يمكن تفسير التطور التقني المتسارع من خلال التغيرات في استخدام أجهزة الهاتف المحمول خلال فترة قصيرة. وقبل أقل من 50 عاماً، أجرى مارتن كوبر أول مكالمة هاتفية بالاعتماد على الهاتف المحمول ومن ثم أصبح الهاتف الذكي الحديث أسرع من الكمبيوتر الفائق Cray-2 Supercompute الذي تم تصميمه في الثمانينات بآلاف المرات. كما يمكن للهاتف الذكي إدارة العديد من المهام من خلال التطبيقات الرقمية ولذلك أصبح من الأجهزة الأساسية التي يعتمد عليها جميع الأشخاص. وتم تحقيق هذا التطور الكبير بفضل الابتكارات والإبداعات التقنية والتعاون بين الموردين والمشغلين ومؤسسات المعايير على المستوى العالمي، مما ساهم في ابتكار تقنية الجيل الخامس فائقة السرعة والتي يعتمد عليها الاقتصاد الرقمي على المستوى العالمي والذي تصل قيمته إلى 11.5 تريليون دولار.

ولكن هذا التطور المتسارع يواجه خطر التراجع نتيجة للحملة التي تقودها الولايات المتحدة والتي أدت إلى انقسام الإجماع العالمي، حيث عقدت بعض الأطراف الفاعلة في القطاع التقني تحالفاً جديداً يروج لتقنية الوصول اللاسلكي المفتوح في شبكات الوصول اللاسلكي ORAN والتي تختلف عن شبكات الوصول اللاسلكي التقليدية Single RAN. ويدعي المروجون لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة أن هذه الشبكات تؤدي إلى تحسين المنافسة في السوق وتسهم في الحد من تكاليف المشغلين بفضل تصميمها المبتكر. ويعتمد نهج الوصول المفتوح على التقنية المعرّفة بالبرمجيات والواجهات المفتوحة والبرامج المفتوحة والتي يتم تنفيذها على أجهزة الموردين المحايدة. ولكن آراء الجهات التي اعتمدت على شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة والتحليلات التي وفرتها المؤسسات الحكومية وخبراء التكنولوجيا أشارت إلى أن الادعاءات بأن هذه الشبكات مبتكرة وتسهم في الحد من التكلفة ليست صحيحة.

وعلى الرغم من أن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة لم تلقَ إقبالاً كبيراً، ولكن العديد من المشاريع التنموية حاولت التسويق لهذه التقنية على مدار العقد الماضي دون أن تحقق نجاحاً حقيقياً. ولم يتم حل المشاكل التي واجهتها هذه الشبكات مثل استهلاك الطاقة بكميات كبيرة وعدم التكامل بين تجهيزاتها والأداء الضعيف والتكاليف الكبيرة. كما لم يتم التحقق من هذا النهج "المفتوح" وفق معايير الشبكات والأمان العالمية من قِبل المؤسسات والجمعيات الدولية بما فيها مشروع شراكة الجيل الثالث والاتحاد الدولي للاتصالات والجمعية الدولية للهاتف المحمول، مما يعرّض أمن الشبكة للخطر.

وأشار تقرير نشرته المفوضية الأوروبية ووكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني مؤخراً إلى أن الأمن السيبراني يفرض العديد من التحديات على شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة، حيث أكد التقرير أن المكونات التي يوفرها الموردون المختلفون تؤدي إلى تنوع مستويات الأمان، مما يحد من أمان المكونات ويعرضها للهجمات بسهولة. كما أشار التقرير إلى أن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة تواجه خطراً أكبر نتيجة لزيادة عدد الموردين والمكونات والواجهات.

وقال تيري بيرتون، مفوض السوق الداخلية في المفوضية الأوروبية إن تزايد الاعتماد على البنى التحتية الرقمية يتطلب ضمان أعلى مستويات الأمان لشبكات الاتصالات. وأشار إلى أن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة توفر العديد من الفرص، "ولكنها تفرض العديد من التحديات الأمنية التي لا يمكننا مواجهتها في الوقت الحالي ولا يمكننا الاستهانة بها. ولذلك، يجب ألا يؤدي نشر الوصول اللاسلكي المفتوح في أوروبا إلى ظهور نقاط ضعف جديدة".

كما تدعي الجهات التي تدعم شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة بأنها تسهم في الحد من التكلفة للمشغلين وأن الاعتماد على التصميم المجزأ وتجهيزات الصندوق الأبيض من موردين محايدين سيجذب المزيد من الموردين إلى السوق ويؤدي إلى خفض أسعار تجهيزات وبرامج شبكات الوصول اللاسلكي. ولكن الأدلة تشير إلى أن مزايا الحد من التكاليف مبالغ فيها ويمكن أن تكون مضللة، حيث يختلف نشر الشبكات بشكل كبير وفقاً للسيناريوهات المختلفة. وستؤدي البيئة متعددة الموردين التي تعتمد عليها شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة إلى زيادة النفقات التشغيلية.

ونظراً إلى أن النفقات التشغيلية تمثل النسبة الأكبر من التكاليف التشغيلية وتزداد على مدار الأعوام (شكّلت حوالي 70% من الإيرادات على مدار الأعوام الثلاثة الماضية)، ستؤدي النفقات التشغيلية المتزايدة إلى تراجع مزايا الحد من التكاليف للنفقات الرأسمالية. كما أن النفقات الرأسمالية شهدت تقلبات بنسبة 17% تقريباً، فيما تراجعت تكلفة التجهيزات الرئيسية الحالية لمحطات الوصول اللاسلكي الأساسية سنوياً. وأشارت الأدلة إلى أن تكاليف شبكات الوصول اللاسلكية المفتوحة قد تتزايد، حيث لا يتمكن موفرو الخدمات من توزيع تكاليف التغطية وتكاليف التكنولوجيا نظراً لتجزئة مكونات المحطة الأساسية. ولا تدعم شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة التقنيات القديمة مثل الجيلين الثاني والثالث، حيث يتطلب تشغيل شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة مجموعتين من المحطات الأساسية واحدة مخصصة للجيلين الثاني والثالث والأخرى للجيلين الرابع والخامس، مما سيؤدي إلى زيادة تكاليف الإيجار والطاقة.

ورفض نيل ماكراي، كبير المصممين في شركة BT وعود الجهات الداعمة لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة بالحد من التكلفة، حيث قال: "أعتقد أن الفكرة التي تقول بأن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة ستحد من التكاليف في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب خاطئة تماماً. ويجب مراعاة التكلفة الإجمالية للملكية (TCO) وليس البنية التحتية للشبكة فحسب".

ويشهد سوق الاتصالات منافسة كبيرة، ولكن النظام الذي سيفرضه الوصول اللاسلكي المفتوح سيؤدي إلى تعزيز الاحتكارات. وواصل مشروع شراكة الجيل الثالث تحسين معاييره لتعزيز المنافسة في قطاع تقنية الاتصالات، حيث تتمتع شركات الاتصالات بقدرات تفاوضية كافية للحصول على التجهيزات من الموردين بأسعار معقولة. أما في شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة فإن تجهيزات موردي الصندوق الأبيض تلائم النظام الإيكولوجي لخادم تقنية المعلومات. ولذلك سيضمن هذا النهج توفير نظام إيكولوجي منفتح للأجهزة، ولكن في ظل احتكار شركة "إنتل" لإنتاج الرقائق الإلكترونية بشكل كامل لا يمكننا الثقة بأن ذلك سيؤدي إلى تعزيز المنافسة في السوق والاعتماد على عدة موردين.

وحتى إذا كانت شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة تعمل كما تم الإعلان عنه، فلن تصل نسبتها إلى أكثر من 1% من محطات الجيل الخامس للهاتف المحمول في عام 2025 ولن تتجاوز 3% في عام 2030 نظراً لصعوبة تحقيق التكامل بين التجهيزات. وقال كارلوس فرنانديز، نائب رئيس مجموعة الابتكار التقني في "دويتشه تيليكوم" إن التعقيد في تكامل أنظمة الوصول اللاسلكي المفتوح مع شبكات الجيل الخامس سيؤدي إلى الحد من قدرات الشبكة بشكل كبير. وإذا تم تجهيز الشبكة بالمزيد من الواجهات والحلول فهذا يعني أن "الأشياء التي كانت مخفية ستصبح مكشوفة ويجب إثباتها واختبارها، كما يجب أن تكون قابلة للتشغيل المشترك وتحقق معايير الأمان المطلوبة".

وعند تقييم التقنية، يجب على مشغلي الاتصالات في المملكة العربية السعودية اتخاذ قرارات شاملة بناءً على الأداء واستهلاك الطاقة والنفقات الرأسمالية والتشغيلية ودورها في ازدهار الأعمال. وعند اعتماد أي تقنية، ينبغي تقييم ما إذا كانت تعود بالنفع على المشغلين والمستخدمين والمجتمع. وفي الوقت الحالي، لا توفر شبكات الوصول اللاسلكية المفتوحة أي مزايا كبيرة لشركات الاتصالات السعودية أو الشركات التي تعتمد على شبكات تقنية المعلومات والاتصالات لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية.