بدأت الفلسطينية منى، والدة الطفلين اللذين يبلغان من العمر 8 سنوات، العمل على تطوير شخصية طفليها منذ سن 8 أشهر. كانت تصبّ كل تركيزها في البداية على شخصيتهما، لا سيما وأنهما توأمان. فلم تُرِد أن تتكون شخصية أحدهما على حساب الآخر.

تقول منى: "اشتركنا في دروس السباحة وهما في أشهرهما الأولى، وفي كل مرحلة عمرية جديدة كنا نشترك في ما يناسبهما، مثل المخيمات الصيفية المليئة بنشاطات لسنّهما".

كانت منى تراقب طفليها مع كل نشاط جديد يبدآن به خارج المنزل، سواء اللعب والنشاطات الاجتماعية مثل زيارة مكان عملها، والنشاطات الخيرية التي اشتركا بها لمساعدة الآخرين.

تضيف منى في حديثها لـTRT عربي: "كلما بدأنا بسن أصغر مع أطفالنا، اكتشفناهم أسرع".

نشاطات تعليمية

أما داخل المنزل فكانت أكثر النشاطات التي يؤدّيانها، ألعاباً تعليمية تحضرها لهم، مثل ألعاب التركيب والأحجية والألغاز...

كانت تتابع معهما الدراسة في الحضانة ولكن بطريقة مختلفة. تؤمن منى بأن مهمتها أن تطوّر ما يدرسه طفلاها في الحضانة لا أن تكرر الدرس نفسه.

"في اليوم الذي درس فيه آدم ويوسف معادلة الجمع بأرقام بسيطة مثل 1+1، كنت أدرّبهما في المنزل على 12+20. كنت أعلّمهما كيف يفكران ذهنياً، ثم بدأت معهما بمعادلة الضرب قبل أن يدرساها في الحضانة. أحضرت لهما في نفس الفترة ألعاب أحجية متعلقة بالأرقام، فكانا دائماً متقدمَين بخطوات في الحسابات".

اضطُرّت والدة التوأمين الصغيرَين إلى تغيير 5 مدارس لطفليها حتى وجدت مدرسة تفهم دورها كأمّ في تنمية قدرات طفليها التي لا يتعلمانها في المدرسة.

تقول: "أرى أن المدرسة هي من عليه الاهتمام بالمنهج الدراسي، وأنا عليّ المتابعة مع الأساتذة لأرى إن كان لدى يوسف أو آدم نقص بمادَّة معينة. هما يعرفون ما أفعله داخل المنزل معهما ويقدّرون ذلك".

موهبة الحساب الذهني

أما أحمد عيد والد يوسف وآدم، فيخبر TRT عربي عن ملاحظته وزوجته منى رغبة طفليهما في الرياضيات والحسابات. "اقترحَت منى أن نأخذهما إلى دروس حسابات ذهنية، وفعلنا هذا حين سجّلناهما في مركز قادة المستقبل. أصبحا اليوم يتطوران بسرعة من مرحلة إلى مرحلة."

مركز قادة المستقبل في دبي أُسّس عام 2013 لمساعدة الأطفال وتنمية مهاراتهم الدماغية عن طريق الحساب الياباني. ويقول رسمي بن هاني المدير التنفيذي لمركز "قادة المستقبل"، إن المركز يعتمد أسلوب الحساب الياباني أو برنامج السوروبان في تنمية قدرات الطفل الذهنية.
ما السوروبان؟

السوروبان برنامج ياباني الأصل يعتمد على المعداد لإجراء عمليات حسابية مثل الجمع والطرح والضرب والقسمة. ويتمكّن متقن الحساب بالسوروبان من إنجاز عمليات حسابية كبيرة في ثوانٍ معدودة. ولا يصل إلى هذا المستوى إلا من يتدرب باستمرار لمدة طويلة.

ويهدف السوروبان إلى تنشيط خلايا الدماغ لا سيما نصف الدماغ الأيمن، لأنه مخصص لتنمية ذكاء الأطفال لحل المشكلات التي تتطلب قدرات عقلية أعلى من الأشخاص العاديين.

"آدم ويوسف طالبان من طلابنا المتميزين. هما موهوبان جدّاً في الأرقام، وعلاقتهما جيدة مع الربط بالأرقام والحلّ السريع. يوسف وآدم رغم أنهما توأمان فلكل منهما ما يميزه من الآخر، مثلاً يوسف يركز أكثر ويحلّ أكثر. آدم يساعد مَن حوله ويشرح لهم ويحب أن يسأل عن كل شيء ليفهم كل شيء حوله. نحن ننمّي كل طالب بمهارته وبحبه للشيء".

ويرى مدير "قادة المستقبل" أن ما يميز المركز من غيره هو تركيز القائمين عليه على طريقة فهم كل طالب وسرعة فهمه المختلفة عن الآخرين.

أكثر ما يهمّ والدَي الطفلين هو أن يبقيا في المركز لتنمية قدراتهما. "أحياناً نُجرِي تحدِّياً بسيطاً في المنزل بطرح مجموعة معادلات حسابية عليهما، ثم نبدأ تصعيبها قليلاً. نحاول قدر استطاعتنا أن نرى مدى تطورهما، نريد أن نعرف دائماً إن كانت لديهما الرغبة في الحساب أم لا".

وتشير منى إلى مسابقة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل مع مركز قادة المستقبل، سيشارك فيها يوسف وآدم. وتضيف: "وحتى إن خسرا فسيتعلمان النهوض مجدَّداً لا الفوز دائماً فقط".

آدم ويوسف.. التوأمان المميزان

يحبّ الطفل آدم الذهاب إلى المركز ويقول إنه يستمتع به كثيراً، وإلى جانب حبّه مساعدة الآخرين حين يكبر، فإنه يريد أن يصبح مهندساً: "سأحقّق ذلك بإنجاز كثير من ألعاب التركيب".

أما يوسف فيحب الذهاب إلى المركز لأنه يُجرِي معادلات الرياضيات طوال الوقت، ويرغب في أن يصبح رياضياتيّاً حين يكبر، "أريد أن أذهب إلى المريخ والفضاء عندما أجد صاروخاً".

يُشيد أساتذة التوأمَين الصغيرَين بهما سواء في المدرسة أو في المركز، ويرون أنهما قادران على التحدث وفهم الأمور حولهما وحلّها كأنهما في الثلاثين من عمرهما. يقول رسمي: "بعدما رأينا مهارة آدم ويوسف في الحسابات والأرقام، أردنا أن نعرف قدراتهما في الشطرنج. أحضرنا للمركز لاعباً شهيراً في الشطرنج وانبهر بأجوبة التوأمين حين طرح عليهما أسئلة كثيرة حول اللعبة التي لم يعرفاها مُسبَقاً".

كيف ننمّي قدرات الطفل؟

تؤكّد منى أنها تراقب أدقّ التفاصيل لما يفعله طفلاها، وأن كل حركة يؤدّيانها هي رسالة على الأهل فهمها.

"يوسف كان مهتمّاً كثيراً بألعاب التركيب، لكن آدم كان يحب مشاهدة التليفزيون. أذكر أكثر من مرة كان يبدي فيها ملله وهو يشاهد التليفزيون. كنت أطفئ كل الإلكترونيات حينها وأقول له: "هذا هو الموجود". وحين يبدأ مجادلتها عن السبب كان الجواب: "حقيقة أنك لا تعرف ماذا تريد أن تفعل، بمعنى أن الجزء التخيلي والإبداعي في عقلك لا يُستخدم، وبما أنك لا تستخدم هذا الجزء فلهذا أنت تشعر بالملل، وهذه مشكلة كبيرة".

مع الوقت أصبح آدم يهتمّ أكثر بألعاب التركيب مثل شقيقه يوسف، حتى أصبحا اليوم مهووسين بها وبمستويات تكبر سنّهما الصغيرة.

كان التوأمان الصغيران مهتمَّين بالمطبخ أيضاً، فكانت منى تسمح لطفليها بالدخول معها لمساعدتها على التحضير، وهو ما يستهجنه أصدقاؤها في بعض الأحيان.

تقول منى: "كان عليّ أن أفهم لماذا يهتمَّان بالمطبخ"، لأن الأمر لاحقاً أصبح صعباً حين بدآ الدخول وحدهما لتحضير الطعام". وتضيف: "استيقظت مرة لأجدهما يحضّران عجينة، وضعا في الخليط البيض وقطع الموز والطحين وقطع التفاح وغيرها. لم أُبدِ أي ردّ فعل غاضب، بل أضفت إلى الخليط بعض الطحين والعسل، وخبزنا العجينة وأكلاها وكانا فرِحَين جدّاً لأنهما حضّراها".

ولأن الطفلين أبديا حُبّاً في الطهي، بحثت منى لهما عن مكان يفرغان به هذه الطاقة، فسجلتهما في Top chef حتى يتعلّما طهي الأشياء البسيطة.

أما رياضة الباركور التي يمارسها اليوم الطفل يوسف فكانت نتيجة طاقته الكبيرة التي كان يُظهِرها في المنزل وخارجه.

تُعَدّ رياضة الباركور من الرياضات الحديثة، فهي رياضة مليئة بالإثارة تهدف إلى التمكن من التغلب على العقبات من خلال الحركة والجري والقفز والتسلق باستخدام توازن الجسم وقوته لتحدي الجاذبية الأرضية للانتقال من مكان إلى آخر من خلال عرض مجموعة من الالتفاف والدوران في الهواء.

يقول والد الطفلين: "رأينا أن يوسف نشطاً جدّاً، وما زال، فسجلت مع آدم ويوسف برياضة الباركور. المدرب الذي يعطي دروس الباركور اليوم للتوأمَين يعطيني دروساً في اللياقة والمرونة أيضاً".

تؤكّد منى كلام زوجها: "كان يوسف يقفز من كنبة إلى كنبة، إذا منعته من هذا الأمر فما البديل؟ البديل أننا وجدنا مكاناً لقدرات ابني، إذ لا يحقّ لنا أن نمنعه منها. إذا لم يُخرِج قدراته في المكان الصحيح فسيخرجها بطرق خاطئة. الطفل ليس عنده نية سيئة، عنده رسالة يريد أن يوصلها، وعلَيَّ كأم أن أفهم هذه الرسالة".



TRT عربي