مرة جديدة يندفع الجيش بتفانٍ ويدفع ضريبة الدم رغم ظروف العيش الصعبة التي يعانيها ضباطه وأفراده نتيجة الجريمة المتمادية التي ترتكبها بحق الشعب اللبناني المنظومة الحاكمة ومَن يواليها وينتخبها وينصِّبها مجدداً فوق صدور المواطنين.
وككلّ المرات يجب ألا يتوقف طرح السؤال: هل تقتصر وظيفة المؤسسة العسكرية على قمع المخالفات، فتحل تارة محل قوى الأمن والشرطة، وتعمل طوراً كأنها مكتب مكافحة المخدرات؟
واقع الأمر ان قمع مهربين عاثوا فساداً في البلاد ما كان ليحتاج أن يجرِّد الجيش حملة عسكرية كما لو أنه ذاهب الى جبهة قتال، لولا أن هؤلاء لم يحظوا على مدى سنوات بحمايات جعلتهم يتجرأون على الدولة ويقتنون أسلحة الجيوش والميليشيات، بل يُجري بعضهم مقابلات على الهواء غير آبه بقانون أو قضاء.
كلنا يشد على يد الجيش، لكن من الضروري التذكير بأن الجيش وُجد لحماية الحدود والسيادة وليس لخدمة قوى الأمر الواقع حين يستشري في مناطقها الفلتان الذي تتحمل جزءاً غير يسير من المسؤولية عنه. فـ"جمهورية الشراونة" ما كانت لتستمر عقوداً لولا أن توظيفها حاصل في مكان ما، على الأقل لتعزيز فكرة أن الجيش ضعيف، وأنه إذ يعجز عن وقف الاشتباكات المتكررة بين عشيرتين فلن يصدَّ حتماً عدوان اسرائيل.
لم يقصِّر الجيش يوماً في مواجهة الجريمة والخارجين على القانون، لكن لو أتيحت له ممارسة دوره الطبيعي في ضبط الحدود والمعابر وإقفال مسارب التهريب لحرمان المرتكبين حديقتهم الخلفية، لما اضطر الى القتال في شوارع بعلبك وقراها والى سلوك ثأري تَمثَّل في هدم بيوت الجناة.
كل التضامن مع المؤسسة العسكرية في مهمتها البقاعية، لكن يُخشى أن تذهب التضحيات الغالية هدراً ما دامت حملة استعادة هيبة الدولة موضعية ومحددة ومدوزنة على قياس المنظومة الحاكمة ومصالحها. ما يريده اللبنانيون هو أن يُلغي الجيش كل أشكال البؤر الأمنية في أي مكانٍ متاح من لبنان، ولو بالتدريج، ما دام التسليم للدولة بحقها البديهي مستحيلاً في البيئة المتماهية مع السلاح غير الشرعي.
نقلا عن نداء الوطن
