السودانيون في متاهة الانقلابيين


خالد فضل

هل ما يزال هناك من يجرؤ بالقول إنّ ما حدث في صبيحة 25 أكتوبر 2021م كان تصحيحا لثورة ديسمبر المجيدة؟، من ذاك الماجد/ة الذي يمتلك من الأدلة ما يقنع به طفل غر  اللهم إلا أولئك الذين يعتنقون فكرة (إن طارت غنماية) كما في تلك الطرفة عن الشخص المكابر الذي يرفض الحقيقة وإن بانت ووضحت. فقد تأكد من بعيد أن ذلك الشئ غنماية، فيما كان أقرانه يزعمون أنه طائر، وبينما هم يقتربون من مقصدهم للتأكد وقطع الشك طار الطائر ليقطع قول كل خطيب، بيد أنّ صاحبنا المغالط ذاك كان ما يزال في غيّه يعمه، وعوضا عن التسليم بخطأ تقديره أجاب بمكابرة شديدة (حتى لو طارت برضو غنماية ).

الأستاذ خالد الإعيسر من صنف هولاء، فقد سمعته قبل أسابيع قليلة يتحدث مصرا على رأيه المبذول بأنّ ما حدث (تصحيح)، رغم أرتال الشهداء الذين يربو عددهم على المائة وفق آخر الإحصاءات، وغيرها من الشواهد ( برضو تصحيح) .

المهم ها هو البرهان/حميدتي بعد انقلابهما المشؤوم وبعد قطع الطريق على الحوار الوطني المدني المسؤول والذي لا يمكن تصور بنيان الوطن بدون إدارته عميقا وصبورا وطويلا ودقيقا وشاملا بين كل السودانيين/ات، لا يمكن تصور بنيان الوطن بغير اكتمال شوط الحوار السودانيواكتمال المعرفة الوثيقة بين المكونات  الوطنية  كلها أو أغلبها على أقل تقدير، بدون ذلك تبدو الصورة غامضة حول إمكانية بناء مستقبل مشترك.

الانقلاب أعاد السودانيين/ات إلى المتاهة من جديد هنا يقفز السؤال عن الدوافع الذاتية لبعض الأفراد في توجيه البلاد إلى حيث تحقيق مطامحهم أو تبديد مخاوفهم، وعمّا إذا كانت هذه الفرضية على افتراض صحتها يمكن أن تحقق أي قدر من التقدم نحو الهدف الوطني المنشود.

لقد ظلّ المخلوع، البشير، لثلاثة عقود يتنبر في الشعب مدعيا خدمته والولاء له وعندما انكشف الزيف والخداع والكذب الصريح  وصدرت مذكرة التوقيف الشهيرة من المحكمة الجنائية الدولية، صار الشعب والوطن كله رهينة بين يدي سفاحه، الوطن والشعب ومصالحه في كفّة، والمستقبل الشخصي للبشير في الكفة الأخرى. رغم أنّ التهم كانت جرائم حرب وتطهير عرقي وحروب إبادة ضد بعض الشعب نفسه في إقليم دارفور.

المشهد يتجدد الآن مع البرهان/حميدتي، يبدو أنّ مصائرهما الشخصية هي ما يقود البلاد منذ تنفيذهم للإنقلاب، باتت قضية الدعم السريع هاجسا لابد من التعامل معه في أي ترتيبات لمحاولة استعدال مسار الثورة وتصحيح التصحيح.

في تقديري الدعم السريع الآن يمثل أحد المعضلات الوطنية  فوضعيته كقوات مسلحة موازية هذا أمر غير طبيعي ولا يمكن تصور سودان موحد وسلطة وطنية (مالية قاشا) في ظل وجود جيشين وأكثر  كلها تزعم الدفاع عن الوطن والشعب وكلها في الحقيقة أبعد ما تكون عن الدفاع عن الوطن أو شعبه  هذه قوات تقتل في الثوار وفي المواطنيين السودانيين في أكثر من مكان. ولكن مع ذلك، يبدو شعار الجنجويد يحل كشعار يحتاج إلى عمل كبير، شخصيا أفضل إدارة حوار حول القضية، لا يمكن إغفال حقيقة كون هذه القوات باتت غاية في الضراوة والقوة والكثرة والانتشار ورغم وضعيتها المختلة  هذا يصعب من مهمة التعامل معها كما أنها قوات ذات طابع شخصي أو عائلي  على الأقل على مستوى قيادتها العليا من قائد أول وثان، هل توجد قوات مسلحة منضبطة ومهنية وضاربة وراغبة فعليا في حسم ظاهرة تعدد الجيوش؟ الإجابة الواضحة في تقديري (لا). هذه من متاهات السودانيين في أزمنة الإنقلابات، فنشأة قوات الدعم السريع ونموها كان في ظل إنقلاب البشير/الترابي وسطوتها وتمدد نفوذها باتت واضحة في إنقلاب البرهان/حميدتي. والحوار الوطني الشامل والمسؤول والجاد والحقيقي لا يمكن قيامه ونجاحه في مناخ انقلابي، هذا فضلا عن ارتهان الإرادة لإرادات وتوجهات ومصالح خارجية، وما يشاع من تحليلات وأحاديث عن محور كذا ومحور ذاك والاصطفاف بين هذه المحاور وتشابك وتقاطع مصالحها ؛ كل هذا مما يزيد من حالة التوهان الوطني، الفعل السياسي صار الآن أكثر صعوبة مع ميلاد فاعل جديد وأساسي اسمه شباب المقاومة وهم جيل كامل ( راكب راس) كما يسمون أنفسهم  القتل لا يهمهم فهو ينقلهم للحاق برفاقهم وأحبابهم السابقين هكذا ببساطة يواجهون القمع المفرط والعنف الشديد من مسميات فيالق الانقلابيين ولسان حالهم يردد قول صلاح أحمد إبراهيم في مواجهة الموت (ما الموت هذا استسغنا مُرّه)، مطالبهم سقفها بناء وطن يليق بهم وبالأطفال القادمين بعد فشل كل الأجيال السابقة لهم في فعل هذا  قالوها بوضوح إنّهم لا يرضخون لإنقلاب عسكري  ولا يستسلمون لـ( مليشيا) والغة في الدم  معركتهم مصيرية  ليست مع البرهان /حميدتي كأشخاص  ولكن مع هيمنة وسطوة المكون العسكري من السودانيين ولأنّ الفشل اقترن بالسلطة الحاكمة دوما وأطول فترات الحكم كانت دولة بين أيادي العسكريين  هذا يعني بالمنطق البسيط أنّ العسكريين فاشلون في الحكم ليس بسبب قصورهم الشخصي ولكن بحكم تدريبهم المهني غير المناسب أساسا لشؤون الحكم. خريجو الاقتصاد لا يمكنهم ممارسة الطب، بينما الزراعيون مكانهم الحقول وليس المشارح في المستشفيات هذه من بداهات تقاسم الأدوار وتكاملها لتسيير الحياة في أي مجتمع  فلماذا تغول العسكريون على ما ليس من واجباتهم المهنية أو تخصصهم وتكوينهم العلمي؟ مرحبا بكل ضابط سوداني سابق انخرط في الحياة المدنية لسنوات بعد تركه الخدمة العسكرية، مرحبا به مرشحا يخوض الغمار الإنتخابي مع الخائضين ليكسب أصوات الناخبين مثل غيره هذه هي المعادلة الصحيحة وليس القيام بإنقلاب بزعم التصحيح  وهذا هو ما يجعل لمليونية 30 يونيو2022م وقع ومكان وأهمية فهي تجديد وتأكيد على عزم الثوار لإكمال المشوار كما في حلو هتافهم الداوي ( ثوار أحرار حنكمل المشوار ).

 

د. الباقر العفيف

 

وبعد سيفقدني قومي إذا جدّ جدهم وفي الليلة الظلماء يفقتد البدر،  هكذا خلّد أبوفراس الحمداني موقعه وهو بعد أسير لدى الروم يومذاك .  وكما الآن د. الباقر العفيف أسير السرير الأبيض يتعافى بحول الله من داء السرطان اللعين والذي اقتضى إجراء جراحة كبيرة في البنكرياس، د. الباقر من مشفاه يلوح بعلامة النصر ويشكر من ساندوه ويدعو لمواصلة الدعاء والصلاة من أجل تمام شفائه.

بكل جسارة وصبر يواجه الداء اللعين، يخوض معه في جولات من الحرب الضروس  خاب فال ذاك الداء، فهو إذ يواجه جبلا من اليقين والثبات هيهات له ما يروم، ينهك الجسد، أو ما درى أن بدن الباقر قد أعياه النضال فما استكان، ولأن باقر من طينة الوعي قد قدّ اهابه  فتراه في لجة الألم يقاوم لا يساوم، شأنه شأن المبدئيين من المثقفين.

يوزع باقر جسمه في جسوم كثيرة ويشرب قراح الماء والماء بارد  ينطبق عليه قول شاعر عربي قديم  فهو أخو أخوان وشيال تقيلة  شهم متواضع، عظيم الأثر، باتع الفكر والقلم  حياه الغمام وزاره الحيا بردا وسلام  ورده الله إلى شعبه وأسرته ووطنه في كمال الصحة وتمام عافية الجسد وهو النصيح روحا وعقلا السليم الخلال،  وسلمت أخي الباقر سلمت ياخي.

تاريخ الخبر: 2022-06-28 03:22:23
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:38
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٤)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:21:31
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

عاجل.. لحظة خروج الدكتور التازي من سجن عكاش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 06:25:45
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية