هانى نسيره: لا يوجد تيار ليبرالى الآن في مصر.. والمستقبل العربي تائه (حوار)

الليبرالية الوطنية أعاقتها دعوات التطرف والشمولية السياسية منذ الخمسينيات، لا يوجد تيار ليبرالي الآن في مصر ولكن يوجد ليبراليون والفكرة الليبرالية سائدة، في الثماني سنوات الأخيرة تشكل واقع عربي وعالمي جديد مختلف عما قبله، نحن بحاجة لسياسات واستراتيجيات ثقافية محددة لمواجهة سيل السوشيال ميديا والسجال الشائعات السائد، كلي أمل في الحوار الوطني المزمع انطلاقه هذا الشهر وما سبقه من استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان.. بهذه الكلمات قدم الكاتب والمفكر المصرى دكتور هاني نسيره رؤية حول خطاب التيار الليبرالى الذى تبلور فى عشرينات القرن الماضى وكان له بالغ الأثر في تقدم الدولة المصرية من خلال ما أنتجه رواده من أطروحات مستنيرة تراجعت فيما بعض لصالح خطابات أخرى لتيارات مثل السلفية وغيرها.

الكاتب والخبير السياسي المصري، المدير السابق لمعهد قناة العربية للدراسات ، وصاحب العديد من الكتب منها: «الأيدولوجيا والقضبان: نحو أنسنة للفكر القومي العربي، والليبراليون الجدد في مصر إشكالات الخطاب والممارسة، وأزمة النهضة العربية وحرب الأفكار، والحنين إلى السماء والمتحولون دينيا ومذهبيا»، «والقاعدة والسلفية الجهادية» و«السلفية في مصر: تحولات ما بعد الثورة» و«محمود عزمي رائد حقوق الإنسان في مصر»، و«الليبراليون الجدد في مصر إشكالات الخطاب والممارسة»، صدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية، أجرينا معه هذا اللقاء الذى قدم خلاله تصوراته حول تطور الأفكار فى مصر والوطن العربى المصاحبة لتيارات فكرية؛ إضافة الى محاولته استشراف مستقبل الليبراليون الجدد؛ وإلى نص الحوار:

شهدت مصر فى عشرينيات القرن الماضى تجربة ليبرالية فريدة.. ما التحولات التي طرأت على التجربة لتجعل خطابها الآن خطابا مازوما؟

نعم شهدت مصر منذ أخريات القرن التاسع عشر وحتى خمسينيات القرن الماضي، وخاصة عشرينياته تجربة ليبرالية فريدة، على مستوى الفكر والواقع، فقد صدر سابع دستور في العالم مصريا في هذا التاريخ، واتسعت فضاءات الحرية والنقد في مصر، فاستضافت الشوام الفارون من الأتراك ومن الصراعات الطائفية والأهلية، ونشطت حركة الترجمة والحوار والتجديد على مختلف المستويات الفكرية والأدبية والسياسية، ولكن التجربة تأزمت بالتحزب والتعصب وصعود حركية جماعة الإخوان المسلمين ومعارضتها الشعبوية للأفكار النهضوية والليبرالية واتهامها واستهدافها لمخالفيها، وتحولنا من صراعنا مع النهضة لصراعنا مع الأسلمة والتقليد ثم العنف، ثم جاءت تجربة يوليو وتحولاتها وتغيراتها لتفصل بين الاستقلال الوطني والاستقلال المواطني وارتفاع شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" مع الامبريالية واسرائيل لتصعد الأفكار الجبهوية القومجية والأيديولوجية المغلقة ثم الاسلاموية العنيفة فيما بعد بعد نكسة 1967 التي مثلت السبعينيات عقد صحوتها ثم الثمانينيات والتسعينيات أوجها وقيمتها. 

فى مشروعك ركيزتين أساسيتين، أزمة النهضة العربية والخطاب السلفي.. لماذا تركزت تجربتك إلى اليوم على هاتين الركيزتين؟

أن كتبي تتسع لما هو اكثر من هاتين الركيزتين  يمكن جمعها في مقولة واحدة هي أزمة النهضة العربية والبحث عن معالم لنهضة عربية ثانية تتجاوز عوائقها وإعاقتها عبر نقد الخطابات الفاعلة فيها، ومنها الخطاب القومي أو الخطاب السلفي أو الخطاب الليبرالي وغيرها، ما اهتممت به أو من ظواهر موجودة فيها، أبحث الحقيقة عن الإنسان العربي في هذا الزمان، عن سلامه وسلامته ورفاهه وحريته، عن شراكته وفعاليته الحضارية في وطنه والعالم، عبر مفاهيم التعددية والحوار والأنسنة والاعتدال في فهم النص الديني ومواجهة التطرف والتكفير الديني أو السياسي، وربما لهيمنة كلا الخطابين المذكورين السلفي الديني والقومي الأيدويولوجي الانغلاقي خصصت لهما كتابين أو أكثر في هذا السياق. 

فى تقييمك دكتور هانى هل ترى ان خريطة مراكز الفكر فى الوطن العربى تلعب دورًا فى مواجهة الخطاب المتطرف أم لا.. ولماذا؟

بالتأكيد تقوم مراكز الأبحاث ومضخات الأفكار من الفضائيات حتى السوشيال ميديا بدور مهم في مواجهة الخطاب المتطرف منذ عام 2001 وبعد عام 2011 الذي كان ربيعا عربيا ثم تحول ربيعا إسلامويا عام 2012، ثم ربيعا داعشيا عام 2013 بإعلان داعش خلافتها، حيث نشطت مراكز الأبحاث والأفكار والمفكرون والكتاب العرب في القيام بدورهم في نقد الأيدولوجية الداعشية والمتطرفة عموما، وكشف وتعرية العلاقات بين تلويناتها، وفضح تجربتها وأزماتها ولا يمكن نكران هذا الدور بحال، فالتطرف وجماعاته أعاد الاعتبار للفكر وقراءات التراث والفلسفة والتراث العالمي، التطرف خطاب وأيدولوجية وهذه أداة تجنيد وانتشاره ومن هنا كانت مواجهته عبر الخطاب والأفكار أولا وتعرية وتفكيك هذه الأيدولوجية، وهو ما نجحت فيه العديد من الأبحاث في المنطقة العربية وغيرها على السواء. 

لم تزل تدافع عن الخطاب القومى رغم ما حدث فى العالم من تبدلات.. وما المقصود بانسنته؟

تقصد كتابي المبكر"الأيدولوجيا والقضبان: نحو أنسنة للفكر القومي العربي" الصادر سنة 2002 على ما أظن، فارق بين القراءة النقدية للأيدولوجية القومية وخطاباتها المختلفة، بل وخطابات تجديدها كما حاولت في الكتاب، وبين الدفاع عنها، الأيدولوجيا القومية كانت ولا زالت حاضرة في خطاب كثير من التيارات، ومما يعرف الآن بتيارات الممانعة والمقاومة، وهي كانت المسيطرة على الفكر العربي حتى عامي 2003 وعام 2011، ولا زالت مراكزها نشطة، على الأقل على المستوى النظري والثقافي، وما عرضته في هذا الكتاب المهم كان ضروريا وجوهريا حيث تناولت حينها أفكار المفكرين القوميين الكبار واحزابهم وتجربتهم وكذلك محاولات التجديد في محاولة للأنسنة، التي أقصد بها البحث عن الإنسان عن الفرد عن المواطن عن الحقوق، كيلا تبتلع الجماعات والسلطات الأفراد وحرياتهم واختياراتهم.

الكتاب مهم خاصة وأني لا زلت استدعيه في قراءة تصورات كالأمة عند القوميين والوحدة والدولة عندهم وأزمة هذه التصورات، وأهميته تنبع من تأثيرات الفكرة القومية على الفكرة الإسلاموية السياسية بالخصوص، والتلاقي عندهم في تركيزهم على مفهوم الأمة بالعكس والضد لمفهوم الوطن والدولة الوطنية أو القطرية حسب تعبيرات القوميين، القوميون أثروا في الإسلاميين والآخرون كذلك أثروا فيهم، مقولة الوحدة العربية أو الإٍسلامية متداخلتان وتتجاهل التاريخ وانقساماته وصراعاته.. الكتاب على المستوى النظري مهم وكذلك على مستوى الواقع لا زالت التيارات القومية موجودة، من القوميين العرب إلى البعث إلى الناصرية الى غيرها وموجودة في كثير من الدول والمجتمعات العربية ولا تزال نشطة ومهم قراءتها ومعرفة التأثيرات المتبادلة بين التيارات المختلفة. 

هل ترى ان الليبراليون الجدد تجاوز خطابهم الزمن ام فى حاجة لتحديثه.. ما المطلوب فى اعتقادك؟

سؤال مهم، رغم تبخر وشتات الليبراليين الجديد في العالم العربي الذين ظهروا بعد سقوط العراق سنة 2003 نتيجة وفاة بعض رؤوسهم وسياق ما بعد الثورات العربية سنة 2011 إلا أن الملاحظ ان الليبرالية الجديد تعود اقتصاديا وتسود العالم والمنطقة العربية، حسب سياسات الدول، وقرارات مؤسسات البريتون وودز، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لكن الليبرالية السياسية مأزومة في المنطقة منذ خمسينيات القرن الماضي، نتيجة أزمة الديمقراطية وغياب الديمقراطيين ووقوعهم بين مطرقة التطرف ومواجهته وهو الأمر الذي نحتاج معالجته في المستقبل عبر دمقرطة الشأن العام وفصله عن الاستبداد الأيديولوجي والديني وفتح فضاءات للتعددية والتنوع في المجتمعات والتمكين للتنافسية الرشيدة التي ترفض العنف وترفض الأحادية في مختلف أنماطها.

لماذا ركزت فى تجربتك على محمود عزمى وتجربته في حقوق الإنسان.. وبمناسبة حقوق الإنسان ومسألة الحوار الوطنى الآن هل من الممكن أن تقدم لنا من رؤية محمود عزمى ما يصحح مسارنا الآن تجاه هذا الملف؟

محمود عزمي كان مفكرا منسيا ومظلوما، وهو أول مثقفي الاستنارة العرب اهتماما بحقوق الإنسان، وطالب بها منذ التحضير لدستور سنة 1923 حيث كتب في جريدته الاستقلال" نطلب حقوق الإنسان ولا نطلب سواها"، وحين طالب بمدنية القوانين بقوة، فهو كان أول المدافعين عن الدولة المدنية ومدنية التشريع في مصر مع دستور سنة 1923 كما أنه أول من دعى لتأسيس نقابة للصحافيين واعتماد حرية الرأي وسلطة الصحافة ودورها، وكان كتابي عنه انصافا للتجربة الليبرالية في عشرينيات القرن الماضي في بعض صفحاتها المنسية ودعوة لاستعادة الذاكرة وملء فجواتها حيث نبدأ من حيث انتهى الاخرون ولا نبدأ من حيث بدأوا دائما، فكثير من قضايا كأنها تولد في فراغ رغم أن في تراثنا القديم والحديث اضاءات ونضالات ومعارك ونتائج مهمة يمكن ان نبني عليها في مسارنا الحاضر والمستقبلي. 

ولدى أمل كبير في الحوار الوطني المزمع انطلاقه خلال هذا الشهر، وما سبقه من استراتيجية وطنية لحقوق الانسان، ومع اعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عاما للمجتمع المدني، فطبيعة مصر الحوار والإنسان المصري مبدأ وحقيقة  منذ فجر التاريخ والضمير. 

إلى الآن ما أبرز المحطات الرئيسية التي أثرت بالسلب على تجربة الليبرالية المصرية؟

أكبر مشكلة أن الليبرالية عموما هي الحرية، هي فكرة وليست ايدولوجية، وكثيرًا ما يخونها أنصارها وتتحول أحزاب ليبرالية أحزاب أيديولوجية قومية ودينية ويتاجر بفكرة اللبرلة والحرية والدمقرطة ثم يتنكرون لها، تنكر لها إسماعيل باشا صدقي حين تولى الوزارة في ثلاثينيات القرن الماضي والغى دستور سنة 1923 وتنكر لها حزب الوفد في بعض مراحله، للأسف افتقد العرب تيارا ليبراليا ناضجا ومؤثرا فترات طويلة وان لم يفتقد فكرا ليبراليا، وظني ان فترة التجربة الناصرية وإلغاء الأحزاب ثم فترة الصحوة ثم الإرهاب الإسلامي والديني عموما كانت أهم العوائق للتجربة الليبرالية وأعاقتها ولا تزال.

ماذا عن حرب الأفكار التي يقودها بعض مجموعات المصالح عبر الواقع الافتراضي وأثرها على العقل الجمعي المصري؟

هناك حرب شائعات وسجالات مستمرة في المشهد العربي الراهن، وهي سجالات آنية وحدثية غير عميقة، تحملها السوشيال ميديا وطبيعتها المتسارعة، وتأثيراتها اللانهائية على الفرد والمجتمع، فكل فرد يمكن ان يصير نجما والجماعية بإثارة أي جدل ممكن، وهذا يحتاج في رأيي لمنطق السياسات الثقافية واستراتيجية واضحة لذلك مواجهة للتطرف ومواجهة لكل مرفوض وتعبيرا عن الهوية المصرية المتوازنة، والمتعايشة بطبيعتها المتنوعة منذ فجر التاريخ، حيث كان الجميع يهاجرون لمصر وينصهرون في بوتقتها بعبقرية المكان والإنسان المصري. 

أخيرا وليس آخرا.. أن إردنا أن نضع رؤية مستقبلية لخطاب الليبراليون الجدد فى مصر.. ماذا تكون؟

الليبراليون الجدد كتيار يمكن القول إنه انتهى، والبعض يوظف الليبرالية في براجماتية تسئ اليها، باعتبارها مجرد نقد للتراث أو للدين أو العكس، نحن بحاجة برأيي الآن للتمكين لمعقولية التنوع التي تتجاوز الأحادية في كل شئ، في قراءة الماضي أو الحاضر وتساعدنا على وضع معالم واضحة للمستقبل التائه بلا معالم، فهو يدهمنا دون أن نستعد له. 

أما الليبرالية الجديدة عالميا فهي تراجع نفسها كإحدى مخرجات الحداثة التي تصحح من مسارها باستمرار، وعربيا فلا شك أن مشهدا عربيا تشكل في السنوات الثمانية الأخيرة، يختلف عن سوابقه، وطنيا واقليميا ودوليا، ولا بد من استيعابه والاستعداد لما بعده.

تاريخ الخبر: 2022-07-03 00:21:24
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

منتخب مصر يطلب تأجيل مباراة غينيا بيساو بتصفيات المونديال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:24
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

المغرب يتهم “أمنستي” بخدمة أجندات معادية لوحدته الترابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:27
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

منتخب مصر يطلب تأجيل مباراة غينيا بيساو بتصفيات المونديال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:19
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 51%

المغرب يتهم “أمنستي” بخدمة أجندات معادية لوحدته الترابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:33
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

رئيس الحكومة يستقبل المدير العام لمنظمة العمل الدولية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:05
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية