابتة بالمقهى، تنصب له مع أصدقائه الصحفيين والمثقفين والروائين ومن بينهم الصحفي محمد تبارك والكاتب الساخر فؤاد معوض، المعروف باسم "فرفور".

كانت حقبتي السبعينيات والثمانينيات متوهجة بالشعراء والمثقفين على المقهى ومن بينهم الشاعر الغنائي محمد حمزة الذي كان كثير الكتابة، فمن الممكن أن يلتقط ورقة من الأرض للكتابة عليها، حمزة الذي غنى له كبار المغنين الوطن العربي، وغنّى له العندليب الأسمر 34 أغنية، حققت لعبدالحليم حافظ نقلة شهد عليها النقاد، وتحديدًا سواح ومدّاح القمر، وزي الهوى التي قال عنها العندليب إنها أكثر الأغاني المقربة إلى قلبه.

ويحكي صاحب المقهى أن حليم أرسل سيارته إلى مقهى الندوة الثقافية بوسط البلد لاصطحاب الشاعر إلى فيلا العندليب الأسمر، وليأتي بعدها يقول إن حُلم كان يريد مني أغنية جديد قبضت عربونها: "يلا يا سعيد اعمل حسابك عشاك عندي النهاردة"، وظل محمد حمزة، يتردد على منطقة وسط البلد حتى قبل وفاته في 2010، والتي ودعها عن عمر ناهز الـ70 عامًا.

◘ فاروق إبراهيم: من حلاق لمصوّر الرؤساء (!)

كان فاروق إبراهيم مصور الرؤساء صاحب وصاحب العديد من الأنواط والهدايا التذكارية والمصور الأشهر في تاريخ المصورين، كان فنان رفيع المستوى في كل شيئ حتى في تصرفاته البسيطة العادية مثل رسمه قام "بشخبطتها" على ورقة معسل، وتركها خلفه، أو جملة كتبها في ورقة التقطها من الأرض ليحتفظ بها في جيبه، كان إبراهيم قريبا من السادات، لدرجة أنه في إحدى المرات تم طلبه من مكتب رئاسة الجمهورية للحضور.

الفنان الراحل كان كثير الضحك والتنطيط والتنكيت وهذا ما اتفق عليه العديد من النجوم وعلى رأسهم كوكب الشرق أم كلثوم، عندما قالت له: "اقعد يا فاروق ما تتنطتش واقعد في أي جنب مش عارفه أغني".

لا يستطيع أحد أن يصف شغف وحب فاروق إبراهيم للكاميرا، فلو لمح طفلا يسير بشارع الفلكي أمام المقهى لأخرج والتقط له صورة، ولو أن بائع خضار يسير بعربته كان من الممكن ان يترك كل شئ ويقضي اليوم معه لتصويره، كان مصور الروائع قد أخذ العشرات من الصور لزبائن الندوة والعاملين بها دون الطلب منه ليتفاخروا بها، فمصور الرؤساء والفنانين قد صورهم.

المصور الصحفي مولود في أغسطس 1939، لم يكن دخوله إلى العالم التصوير من باب الرفاهية، أو الاختيار، إنما كان دخوله فقط من باب أكل العيش بعد انفصال أبيه عن أمه بمنزلهم الكائن بشارع محمد علي، فحكمت الظروف على الطفل ابن العاشرة إلى النزول والسعي لسوق العمل، ليبدأها بحلاق، ثم عامل في فرن إلى عامل بناء منازل، وسباك، فحداد، حتى أشفق عليه خاله العامل بصحيفة "المصري، ليكون سببا في دخوله بلاط صاحبة الجلالة من خلال الساحرة الصغيرة "الكاميرا" في الجريدة كعامل مساعد في غرفة التحميض.

يقول صاحب مقهى الندوة الثقافية إن فاروق إبراهيم كان يجيد كل شيء، فلو قمنا بتجديد المقهى كان لا يتردد في المساعدة بيديه، كان لا يستكبر أن يأخذ مشروبه بنفسه من أعلى النصبة: “كان مستحيل تشوفه ولو جزء صغير من تكبر أو غرور، رغم أهميته وحظوته التي يتمتع بها من الصغير والكبير ومن كل زائر إلى الندوة الثقافية”.

تاريخ الخبر: 2022-06-03 00:21:44
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

قيادي بحماس: إذا استمر العدوان فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 03:26:08
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

يُتوقع تسليمه شهر نوفمبر: تسارع وتيرة إصلاح المصعد الهوائي بعنابة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 03:24:32
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

قيادي بحماس: إذا استمر العدوان فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 03:26:00
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية