النائب العام ولجان قتل الحقيقة


النائب العام ولجان قتل الحقيقة

الصادق علي حسن المحامي

النيابة العامة ليست كسائر المهن الأخرى، وتمتاز النيابة العامة كما والقضاء بالاستقلالية التامة فهما ليستا تتبعان للسلطة التنفيذية أو التشريعية أو السيادية، والنيابة العامة تمثل الحق العام وعلى رأسها الحق في الحياة كما يختص القضاء بحماية الحقوق المكفولة بموجب أحكام الدستور والقانون ولا معقِّب على أحكام القضاء، وإذا فقدت النيابة العامة والقضاء أو كلاهما أو أحدهما استقلاليته عمّت الفوضى في الدولة ولأخذ القانون باليد كما لصارت أدوات العنف التي تحتكرها الدولة ذات السيادة، تُستخدم في غير مكانها الصحيح وانتشر السلاح في أيادي الأفراد والجماعات تحت مسميات عديدة ولسادت شريعة الغاب.

النائب العام المكلف مولانا خليفة أحمد خليفة وصل إلى هذا المنصب وقد سبقه إليه عقب الثورة مولانا تاج السر الحبر ثم مولانا مبارك محمود وقد ذهبا ولم تبق لهما بالنيابة العامة سوى أعمالهما وذاكرة التاريخ، فالمناصب لا تبقى ولا تدوم لشاغليها أبداً مهما كانت أسباب توليهم لها، سواء كانت صحيحة أم لم تكن كذلك، ويظل أداء شاغل المنصب في ذاكرة الرأي العام وفي متون الوثائق والمدونات والمستندات، فكم هنالك من تولى منصب النائب العام أو غيره وذهب ولا تزال تلاحقه اللعنات.

النائب العام المستقل والملتزم بواجبات منصبه، بمجرّد تعيينه في منصب النائب العام يتولى المنصب ومرجعيته القانون وضميره الشخصي والتزامه المهني والأخلاقي ولا يركن بالضرورة لإرضاء من أصدر قرار تعيينه، وأن يدرك في نفسه أنه شغل هذا المنصب لأنه مؤهل ولم تأتِ به تقديرات الموازنات والترضيات والمحاصصات، بغض النظر عن أهداف الذي قام بتعيينه في ذلك المنصب حتى ولو صدر التعيين أو التكليف في ظل أوضاع استثنائية كالحالية وبقرار أصدره الحاكم بأمره وليس بإجراءات عن مجلس مختص له ضوابط مثل مجلس النيابة الأعلى المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية المعيبة سارية المفعول، ولو باشر النائب العام مهامه استناداً للقانون لوضع الأمور في نصابها الصحيح ولما أساءت السلطة السياسية والتنفيذية استخدام واستغلال القانون، ولما سقط العشرات من الشهداء المدنيين وذلك ما حدث منذ تعيينه من جراء العنف المفرط والقتل الجزافي الذي باشره النظام الحاكم بأدوات العنف التي تحتكرها الدولة.

وقد تخلى النائب العام مولانا خليفة أحمد خليفة عن مهامه ومسؤولياته في الإشراف على الشرعية الإجرائية في الدولة فتمددت الأجهزة التنفيذية والأمنية القمعية وشغلت مهام النيابة العامة بل ذهبت الشرطة في 27/ 6/ 2022م بإصدار توجيهات للنيابة العامة وقد تغوّلت بالفعل على مهام النائب العام في الإشراف على الشرعية الإجرائية في الدولة تلك المهام الحصرية للنائب العام وحده.

توجيهات الشرطة للنائب العام:

في بيان منشور للكافة أصدرت الشرطة تعليمات وتوجيهات واضحة للنائب العام طلبت منه ومن وزير العدل نشر مستشارين اتحاديين بأقسام الشرطة ومواقع التعامل كمراقبين للقوات والتأكد من تسليحها ومرافقة وكلاء النيابة التابعين وتدوين أي ملاحظات أثناء التعامل، هذه التوجيهات والتعليمات الواضحة التي أصدرها وزير الداخلية بحسب البيان المشار إليه للنائب العام ووزير العدل تكشف أن الأطراف المذكورة لا تدرك المهام المناط بها وهذا ما يكشف ويبرهن أسباب تمدّد وانتشار ظاهرة القتل الجزافي الممارس بواسطة القوات المشتركة في الدولة بما فيها المرتكبة بواسطة عناصر الشرطة.

عقب مسيرات ومواكب 30 يونيو 2022م أصدرت الشرطة بياناً قالت فيه إن القرارات والتعليمات التي صدرت في إطار تنفيذ خطة تأمين حراك 30 يونيو 2022م واضحة ومعلومة للجميع بعدم تسليح أي قوات تتعامل مع المتظاهرين بسلاح ناري في المواقع الفاصلة، وعدم السماح بخروج أي شرطي مسلح بسلاح ناري خارج دور الشرطة أو للدفاع عن الموقع فقط، وأضافت الشرطة بان المقطع المتداول عن مقتل أحد الشهداء (علي زكريا) يؤكد أن هنالك مخالفة للتعليمات وتصرّف يشكل جريمة ولا نقبله تماماً من منسوبينا في كافة المستويات، وأشارت الشرطة إلى شروعها في التحقيق لاتخاذ القرارات التي تحفظ الحقوق كافة غير منقوصة تجاه من خالف تعليمات وقرارات الرئاسة ومن ارتكب الفعل ومن سمح له بالتسلّح والخروج، ونلتزم بتطبيق نصوص القانون دون حصانة لمثل هذه الأفعال.

الملاحظ هنالك تناقض وتضارب في أقوال الشرطة حول ما ورد بالبيانين، ففي البيان الأول أكدت الشرطة بل وطالبت النيابة العامة ووزير العدل (التأكد من تسليحها) وفي البيان الثاني والمنشور في أجهزة الإعلام الرسمية اعتبرت الشرطة المقطع المتداول حول مقتل أحد الثوار بواسطة شرطي وفي حضور زملائه من عناصر الشرطة الذين كانوا يتحلّقون حول جثمان الشهيد بأن هنالك مخالفة للتعليمات وتصرّف يشكل جريمة.

بيان الشرطة الخجول والمشار إليه فيه محاولة للتنصل من المسؤولية لدرجة وصف جريمة قتل بشعة بعبارات مبهمة (تصرّف يُشكل جريمة).

لا شك أن طبيعة مهام واختصاصات النيابة العامة المستقلة تجعلها محصنة من تلقي التعليمات والتوجيهات من أي جهة كانت، ولما كانت الشرطة والقوات المشتركة الأخرى هي المنسوبة إليها ممارسات الانتهاكات والقتل الجزافي فإن الوضع السليم أن يصدر النائب العام توجيهاته وأوامره وما يراه من تدابير للحيلولة دون ارتكاب الجرائم بحق المتظاهرين السلميين وأن لا يعمل بتوجيهات الشرطة، كما كان عليه أن يمنع الشرطة من إصدار بيانات بخصوص الوقائع التي شكّلت جرائم جنائية أرتكبت بالفعل مثل واقعة جريمة مقتل الشهيد علي زكريا وركله بواسطة شرطي بعد قتله في إهانة بالغة لحُرمة الميت، لأن مثل تلك البيانات تؤثر قطعاً على سير العدالة وقد ظهر الشرطي في جريمة قتل الشهيد علي زكريا ومعه زملائه وهم يحملون السلاح وبالتالي هنالك بينة مبدئية كافية في مواجهتهم وفي مواجهة المسؤول الأول عن الشرطة وهو وزير الداخلية كما في بيان الشرطة الصادر يوم 27/ 6/ 2022م، وكان على النيابة العامة في دائرة الاختصاص أن تشرع في إجراءات القبض على الشرطي القاتل بموجب البلاغ المقيّد وعلى زملائه المتواجدين معه في مسرح الجريمة لتوافر البينة المبدئية بالاشتراك الجنائي ثم من خلال التحري تصل لمن أصدر التوجيهات والأمر بالتسلح، وفي بيان الشرطة الصادر بتاريخ 27/ 6/ 2022م طلب السيد وزير الداخلية، ورئاسة الشرطة من النائب العام ووزير العدل نشر مستشارين اتحاديين بأقسام الشرطة ومواقع التعامل كمراقبين للقوات (والتأكد من تسليحها) واستناداً على البيان المشار إليه، هنالك بينة مبدئية كافية للتحري والتحقيق مع وزير الداخلية ورئاسة الشرطة كمتهمين في بلاغ مقتل الشهيد علي زكريا وزملائه، ومثل هذه الجرائم المرتكبة في مسيرات ومواكب 30 يونيو 2022م واضحة لا تحتاج لتكوين لجان تحقيق بواسطة النائب العام المكلف بل تحتاج لتوافر الرغبة والقدرة على ملاحقة الجناة الذين يستظلون بالسلطة ويتدثرون بالحصانات وتطبيق أحكام القانون.

ونواصل…

تاريخ الخبر: 2022-07-06 21:22:30
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

سعيد بنكراد.. يكتب "تَـمَغْربيتْ"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:25:52
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:11
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 68%

سعيد بنكراد.. يكتب "تَـمَغْربيتْ"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:00
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية