حالة من الترقب تسيطر على العالم في أعقاب تسريب معلومات تفيد القبض على جنديين أمريكيين سابقين يشاركان في صفوف القوات الأوكرانية في مواجهاتها مع القوات الروسية بـ"خاركوف"، ووفقًا لصحف بريطانية فإن الجنديين وقعا في الأسر داخل الأرضي الأوكرانية أثناء مشاركتهم في الحرب ضد موسكو، وتعتبر هذه الواقعة الأولى منذ بداية الحرب الأوكرانية التي تأسر فيها روسيا جنودا أمريكيين إلى جانب ثلاثة بريطانيين.

وفي السياق، قالت الباحثة نرمين سعيد كامل بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، للنظر في دلالات الأمر ينبغي التأكيد بداية على أنه يشكل إحراجا كبيرا للولايات المتحدة، لأنها في حال تجاهلها للواقعة تكون قد أدارت ظهرها لجنود ومواطنين أمريكيين وإذا انخرطت في مفاوضات من أي نوع فسيكون ذلك دليلا دامغا على تورطها المباشر في الحرب في الوقت الذي تنكر فيه ذلك، وفي هذه الحالة فإن موسكو ستقوم باستغلال الوضع لصالحها وقد تطلب من واشنطن تقديم تنازلات ضخمة لإعادة الأسرى وقد يكون من ضمنها تخفيف بعض العقوبات أو رفعها في مقابل إخلاء سبيل الجنديين اللذين حارب أحدهما في العراق. 

وأضافت “كامل” في تصريحات خاصة لـ«الدستور»، أنه في هذا الإطار بقيت الخارجية الأمريكية على اتصال مع نظيرتها الأوكرانية مما ينذر بأن الصفقة بين واشنطن وموسكو يمكن أن تتم عن طريق وساطة الخارجية الأوكرانية وقد تحصل أوكرانيا هي الأخرى على مكاسب تتعلق بتمكنها من الدخول في عملية تبادل أسرى، وذلك وسط أنباء عن أسر جندي أمريكي ثالث. 

وتابعت: الخارجية الروسية وصفت الأسرى بأنهم مرتزقة ووجهت الصحافة لتوجيه التساؤلات للأمريكيين حول ما سيحدث في المستقبل في الوقت الذي أكدت فيه موسكو أن أي محادثات يجب أن تكون بشكل مباشر بين الكرملين والبيت الأبيض.

ولفتت إلي أن تكتم البيت الأبيض على المعلومات حتى الآن، يوحي بأن واشنطن قد تقرر تجاهل الأمر حتى لا تقع فريسة للضغوطات الروسية خصوصًا أن مسؤولين أمريكيين أكدوا رفضهم لوجود مواطنين أمريكيين يقاتلوا على الأراضي الأوكرانية والاكتفاء بدعم أوكرانيا عن طريق مدها بالسلاح وفي هذه الحالة قد تستغل موسكو الأمر لصالحها عن طريق تسويقه إعلاميًا باعتباره تخليًا أمريكيًا عن دعم مواطنيها ولكن التكتم أيضًا ربما يرسل إشارات بأن أي مفاوضات ستكون على مستوى من السرية خصوصًا أن واشنطن أكدت أنها ملتزمة بإعادة مواطنيها للولايات المتحدة بأمان.

من جانبه، قال أحمد السيد الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إنه في خِضم المعارك المتواصلة بين الجيش الروسي والقوات الأوكرانية منذ أكثر من 100 يوم، فإن إفصاح بعض التقارير مُؤخرًا عن أسر جنديين أمريكيين كان يٌقاتلان كمتطوعين مع وحدة عسكرية أوكرانية نظامية، يُمثل نقطة تحول في سير الحرب، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول الموقف الأمريكي من الأمر، وكيف تستغل روسيا الأمر لصالحها؟ وما هي السيناريوهات المٌرجحة في هذا السياق،  سنحاول خلال السطور التالية الإجابة على تلك الأسئلة.

وقال “السيد” إن الولايات المتحدة لم تعلق على الأمر واكتفت ببيان صادر عن خارجيتها قالت فيه إنهم يُراقبون الوضع عن كثب، بالتواصل مع السلطات الأوكرانية، وكذلك مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعائلات المواطنين الأمريكيين المفقودين"، وحذر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، من ذهاب الأمريكيين إلى أوكرانيا، إذ ما تزال أوكرانيا ليست بالمكان الاّمن للسفر.

وحول إمكانية أن تفتح الولايات المتحدة بابًا للتفاوض مع روسيا، أوضح “السيد” أن روسيا لم تؤكد بعد أسرها للجنديين الأمريكيين، ولكن إذا أعلنت ذلك، فقد تُطالب الولايات المتحدة روسيا بمعاملة أي متطوع أمريكي تم أسره أو احتجازه بطريقة إنسانية، كما هو منصوص عليه في المعاهدات والمواثيق الدولية "كاتفاقيات جنيف".

ومن المرجح أن تحث الولايات المتحدة روسيا بوجوب منحهم المعاملة والحماية المناسبة، بما في ذلك المعاملة الإنسانية وضمانات المحاكمة العادلة"، وربما تسعى بذلك لكسب مزيد من الوقت، لضمان توفير الأمن لهؤلاء الأسرى حتى يتم التوصل لحل تفاوضي مع روسيا.

وأكد الباحث بمركز الدراسات أن روسيا ستسعى إلى تحقيق أقصى استفادة  من خلال استخدام الأمر كدليل على أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت متورطة بشكل مُباشر في الحرب، ونتيجة ضغط أهالي الجنديين على الإدارة الامريكية لفك أسر أبنائهم؛ فقد يستغل الروس الأمر للمطالبة بتنازلات كبيرة مقابل إطلاق سراحهم.

هل تستغل روسيا الأمر إعلاميًا في اثبات نجاحها في السيطرة؟

وأكد “السيد” أن الآلة الإعلامية الروسية ستعمل على استغلال الحدث، لإثبات تفوقها في المجال العسكري على أرض المعركة، وستُضخم من آلاتها الاستخباراتية وقواتها النظامية. إذ أن اعتقال "جنديين أمريكيين" من المُقاتلين في صفوف القوات الأوكرانية، يُعني أن الروس هم من لهم يد العليا على أرض المعركة. 

وسيستغل "بوتين" الأمر داخليًا لكسب مزيد من الرضا في الشارع الروسي، وأن قتال القوات الروسية في "كييف" ذا فائدة، وهناك نجاحات تتحقق. وحول سيناريوهات الحلول قال السيد، تبادل أسرى، وسيكون نتيجة ضغط أهالي الأسيرين، فقد تتوصل الولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا إلى صفقة، يتم من خلالها تبادل أسرى في مقابل أسرى حرب روس قد أسرتهم القوات الأوكرانية.

والسيناريو الثاني صفقة سياسية، وقد يتم التوصل لصفقة سياسية بين الجانبين الروسي والامريكي، كأن تُقدم الولايات المتحدة الأمريكية بعض التنازلات خاصة فيما يتعلق بالعقوبات الصارمة التي تم فرضها على موسكو، في مُقابل سراح الجنديين الأمريكيين.

أما السيناريو الأخير فسيكون معركة لإثبات القوة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، إذ قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في 16 يونيو إن واشنطن لم تتصل بموسكو بشأن المواطنين الأمريكيين المُحتجزين.

وتابع السيد،  إذا أعلنت روسيا أنها قد قامت بأسر الجنديين، فسيكون بذلك نقطة تحول في المعركة التي تدور رُحاها منذ 24 فبراير الماضي، لأن الولايات المتحدة لن تكف مكتوفة الإيدي، الأمر الذي سيستغله الرئيس "بوتين" للخروج منه بأقصى استفادة مُمكنة. وقد تنتقل الحرب لساحة المفاوضات الدبلوماسية ين روسيا والولايات المتحدة الامريكية.