تعليق الجزائر معاهدة التعاون مع إسبانيا... الرابح والخاسر من تدهور العلاقات؟


إعلان

دخلت منذ 18 مارس/آذار تاريخ إعلان مدريد دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، في نفق مظلم غير مسبوق مع الرفض الكلي لقصر المرادية التحول الجذري في موقف الجار الإيبيري إزاء ملف الصحراء الغربية.

وكانت الحكومة الإسبانية قد أعلنت، وللمرة الأولى، دعمها مخطط الرباط في الصحراء الغربية، معتبرة أن "مبادرة الحكم الذاتي المُقَدمة في 2007 (من جانب المغرب) هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع" بين الرباط وجبهة البوليساريو.

وردا على الموقف الإسباني، سارعت الجزائر، حليفة البوليساريو في المنطقة، وقتها إلى استدعاء سفيرها لدى مدريد "للتشاور"، كما أعلنت شركة المحروقات الوطنية سوناطراك، المملوكة للدولة، رفع أسعار الغاز الذي تصدره إلى إسبانيا.

وأتى هذا التحول في الموقف الإسباني إزاء الصحراء الغربية، عقب شهور طويلة من الجفاء الدبلوماسي الخطير بين المغرب وإسبانيا، في خضم تأزم العلاقات بين البلدين لمستويات عالية، على خلفية استقبال مدريد في أبريل/نيسان 2021 لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي لتلقي العلاج بعد إصابته بفيروس كورونا بـ"وثائق مزورة وهوية منتحلة"، وفق اتهامات الرباط.

مرحلة جديدة في تأزم العلاقات الإسبانية الجزائرية

الأربعاء 8 يونيو/حزيران، حلقة جديدة في تأزم العلاقات بين البلدين، إذ أعلنت الجزائر تعليق "معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون" التي أبرمت عام 2002 مع إسبانيا على خلفية موقفها الجديد من ملف الصحراء الغربية الداعم للمقترح المغربي.

وأوضحت الرئاسة الجزائرية أن بلادها قررت "المضي قدما في التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي أبرمتها في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2002 مع إسبانيا والتي حددت تطوير العلاقات بين البلدين".

لتعلن الخميس تجميد عمليات التجارة الخارجية للمنتجات والخدمات من وإلى إسبانيا اعتبارا من 09 يونيو/حزيران 2022.

وفي انتقاد شديد اللهجة للحكومة الإسبانية، أضافت الرئاسة الجزائرية أن "نفس هاته السلطات التي تتحمل مسؤولية التحول غير المبرر لموقفها منذ تصريحات 18 مارس (آذار) 2022 والتي قدمت الحكومة الإسبانية الحالية من خلالها دعمها الكامل للصيغة غير القانونية وغير المشروعة للحكم الذاتي الداخلي المقترحة من قبل القوة المحتلة، تعمل على تكريس سياسة الأمر الواقع الاستعماري باستعمال مبررات زائفة" وفق تعبيرها.

وأضافت الرئاسة الجزائرية محملة مدريد مسؤولية ما قد ينجم من مشاكل عن خطوتها: "إن موقف الحكومة الإسبانية يعتبر منافيا للشرعية الدولية التي تفرضها عليها صفتها كقوة مديرة ولجهود الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام، ويساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في الصحراء الغربية وبالمنطقة قاطبة".

وردا على القرار الجزائري، ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، نقلا عن مصادر دبلوماسية إسبانية، أن مدريد "تأسف لإعلان الرئاسة" الجزائرية، قبل أن تضيف: إسبانيا "تعتبر الجزائر دولة مجاورة وصديقة وتكرر استعدادها الكامل للاستمرار في الحفاظ على علاقات التعاون الخاصة بين البلدين وتنميتها".

"أضرار القرار ستكون كبيرة على إسبانيا"

"هناك مجالات عديدة في العلاقات بين البلدين ستتأثر نتيجة إعلان الجزائر تعليق معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار مع إسبانيا"، يلفت الدكتور الأردني عصام ملكاوي أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية، وذلك "بالنظر للموقع الجغرافي للبلدين والمصالح الجيوسياسية والاستراتيجية بينهما كدولتين على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، يحتم عليهما علاقات متوازنة ومتصالحة تعتمد حسن الجوار".

وتنص المعاهدة الإسبانية الجزائرية على تعزيز الحوار السياسي بين البلدين على جميع المستويات وتطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والمالية والتعليمية والدفاعية.

"الجزائر لها مصالح مع إسبانيا، وبالتأكيد إسبانيا لها مصالح مع الجزائر"، يشير ملكاوي، قبل أن يستدرك: "لكن المصالح هنا تقاس بقيمة الشيء المتنازع عليه، فكلما زادت قيمة الشيء المتنازع عليه لدى طرف أكثر من طرف آخر تقل قيمة الضرر المترتب على المطالبة بالاستمرار للحفاظ على قيمة هذا الشيء المتنازع عليه".

وانطلاقا من هذا المبدأ، يخلص ملكاوي إلى أن "أضرار هذا القرار ستكون كبيرة على إسبانيا أكثر منها على الجزائر"، لا سيما في الشق المرتبط بالهجرة والاتجار بالبشر.

مع هذا القرار الجزائري، يفترض أن يعلق التعاون بين البلدين في مجال الهجرة غير الشرعية بعد عشرين عاما من العمل المشترك في هذا المجال. حيث ظل البلدان كل هذه السنوات يضعان اليد في اليد لأجل السيطرة على تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.

ودعت المعاهدة المبرمة بين مدريد والجزائر في 2002 الجانبين إلى "تعميق تعاونهما في السيطرة على تدفقات الهجرة ومكافحة الاتجار بالبشر"، بحسب النص المسجل في الجريدة الرسمية الإسبانية.

ووصل 113 مهاجرا غير شرعي الأربعاء إلى جزر البليار الإسبانية، وهو طريق تقول السلطات الإسبانية إن القوارب القادمة من الجزائر تفضل استخدامه.

وكانت الهجرة دائما حاضرة في الصراع بين دول ضفتي المتوسط. وكان المغرب قد خفف المراقبة على الحدود مع جيب سبتة في أوج الأزمة الدبلوماسية مع مدريد، ما أدى إلى وصول أكثر من 10 آلاف مهاجر في منتصف مايو/أيار 2021 خلال 48 ساعة. وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الأربعاء عقب قرار الجزائر أن بلاده "لن تسمح" باستخدام "الهجرة غير الشرعية وسيلة ضغط".

ما مستقبل توريد الغاز الجزائري لإسبانيا؟

تعد الجزائر موردا رئيسيا للغاز لإسبانيا. وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في وقت سابق إنه لن يفسخ عقد التوريد بسبب هذا الخلاف. وبدوره، أعلن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أنه لا يوجد مؤشر على حدوث تغيير بهذا الخصوص. وقالت وزيرة الطاقة الإسبانية تيريزا ريبيرا إن "موقف الجزائر المتعلق بإمدادات الغاز نموذج يحتذى به".

لكن لا يستبعد ملكاوي أن يكون الغرض من هذه التحركات أيضا "تحقيق مكاسب إقليمية ودولية، تساعد الحكومة الجزائرية على تهدئة الداخل، وربما تكون هذه الحادثة إحدى هذه المكاسب". لاسيما وأن السلطات شددت قبضتها الأمنية على أي حركة داخلية في إطار الحراك الشعبي.

 

بوعلام غبشي

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

Download_on_the_App_Store_Badge_AR_RGB_blk_102417
تاريخ الخبر: 2022-06-09 18:16:24
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 87%
الأهمية: 97%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية