عندما يتحدث الأمير.. نتابع صامتين ونعلِّق صادقين


مثل الآخرين من أبناء الكويت، جلست أنصت بهدوء للخطاب الذي وجهه سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وتلاه بهدوء وبتناغم سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر، وشعرت متابعاً صدق مفرداته ونبل توجهاته ورقة مشاعره واتساع سماحته، مستذكرا بعضا من وقفات الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز، الذي كان منصفاً في حكمه، أبوياً في نظراته، متعالياً على ضيق الحياة بإيمانه، وشدتني المواقف التي تبناها سمو الأمير في ذلك الخطاب وجسدها في تعهداته حامياً للدستور، فلا تعديل ولا تنقيح، محمياً في حرز مكنون، باقياً بكل تفاصيله بما فيها المفرح والمرهق.
وبصراحة نجد في هذه الكلمات تسامحاً بلا سقف، وتعهداً مبنياً على حسن النوايا صادراً من شهامة تحمل إيقاعات فروسية تجاه العاملين في الحقل السياسي وتجاه الطامحين في مقعد داخل البرلمان.

وهنا أسجل بعض الملاحظات:

أولاً - السياسة فناء مفتوح للمناورة، لا تحترم أشياء كثيرة وتضيق من تواجد الممنوعات ولا تهضم المحظورات، وسمو الأمير منح السياسة ما لا تريده من تهدئة وتحصين للدستور، بكل حلته، بالمبهج وبالمزعج، مع أن الدستور يشير إلى احتمالات المراجعة، وشخصياً أتمنى اختصار باب الاستجواب بإلغاء العرض المسرحي بشخصين «مع» واثنين «مؤيد ومعارض» بينما يمكن الاكتفاء برفع اليد من خمسة وعشرين نائباً فيه نقد لأداء الوزير فيخسر ويأتي غيره.

ثانياً - يجدد سمو الأمير الالتزام التاريخي بأحكام الديموقراطية كأساس ومنهج للحكم في إدارة البلاد، مستنداً على احترام سيادة القانون لضمان استقرار الوطن وكجوهر لتقدمه، وهنا تبرز مسؤولية الحكم عبر الوزراء والهيئات المختصة في ترسيخ القانون والامتثال لأحكامه، ونردد بأن فساد الضمير استشرى في عظام الكويت لأن القانون لم يُحترم، وتكالبت عليه مختلف القوى لتزيحه وتعبث بمحتواه، وتحول النواب نحو أبواب الوزراء لضرب القانون والتطاول عليه، لاستحواذ خدمات تفيد مؤيديهم، وتعدى التمادي إلى تهديد الوزراء باستجوابات مفبركة عند الرفض، وتحولت الأولويات النيابية إلى استرضاء الناخب، ويتحول القانون ضحية للتساهل الحكومي والتجاسر النيابي، ومن النبرة التي تحدث بها سمو ولي العهد يتولد الأمل بتعليمات صلبة إلى الوزراء والمؤسسات بصد نهج الوساطات الذي دمر الكثير من شباب الكويت المؤهلين بالعلم، لكنهم لم يتمتعوا بغطاء النواب مع حسرة وقهر ونزعة تمرد تؤذي المجتمع.

ثالثاً - يصل ولي العهد في تسلسل الخطاب إلى المشهد الداخلي الذي انشغل فيه أهله بقضايا لا تحقق المقاصد الشعبية المأمولة، الأمر الذي أدى إلى تمزق المناخ السياسي الذي تديره الصراعات وتسيره المصالح والأهواء الشخصية على حساب الوطن واستقراره، وتكاثرت هذه المظاهر إلى حد تهديد الوحدة الوطنية، الأمر الذي يؤرق الشعب كله.

هذه الحالة تصيب الوحدة الوطنية في مقتل وعلاجها يتعزز بأربعة عناصر: حزم السلطة، وغرس المواطنة ومفاهيمها، وصلابة تطبيق القانون، وتأكيد مبدأ المساواة.. ومن هذا الأمل تعلو الوحدة الوطنية التي كانت متماسكة دائماً ومتفوقة في كل الحالات على تحرشات الآخرين من الإقليم المضطرب، وملف الغزو البربري يلمع بأسماء من استشهد ومن قاوم، ولا ننكر بأن هذه الصلابة الجماعية تنبع من إيمان الشعب الكويتي بأن الكويت هي الأصل والحقيقة والبقاء والوجود، تعالت بنهج حكم مستنير ومنفتح في تداخله مع مكونات المجتمع ومع المستجدات الإقليمية والعالمية، سياسياً وفكرياً، علماً وثقافة.

رابعاً - أشير إلى حيادية السلطة في اختيار رئاسة البرلمان وحيادها في رئاسة لجانه وفي عضوية هذه اللجان، تأكيد لنأي السلطة وابتعادها عن الحسابات الفئوية وبقائها منفتحة على الجميع، وربما جاءت هذه الملاحظة لتأكيد نظافة النوايا في إبقاء الجسور مع كل الألوان، واحترام إرادة النواب في خياراتهم، مع أن قضايا البرلمان لا تتأثر بمفاهيم الشهامة وإنما تسعى الحكومات لاختيار من تضمن تعاونه ومن يؤيدها في مسيرتها، وتبتعد عن المعطلين، وغير المختصين في شؤون اللجان، وتزكي المختصين الذين يشاركون في المناقشات.

من دون شك هذه مبادرة جميلة فيها العفة والثقة بالنفس، وستصبح محطة ثابتة لا مجال لتجاوزها.

وتضع هذه الخطوة نواب المستقبل في تحدٍ لاختيار الأفضل عابرة على إغراءات القبلية والفئوية والرفقة، وإذا برز أي خلل فالمسؤولية يتحملها النائب ولا يد للحكومة فيها، والأمل أن ينسجم النواب مع الشهامة القيادية التي صاغها سمو الأمير.

خامساً - يعبر سمو الأمير عن تمنياته بأن يحسن المواطن الاختيار في القادرين على التعبير عن تطلعاته، ويعكس في سلوكه داخل البرلمان مشاعر المواطنين في تعميق قواعد الاستقرار، ويحافظ على سلامة الكويت ويدعم جميع برامج التنمية التي تنقل الكويت إلى المزيد من التقدم والعلم، واقتباس ما يفيدها ويسعد شعبها، ويضع مصلحة الكويت وشعبها فوق كل اعتبار، مع مؤشرات بأن الفرصة القادمة ستكون تصحيح المسار بالخروج من الحالة الاستعراضية التي أنجبت أزمة اليوم نحو فصل آخر يتميز بالتعاون الصحي بين السلطتين، ينطلق بالكويت بالمزيد من الحرية والحيوية والإنجازية تنموياً وسياسياً وفي كل المجالات، في ظل أجواء من التوافق والتفاهم، إخواناً متحابين، يحسن الكل الظن بالآخر ويترك الخصومة والنزاع.

حول هذا الأمل لا نملك سوى الاعتماد على نضج الناخبين، الذين تابعوا مسيرة المجلس والحكومة، متطلعين إلى وعي وطني صارخ يريح الجميع.

سادساً - خرج الدستور من إيمان الشيخ عبدالله السالم بحياة برلمانية يتحول فيها النظام السياسي إلى شراكة بين الشعب والأسرة، قائم على الانسجام والتفاهم، مرتكزاً على الحس الوطني الطاغي، مؤمناً بوحدة داخلية صلبة وتفاهم سياسي جامع، يحقق استقرار الكويت ويحافظ على هويتها ويرسخ استقلالها ويصون سيادتها.

جاء دستور الكويت جامعاً واسعاً حاملاً تفاصيل حول المساءلات والاستجوابات بإجراءات معقدة، ليست كويتية النكهة، أربكت الأجواء وتولدت منها أزمات آخرها أزمة اليوم، بينما مشروع الشيخ عبدالله السالم لا يحتاج إلى هذه اللفات الإجرائية، كان الأمل ترشيق الدستور، لكن العهد الذي قطعه سمو الأمير أغلق عملية الترشيق، ولا أعتقد بأن المستقبل فيه ضمان بتأمين الهدوء السياسي في حياة الكويت، فالسياسة ممارسة شنيعة لا تعبأ بالفضيلة ولا تصادق القيم وتناور لصيد الأهداف.

سابعاً - هناك تململ وضجر شعبي من غياب المؤشرات في متابعة الفاسدين، مع شعور عام بأن آليات الملاحقة لا تحقق سرعة البت في قضايا الفساد، مع تكرار القول بأن الفاسدين ما زالوا يمرحون، ولم يمسسهم العقاب، فالناس يتصورون أن هذا الفتور قد يترك تلال الفساد وهضباته سليمة من الأذى.

وأخيراً، أملنا بأن يذعن الجميع للنداء الذي أطلقه سمو ولي العهد في ضرورات الالتفاف حول قيادة سمو الأمير، حفظه الله، وعدم تجاوز صلاحياته التي كفلها الدستور، والبعد عن التصرفات غير الدستورية وغيرالقانونية.. واضعين سلامة الكويت في ضمير كل مواطن.

نقلا عن "القبس"

تاريخ الخبر: 2022-07-04 21:17:05
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 86%
الأهمية: 87%

آخر الأخبار حول العالم

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية