لأن "الجهل يعطي ثقة" .. متى يكون "الحدس" مفيدًا ومتى يؤدي لخسارة المستثمر في سوق الأسهم؟

في عام 1995 قام "مكارثر ويلر" بسرقة بنك أمريكي في وضح النهار، ودخل دون أن يكون متنكرًا أو يخفي وجهه بارتداء قناع، وبعد أن قام بسرقة البنك بساعات اقتحمت الشرطة منزله لتجده لم يغادره أي لم يهرب وكانت المسروقات بجواره ويبدو مسترخيًا تمامًا.

 

وكان "ويلر" يعتقد أن عصير الليمون الذي طلى به وجهه سيجعله غير مرئي بالنسبة لكاميرات المراقبة وأنه سيتحول إلى "الرجل الخفي" بالنسبة إليها، وكان يعتقد أن وجود آلاف يشبهونه من الأمريكيين سيجعل من العصي على الشرطة الوصول إليه، بناء على الوصف فقط وليس الصور، بما سيجعله يفلت بفعلته في نهاية الأمر.

 

الرجل الخفي

 

وبنى "ويلر" اعتقاده بتحوله لـ"رجل خفي" باستخدام عصير الليمون، أن الأخير كان يستخدم قديمًا في صناعة الحبر السري أو الخفي، ولكن ببساطة لم يدرك "ويلر" أن ذلك لا يجعله خفيًا أيضًا، على الرغم من أنه –بمزجه بعناصر أخرى - يمكن استخدامه في الكتابة بالحبر السري.

 

 

وفي عام 1999 قرر العالمان في مجال علم النفس، "ديفيد دانينج" و"جاستين كروجر"، دراسة حالة "ويلر"، وتوصلا لأن تصرفات "ويلر" ترجع لتأثير أطلقا عليه اسميهما "تأثير دانينج كروجر"، ويعني أنه في كثير من الأحيان فإن "الجهل يعطي ثقة"، وتكون غير مبررة بالطبع، مضيفين أن هذا الأمر يحدث بسبب ميل الناس الفطري إلى المبالغة في قدراتهم والتقليل من قدرات الآخرين.

 

ومن الأمثلة الصارخة على ذلك دراسة تم إجراؤها على جامعة "نبراسكا" وأظهرت أن 68% من طاقم التدريس في الجامعة يرون أنفسهم من أفضل 25% من العاملين بها، و90% من طاقم التدريس يرون أنفسهم "فوق المتوسط بالطبع".

 

وفي دراسة أخرى أجريت على مهندسي البرمجيات الأمريكيين قال 42% من المستطلعة آراؤهم إنهم ينتمون إلى أفضل 5% يعملون في هذا المجال.

 

وهل هناك ما هو أوضح من أن 23% من الذين أشهروا إفلاسهم من الأمريكيين يرون أنهم "يتقنون" المهارات المالية والاقتصادية إلى "أعلى درجة"؟!

 

 

خسارة أكبر ومكسب أقل للمبتدئين

 

أما في سوق الأسهم فيؤدي دخول البعض إلى السوق بلا معرفة جيدة به وبالاقتصاد وكيفية قراءة القوائم المالية والأحوال الاقتصادية إلى إلحاق الضرر بأموالهم من جهة، وبالسوق ككل من جهة أخرى، والأمثلة على ذلك متعددة.

 

وتشير دراسة لمجموعة "دالبار" الأمريكية المتخصصة في الاستشارات المالية والاقتصادية إلى أنه عادة ما يخسر "المستثمر العادي" أكثر في السوق الخاسر، ويربح أقل في السوق الصاعد، والمثال على ذلك أن مؤشر "ستاندرد أند بورز" الأمريكي انخفض 4.38% في عام 2018، بينما خسر المستثمرون العاديون 9.42% من أموالهم في البورصة خلال العام نفسه أي أكثر من ضعف خسائر المؤشر الرئيسي.

 

وفي المقابل فإنه عندما يصعد السوق لا يحصل المتداولون المبتدئون إلا على 40% فقط من الأرباح التي يحصل عليها السوق، فعندما يرتفع السوق 5% في عام تزيد رؤوس أموال "المستثمر العادي" 2% فقط في العام نفسه.

 

وترجع "دالبار" ذلك إلى اختلاف عقلية المستثمر الحقيقي عن عقلية "المُراهن" التي يتصرف وفقًا لها الكثير من المستثمرين الأقل خبرة، من خلال الاكتفاء بدراسة مؤشر أو مؤشرين أو حتى رؤية اتجاه السهم في الآونة الأخيرة واتخاذ قرارات الشراء من عدمه بناءً على تلك المؤشرات فحسب.

 

وبناء على ذلك يخسر كثيرون مع التقلبات التي لا يحسبون حسابها ويكسبون مع السوق الصاعد ويخسرون مع السوق الهابط، ويفقد المستثمر العادي الفرص في السوق الهابط مثلا لأنه في واقع الأمر لا يمتلك الخبرة اللازمة لشراء السهم الذي يجب التعويل على ارتفاعه لاحقًا أو يفعل ذلك بناء على "حدس غير مكتمل الأركان" فيخسر أيضًا.

 

النجاح أسوأ مستشار

 

ويرى "وارين بافيت"، رئيس مجلس إدارة "بيركشاير هاثاواي"، أنه كثيرًا ما يكون النجاح "أسوأ مستشار"، وذلك من خلال ربط مستثمر ناشئ للنجاح بقطاع معين أو سهم بعينه، والأمر أعقد من ذلك كثيرًا، أما الفشل فيقوده –غالبًا- لتحليل أشد عمقًا قد يقوده لاكتساب خبرة حقيقية تعينه مستقبلًا، وإن كان البعض لا يفعلون ذلك مع الفشل أيضًا.

 

وعلى سبيل المثال ففي الولايات المتحدة أدى دخول كثيرين في بداية الوباء لأسواق المال مع اضطرارهم إلى الجلوس في المنزل والبحث عن وسائل لاستثمار الأموال وتنمية الأصول –وربما تمضية الوقت أيضًا- إلى سوق صاعد بالنسبة لـ96% من الأسهم خلال عام 2020 في ظاهرة لم تحدث قط في تاريخ الأسهم الأمريكية.

 

 

فمع دخول الكثير من المبتدئين إلى السوق وضخ أموال جديدة وكثيرة وغير مخططة به بدا واضحًا أن الاتجاه الصاعد هو الغالب نظرًا للطلب الجديد المفاجئ والمتصاعد، حتى أن 50% من الوسطاء في السوق الأمريكي ظهروا خلال آخر 5 أعوام و30% خلال آخر عامين بما يعكس تهافتًا سريعًا من المشترين والوسطاء.

 

ولذلك بدا السوق "داعمًا للجهل" بمعنى أن السوق لم يكن ينمو لأنه "يجب أن ينمو بفعل الحقائق" أو لأن الموقف الاقتصادي والتجاري كان يقود لهذا الاتجاه ولكن لأن اتجاهًا كاسحًا من "الجهل" كان يتحرك في اتجاه معين وبالتالي تحرك السوق برمته نحوه.

 

وسائل التواصل تدعم "تأثير دانينج كروجر"

 

وتشير دراسة لجامعة "ستانفورد" إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي مددت "تأثير دانينج كروجر" بشدة، حيث أصبح منطق "الصيحة" (trend) ظاهرًا في الاستثمار أيضًا، وإذا كان 70-85% من الناس يستمدون معلوماتهم اليومية من وسائل التواصل حاليًا، فإن هذه النسبة لا تختلف كثيرًا في المستثمرين.

 

فمع زيادة المستثمرين الصغار سنًا، خاصة خلال عامي كورونا، تزايدت بشدة حالات الصعود السريع والهبوط السريع للأسهم، وذلك بسبب توصيات موقع ما ولعل هذا هو ما حدث بوضوح في حالة "جيم ستوب" الذي تضاعفت 1700% في شهر يناير 2021 بفعل توصيات موقع "ريديت".

 

فبدون التوقعات على وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار صعود السهم، والتأكيد المستمر على أنه مقدر بأقل من قيمته، وعمليات البيع على المكشوف بالطبع، لم يكن للسهم أن يبلغ المستويات التي بلغها، ولذلك تراجع بعد ذلك بشكل حاد واستمر في حالة من الصعود والهبوط وتعددت قيعان وقمم السهم خلال الفترة الماضية بشكل يجعله هدفاً للمضاربة وليس الاستثمار ويؤذي الشركة على المدى الطويل.

 

ولعل ما كشفه بنك "مورجان ستانلي" بداية مايو 2022 عن أن المستثمرين الأفراد فقدوا كل مكاسبهم خلال عامي الوباء، مع سحب كثيرين لأموالهم من السوق بعد عودة النشاط الاقتصادي الطبيعي يؤكد أيضًا معاناة الكثيرين من "تأثير دانينج كروجر".

 

 

مراحل التعلم

 

ولحل هذا الأمر وعدم خلط المعرفة بالجهل يجب على المستثمر إدراك أن مراحل التعلم أربع:

 

المرحلة

الوصف

النسبة

معرفة قليلة أو منعدمة

لا يعرف الشخص هنا ما ينبغي عليه معرفته ولا يعرف ماذا يعرف وماذا يجهل تحديدًا

70 %

معرفة أكبر مع خبرة محدودة

في هذه المرحلة يعرف المستثمر ما يجهله ويبدأ في السعي لتعلمه

15 %

معرفة وخبرة تؤديان لظهور المهارات المحددة

في هذه المرحلة يكون المستثمر واعيًا تمامًا بنقاط قوته وضعفه ويستغل الأولى ويتجنب الثانية

10 %

تشكيل "الحدس" السليم

وهنا يبدأ التعلم في التوغل في لاوعي المستثمر بحيث يدرك بعض الحقائق دون الحاجة لتحليلها كما اعتاد قبل ذلك بسبب تغلغل المعرفة في لاوعيه

5 %

 

والشاهد أن كثيرين يسعون للقفز بين مرحلة وأخرى، فيقرر الاعتماد على "الحدس" بينما هو مازال في مراحل التعلم المبكر وغالبًا ما يكون كثيرون ساعين للانتقال من الخانة الأولى إلى الأخيرة مباشرة، بما يجعل الأمر اعتمد على "الحظ" وليس "الحدس".

 

ولذا يجب الاعتماد على التطور التدريجي فلا يوجد طفل يولد فيجري مباشرة بل يحبو فترة ثم يحاول المشي ثم الجري، وفي كل مرحلة يتعثر ويتعلم، ويستفيد من توجيهات غيره، فبإدراك هذه "الحتمية" فقط يتجنب المستثمر تأثير دانينج كروجر ويصبح من "القلة" المتمكنة.

 

 

المصادر: أرقام- تقرير لـ"دالبار"- وول ستريت جورنال- الجمعية الأمريكية لعلم النفس- بيهيفريال ايكونوميكس- الايكونوميست

تاريخ الخبر: 2022-06-10 09:22:59
المصدر: أرقام - الإمارات
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 40%
الأهمية: 47%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية