• محمد بن عبو

في مقابلة إذاعية مع راديو كاتالونيا، اعتبرت وزيرة الاقتصاد الإسباني “ناديا كالفينو”، أن قرار الجزائر تعليق معاهدة صداقة ثنائية مع بلادها الأسبوع الماضي، لم يكن مفاجئا، لأن الجزائر تنحاز بشكل متزايد إلى روسيا.

عن الأسباب الكامنة وراء تحريض روسيا للجزائر ضد إسبانيا، يقول علي فاضلي الباحث في الدراسات السياسية والدولية في تصريح خصّ به “الايام 24”، “إن محاولة إرجاع المسؤولين الإسبان، وعلى رأسهم وزيرة الاقتصاد، توتر العلاقة بين اسبانيا والجزائر إلى حد إقدام هذه الأخيرة على تعليق معاهدة الصداقة بين البلدين وإعلان “قطيعة” تجارية مع اسبانيا، ينبغي أخذه بترو وفهم جزء من أبعاده الحقيقية”.

فالمفارقة الأولى يقول فاضلي، “تبرز في حجم التبادل التجاري بين الجزائر وروسيا من جهة، وبينها وبين اسبانيا من جهة أخرى، فالأرقام تظهر أن حجم التبادل التجاري بين الجزائر واسبانيا هو أفضل بكثير من مثيله بين الجزائر وروسيا، بحيث يتجاوز في العلاقة الأولى ثمانية مليارات دولار، بفائض تجاري مهم لصالح الجزائر، في حين لا يتجاوز في العلاقة الثانية 3 مليارات دولار، مع فائض تجاري لصالح روسيا، وفقا لمعطيات 2021، ما يطرح السؤال عن السبب الذي يدفع الجزائر لقطع علاقاتها التجارية القوية مع اسبانيا لصالح روسيا وفق السردية الاسبانية؟”.

ظاهر الأرقام يقول علي فاضلي، “لا يبين حقيقة العلاقة بين البلدان الثلاثة من الناحية الاستراتيجية، فبالرغم من ضعف حجم التبادل التجاري بين الجزائر وروسيا بالمقارنة بين مثيله بين الجزائر واسبانيا، إلا أنه يهم القطاع العسكري البالغ الأهمية لدى النظام الجزائري، وهي علاقة تعود لحقبة الحرب الباردة، ذلك أن الجزائر احتلت المرتبة الأولى سنة 2020 في قائمة أكبر المشترين للأسلحة الروسية، متجاوزة الهند والصين بمبلغ ملياري دولار، كما تعتبر الجزائر منذ عقود أول مستورد للأسلحة الروسية في أفريقيا، وشكل السلاح الروسي خلال الفترة 2015-2019 67% من مجموع المصادر الأجنبية للعتاد العسكري الجزائري، أما بالنسبة للصادرات الجزائرية لإسبانيا، فهي في أغلبيتها الساحقة قائمة على موارد الطاقة، وبالتالي فالأمر في صالح الجزائر، لأن إسبانيا في حاجة للغاز الجزائري في هذه الفترة”.

بالعودة لتصريحات المسؤولين الإسبان التي أرجعت الموقف الجزائري للتأثير الروسي، يقول الباحث في السياسات الدولية، “هي محاولة لاستغلال الموقف الغربي المعادي لروسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، لخلق رأي عام اسباني ضد روسيا، وتبرئة ضمنية للنظام الجزائري، كما أنها محاولة لدفع المغرب للانخراط في مخطط معاداة روسيا، والاصطفاف خلف ذلك المعسكر في أطروحته تجاه روسيا”.

الأستاذ علي فاضلي يقارب المسألة بمنضور آخر، “إذا كان السبب في الموقف الجزائري من اسبانيا، هو التأثير الروسي، فلماذا غاب هذا التأثير عندما وقعت الجزائر مع إيطاليا، في ظل الحرب في أوكرانيا، اتفاقية لزيادة الغاز الجزائري لإيطاليا بنسبة 40%، بالرغم من أن الموقف الإيطالي من روسيا أكثر تشددا من اسبانيا، وبالرغم من أن إيطاليا من أكثر الدور الأوروبية اعتمادا على الغاز الروسي (46% من وارادتها من روسيا)، وبالتالي فهي الأكثر تضررا من الأزمة الروسية بالمقارنة مع اسبانيا التي لا تعتمد على الغاز الروسي”.

إن الأسباب الحقيقية للموقف الجزائري من اسبانيا، يقول الباحث، “نابعة من عقيدة النظام الجزائري، الساعية للهيمنة على منطقة المغرب الكبير، ومنع المغرب من استكمال وحدته  الترابية، فهو نظام يعتبر المغرب منافسا استراتيجيا له في قيادة المنطقة، منطق دفعه لمعاداة المغرب، وبناء سياساته الخارجية على هذا الأساس، عوض منطق التعاون التاريخي بين البلدين والشعبين، كما أن الهدف من الأزمة مع الجزائر والمغرب، هو التغطية على الأزمة البنيوية التي يعيشها النظام الجزائري العسكري”.

فالأسباب من وراء التصعيد الجزائري مع اسبانيا يضيف المتحدث، “كامنة في بنية النظام هناك، ورد فعل متهور بعد سلسلة من الخسائر التي تعرض لها منذ مدة في قضية الصحراء المغربية، وهو موقف سيكون له تأثير سلبي على الجزائر في الأوساط الأوروبية والأمريكية، لأنها تريد “معاقبة” دولة على قرار سيادي اتخذته في ملف يخص الوحدة الترابية لبلد آخر، كما أنه موقف ينسف كل أوهام النظام الجزائري وأكاذيبه حول علاقته بقضية الصحراء، وكونه طرفا غير معني بها، فقد أظهر النظام الجزائري بمواقفه هذه، أنه الخصم الحقيقي للمغرب في ملف الصحراء”.

هذا وكانت الجزائر قررت مؤخرا التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون، التي أبرمتها بتاريخ 8 أكتوبر 2002، بسبب الموقف التاريخي لمدريد الداعم لمبادرة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية.