زكي طليمات| تجربتى.. مع الله والمسرح والمرأة

 

من أين ألتقط طرف الخيط الذى يقودنى إلى حسن الابتداء فيما أود أن أتحدث به عن بعض من تجاربى وقد تراكمت ذكرياتها على خاطرى الآن؟

فلأبدأ بحديثى عن الله الذى فطرنى.. فإن الله هو البداية وهو النهاية.

نشأت مسلمًا مؤمنًا بالله ورسوله بحكم البيئة والوراثة وليس عن اختيار وتأمل ويقين. ولا أعرف لماذا كانت الصلاة تستهوينى بوقفاتها الخاشعة وسجداتها المتوسلة، فكنت أباشرها فى متعة ووجد، وكأنى أبتدع شيئًا من لا شىء لا أعرف له ماهية إلا أنه جميل وجليل وشامخ!

وكان يستهوينى سماع القرآن الكريم ينطلق بترتيله الصوت الرحيم..

وكذلك أجد فى حلقات الذكر استجابة لرغبة مبهمة تدور فى أعماقى لا أعرف لها من مدلول، إلا أنها كانت تبعث فى نفسى نشوة تماثل تلك النشوة التى تلابسنى حينما كنت أنبرى أقلد من تقع عيناى عليهم، من الأهل والرفاق، كنت أقلدهم فى حركاتهم وأحاكيهم، فيما يبدر منهم، ولم أكن أعرف لماذا شغفت بهذا، وإن كنت أعرف أننى حذقت هذه اللعبة، بدليل أنهم كانوا يصفقون لى إذ أباشرها ويمضغون مع ضحكاتهم «هذا تمثيل متقن»!.

أقول هذا «التمثيل» الذى يذكرونه كان يملك شغاف قلبى وأجد فى تعاطيه الراحة والرضا.. إنه يشيع فى نفسى رغبة إلى المعرفة وشوقًا إلى التعبير، معرفة كيف يستوى الآخرون وكيف يعبرون، وذلك من خلال شخصيتى.

وزاد من هذا الشغف إدمانى حضور حفلات التمثيل فى المسارح ثم اشتراكى مع هواة المسرح فى حفلاتهم.. بين هذا، وبين دراستى، عشت مراهقتى وصباى الأول إلى أن أوشكت أن تتم دراستى العليا. وعشت يتملكنى جوع إلى أن أعرف، وإلى أن أعلل الأشياء، إلى أن أعيش حياة الواقع إلى جانب حياة الوهم والخيال.

وفى باريس حيث أوفدتنى الدولة مبعوثًا لدراسة فنون المسرح على نفقتها بعد أن احترفت مهنة الممثل مدى عامين فى باريس توفرت على إشباع ذلك الجوع وهذا الفضول بأن جمعت بين دراساتى فنون المسرح، وبين تحصيل علوم أخرى تعتبر من مقومات فن الممثل الحق، وتأتى فى مقدمتها الفلسفة وعلم النفس.

تعرفت إلى الفلسفة وسرعان ما بهرت بها فانكببت عليها.. إنها حقًا تشبع فضولى، ولكنها فى الوقت نفسه تسلمنى إلى القلق الروحى. وإلى التشكك فيما ليس من حياة الفكر والواقع.

وباريس بلد يختلط فيه النور مع الظلام، والدين مع الإلحاد، والفضيلة مع الرذيلة والعطر مع النتن، يختلط كل هذا ويتشابك بحيث تفوت العين أن ترسم حدودًا دقيقة.

وفى باريس لهفة على الحياة وتهالك على الماديات. وقد تختلط هذه اللهفة مع شبق الجنس، فيخيل إليك أن الجنس هـو كل شىء فى کیاننا.

ثم تأتى نظريات «فرويد» فى علم النفس لتؤكد أن الجنس يقـف وراء كل بادرة من سلوكنا.

كل هذه العوامل مع غرور الفكر وادعاء القدرة على تفسير كل شىء، 

أدرت رأسی إلی نواحٍ لم أكن أعرفها من قبل.

ووجدتنى أتنكر للغيبيات..

وهذا الدين أصبحت أرى أنه لا يتجاوز أن يكون نظامًا ومدرسة، ثم هو فوق هذا وذاك مهرب نفزع إليه ونستكين كلما ضقنا ذرعًا بأحوال الدنيا وناسها.

هل ضعف الإنسان عن أن يعيش بلا عقيدة دينية، فكان أن ابتدعها وخلق الإله؟

ثم لم عذاب الآخرة نكتوى بنيرانها عقابًا لأخطائنا وآثامنا ما دام كل شىء نقوم به مقدرًا علينا ومكتوبًا؟ 

ثم ما هذه الحياة التى تلهو بنا وتعبث؟.. إننا نجىء إلى العالم من غير أن يكون لنا رأى فى مجيئنا ونفارق بعد ذلك كارهين إلى آخـر ما نطالعه فى فلسفة الملحدين، وفى حيرة الحائرين بيـن الأرض والسماء.

وكان يبدو لى أحيانًا- وذلك بدافع من غريزتى الدينية القائمة على الشهادتين- أننى أهيم فى ضلال مرجعه نزعة طاغية إلى التحرر من كل قيد، وأننى أركب غرور الصبا والعلم من غير أن يكون لى لجام بكفى أو ركاب بقدمى!

وبعد خمس سنوات، عدت عام ١٩٣٠ لأنهض بمهمتى فى خدمة المسرح، وهى مهمة استخرجتها على هدى مراجعتى أمر مسرحنا فيما كان عليه وما يجب أن يكون عليه.

وتتلخص هذه المهمة فى أمرين: تحرير القاعدة الكبرى فيه من الجهل والجهالة، ثم عتق العاملين فيه من رق الزعامة الرأسمالية وقيود التحكم الإقطاعى.

مهمة ويا لها من مهمة!

ونضال وأى نضال: ألغام مبثوثة أينما ذهبت، وعقوق من جانب الذين تحسن إليهم بصفع وجهك أينما وليته.

ودارت بى الأيام ودرت مع أحداثها بين نجاح وخيبة، وصعود وهبوط، وأعجب العجب أننى أخيب فيما أحسنت التخطيط لنجاحه، ثم إننى قد أنجح فيما قدرت له الخيبة!

ما السر؟ هل هناك قوة خفية لا أعرف لها اسمًا وفيما بين شفتيها نطق النجاح أو الخيبة؟

وأهبت بالفلسفة، لكنها لاذت بصمت العاجز...

وجاء الدرس بعد الدرس تقرعنى به التجربة فإذا بى أزداد معرفة بنفسى وبالناس... وإذا بى أحسن التفريق بين الألوان والظلال، بين المعقول والممكن وما لا يمكن.

وانتهيت إلى أن هناك قوى خفية تتحكم فى أقدارنا ولا يستطيع المنطق تفسيرها. وأن العقل الذى آمنت به وغاليت فى إعلاء شأنه، كليل، ليس فى وسعه أن يبصر كل شىء، وقاصر عن أن يحل كل المشكلات!.

وأدركت كيف عجزت هذه الفلسفة والعقل وراءها عن أن تضع قانونًا للجبر والاختيار فى حياتنا...

وأشرق بغتة على خاطرى بيت شعر للمتنبى رقد فى ذاكرتى منذ الصبا الأول:

إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجنى عليه اجتهاده.. وعدت أبحث عن الله من جديد، ولم أكن قد أنكرته كل الإنكار..

وأدركت أن التطور الذى ننشده لا يسير بإرادتنا نحن البشر إلى حيث نقدر ونريد، مهما بذلنا من جهود وأدمينا أقدامنا من سعى، إذ هو مرتبط بإرادة أخرى. وأن هذه الإرادة تأخذ منك ما تريد هى، لا ما تقدر أنت على تقديمه.

وأن سيطرة الماديات العلمية علينا، مع الإدمان على إعلاء شأن الذات، وذلك فى قدراتها ومعطياتها، قد يورثان غرور العلم، وهو أشر أنواع الغرور.

رجعت إلى عقيدتى، وإلى حظيرة الإيمان بكامل كيانى الروحى، عدت عن علم وتجربة ويقين، وهذا أصدق الإيمان.

وآه من هذا العلم.. إن القليل منه يبعد ما بيننا وبين الدين، وإن الكثير منه يردنا إلى حظيرته.

وصدق الله العظيم إذ قال «وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا».

وكلما تعاودنى ذكريات باريس فى تشككى وضلالى أجدنى أبتهل إلى الله الذى هو وحده من يلهمنى فجورى وتقواى، وأتمتم: حمانا الله من فجور العلم وغرور المعرفة وليس من العلم ومن المعرفة.

 

وتأتى المرأة الأم بعد الخلاق العظيم، آية لقدرته، إذ نرى اللحم فيها ينشق ليخرج منه آدمى طفل يصيح.

وقعت لى تجربة معها من نوع عجيب، قبل مراهقتى.

كانت أمى- وشأنها فى ذلك شأن السيدات التركيات فى ذلك الوقت- تعتقد فى عالم الجن والعفاريت، وأن بينهم- وهم السادة أو «الأسياد»- من يحلو لهم أن يتقمصوا أجسام الناس ويعيشوا فيها فترات من الزمن، فعرف بيتنا حفلات «الزار»..

ويأتى الطبالون بالدفوف ويدقونها دقًا عنيفًا فوق رأس أمى، فلا تلبث أن تدور وتتمايل فإذا تصلبت منها الأطراف، وتشنجت عضلاتها فمعنى هذا أن الجنى السيد قد حضر.

ويتنكر صوت أمى، فإذا هو يتمتم ويغمغم فى نبر رجلى حاد النغم، ليفصح بعد ذلك عن رغبات ومطالب مختلفة عن لباس وطعام وطيور وأغنام.. وكأن السيد الجنى يكابد عقدًا لا حصر لها من الحرمان فى الغذاء واللباس، وكانت أمى تبادر إلى تحقيقها.

كنت أرى هذا وأتأمله وأجعله منطلقًا لأخيلة وتصورات أعيش فيها، وأعجب كيف تحقق أمى للجنى هذه الرغبات بنفس راضية، فى حين أنها تقف من مطالبى موقفًا عكسيًا أو هى تقطر فى تحقيقها!

وحدث ذات يوم، وقد أقبل عيد الأضحى أن رفضت أمى شراء ثياب جديدة لى، وعبثًا بكيت وألحفت فى الطلب.

وفجأة أشرق على خاطرى شىء غريب.. وسرعان ما هيأت نفسى له ارتميت على الأرض أمامها وأخذت أرغى وأزبد وأتشنج مقلدًا جميع ما كانت تبديه أمى وقد تلبسها الجنى الشاطر، ثم زدت عليه أننى أخذت أغنى!

أخذتنى أمى بين ذراعيها وهى تبكى وتندب سوء حظى إذ أصبحت من مرضى «الزار» ويلبسنى جنى لا يجيد الغناء، وأنا ما برحت فى سن مبكرة..

وكانت النتيجة أن تحققت لى مطالبى التى أعلنت عن بعضها بالغناء فى صوت نشاز!

ويتكرر هذا المشهد التمثيلى كلما أمعنت أمى فى الانصراف عن تحقيق مطالبى الكبيرة.

والأمر العجيب الذى أثار دهشتى أن أمى لم تكن تضيق أبدًا بى، بل هى ازدادت إقبالًا علىَّ وبرًا بى منذ أن أخذت، أباشر هذه اللعبة، أى منذ أن تظاهرت بأننى مريض مثلها وأن لى جنيًا يلبسنى ويتحكم فى لسانى ويأمر، وأننى أنفعل بنفس انفعالاتها!

 

وأعجب من هذا أنها كانت تثور على من ينصح بإبعادى عن عالم الزار والجان، وتصر على أننى من الفصيلة الآدمية المختارة التى ينزلها السادة من الجان، ويحلون فيها، ثم هى تزداد جنانًا على وبرًا بى بدعوى «أننا فى الهوى سوا».

وحدث ذات مرة، وأنا ألعب هذه اللعبة، أن ارتميت فجأة وبعنف غير محسوب على الأرض فحاولت أمى أن ترفعنى بين ذراعيها، ولكن..

وقع ما لم يكن فى الحسبان!

انفلت من جوفها هواء خرج يعلن ولا شك عن حنانها، فلم أتمالك أن انفجرت ضاحكًا ونسيت تمثيل دورى، وهكذا انكشفت حيلتى، وعرفت أمى أننى لا أقاسمها أوجاع العلة التى تساورها.. فإذا هى تبعدنى من عنايتها وتقف من مطالبى موقف الحذر والجفاء!

وتعلمت من تجربتى هذه درسًا، تعلمت أن التظاهر بمشاركة الغير فى حالاتهم النفسية، فى انفعالاتهم هو أقرب طريق إلى قلوبهم وأفضل وسيلة لاحتوائهم بعد ذلك.

واختفت هذه التجربة فى زوايا ذاكرتى..

وعدت من بعثتى من الخارج لأنهض بواجبى نحو المسرح..

أعتقد أن التحاقى بوزارة «المعارف» سكرتيرًا فنيًا للفنون الجميلة يؤرخ أول ارتباط جدى لشئون المسرح المصرى بأعمال الدولة فى مهامها الإنشائية والمستقبلية.

عدت أحمل بين يدى تخطيطًا يتناول الارتقاء بهذا المسرح إلى مرحلة جديدة وفى مقدمة هذا التخطيط إنشاء معهد التمثيل، والمسرح المدرسى، ثم تأميم الفرق المسرحية العاملة فى فرقة تشرف عليها الوزارة إشرافًا مباشرًا.

وفجأة وجدتنى «قاسمًا مشتركًا» فى عدد من اللجان التى شكلتها الوزارة لمدارسة هذا التخطيط ومراجعته، تمهيدًا لتنفيذ ما تراه منه.

أقول عجيب أمر هذه اللجان؟

إن أكثر أعضائها يحذقون النظر فى كل شىء ألا وهى فى شئون المسرح خاصة حينما يتجاوز أمر المناقشة فيها تناول العناوين والمقدمات إلى ما وراء ذلك، إلى التوغل فى تناول الجوهر فى نواحيه التقنية وفى أهدافه البعيدة المرمى.

كلام فوق كلام.. تشتعل على أنفاسه لفافات التبغ لتمتلئ ببقاياه المنافض ولأمتلئ أنا غيظًا ووهمًا!

ومشيت متعثرًا فى أول الأمر، إذ كنت أقف من أعضاء هذه اللجان وعلى الرغم منى موقف العالم بما يتكلم فيه ويعرضه عليهم. هذا والنفس تكره، ما يذكرها بأنها فى حاجة إلى علم وتعلم، ثم لأنه لم تكن تربطنى بهم مودات وصداقات، وكادت تضيق بيننا سبل التفاهم وتنقطع أسلاك التعاطف.

وفجأة سمت من أعماقى ذكرى التجربة التى أفدتها من والدتى فى ساحة «الزار»، فانحنيت عليها أراجع وأتأمل كيف أفيد منها فى موقفى من هذه اللجان!

إقامة جسور مودة وتجاذب بينى وبينهم على أساس التظاهر بأننى أشاركهم ما استطعت فى هوائهم.. أن أحبس نفسى مع كل منهم فى صومعة، ولا يهم أن تكون للشيطان مؤقتًا.

أن ألقى فى روعهم أننى أتعلم منهم وأستلهم خواطرى من آرائهم، أى أن أتظاهر بأنى أقل علمًا منهم بشئون المسرح..

هذه هى معالم الخطة التى قررت أن أحشد لتنفيذها كل مواهبى فى فن الممثل.

وبدأت أنفذ...

ورسمت على فمى ابتسامة عريضة. أودعت نظراتى بسمات لا حد لطولها وعرضها، وأخفضت من صوتى فى المناقشة وأودعته نبر التواضع والتساؤل.

الرأى الصائب فى مراجعة مشاريعى الفنية مصدره السيد رئيس اللجنة. مشاريعى الفنية التى أحملها إلى اللجان إنما هى مما استلهمته من مناقشات أعضائها..

إذا اشتكى بعضهم زكام الشتاء.. فأنا المزكوم الأول.. ولا أتوانى عن تقديم حبات الأسبرين ومهدئات الصداع!

مجاملات وتحيات، إذا أفضت إلى النفاق، فسرعان ما أسقط القناع وأثوب إلى رشدى.

وهكذا استطعت أن أحقق مشاريعى بركوبى هذا الطريق. وكنت أتمثل دائمًا ببيت من الشعر أحفظ شطره الأول فقط.

وما عن رضا جعل الحمار مطيتى ولكن من يمشى طويلًا سيركب.. ومهما تلطفت وتنبلت فى وصف ما تكلفته فى سبيل أن يفحص أعضاء اللجان مخططاتى الفنية بعين العطف والتشجيع، فإن «الوصولية» تطل برأسها من وراء ما تكلفته.

وما الوصولية؟

هى، وذلك فيما كنت له، الوسيلة إلى تحقيق هدف عام يفيد منه المسرح العربى وليس هدفًا شخصيًا أفيد منه أنا.

وإذا كنت اليوم أرمق هذه الوصولية بعين الترفع فإننى كنت أراها فى ذلك الوقت، سلاحًا لا منصرف عنه فى المعرفة، وقد وقف العاملون بالمسرح يسممون الآبار حولى ويترقبون خيبتى وانصراف الدولة عن تحقيق مخططاتى. فى مثل هذه المعركة ليس هناك اختيار فى نوع السلاح.

ووافقت الوزارة على قبول مخططاتى وبعبارة أخرى كتب الله لى النجاح فيما رسمته وخرج «معهد التمثيل» إلى حيز الوجود، وكان أول قطرة من حيث أنبت الزرع الأخضر فى أرض كانت تشكو الجدب.

ثم قامت «الفرقة القومية» سنة ١٩٣٥.

وإذا بى أعيش فى تجربة أخرى لا تقل مرارة وغرابة عن التجربة السابقة.

وملخص هذه التجربة أن النجاح هو الخطيئة الكبرى التى يرتكبها الإنسان بحسن نية ومع ذلك فلا يغتفرها له زملاؤه.

إلا أن ما علمتنى إياه التجارب السابقة لم يكن كل شىء فى تقويم شخصيتى..

ويقولون إن خلف كل رجل عامل طموح امرأة تغذى فيه غريزة النضال وتهيئه لخوض المعارك.

عرفت هذه المرأة عشيقة ومعشوقة وليست زوجة.

وأتجاوز عن ذكر من هفا لهن القلب ووثب.. كانت لى أكثر من «بنت جيران» واحدة كنت أهيم بالحسن، وأرحم القبح فأخصه بعطفى.

كنت أحب جميع أزهار الحديقة.. أتجاوز عن ذكر التفاصيل لأقف أمامها «هى».

وكانت «هى» ممثلة ذات جاذبية طاغية، وكانت تكبرنى سنًا وتجربة، وكنت إذ ذاك شابًا أتعاطى المسرح هاويًا فى أوقات الفراغ إلى جانب دراستى العالية، وتلبسنى نزعة رومانسية إلى جانب لوثة من المثاليات التى تعيش فى أبراج عالية.

ولا أعرف لماذا اخترت هذه السيدة وأنا أعلم أنها عسيرة المنال باهظة التكاليف ويجرى وراءها ولا يتعب رجل ثرى ينثر المال تحت قدميها.. 

لا أعرف كيف تورطت هذه الورطة وأنا شاب ما برحت أتلقى العلم وليس لى مال ولا جاه.

لا أعرف إلا أننا حقًا لا نختار حين نحب..

وأوغل كل منا فى حب صاحبه.. إلا أنه حب لم يتجاوز عناق النظرة وتبادل القبلة ولمس الكف والكتف.. حب عنيف يترقب بلا فائدة النهاية المحتومة ارتواء الجنس.

هى تريدنى جسمًا وجنسًا، وإنى لكذلك، ثم هى لا تطالبنى بمال أو زواج.

ولكن- وشد ما يشقى أصحاب المثل العليا- كيف أرضى أن آكل من وعاء يتناول الكلب فيه طعامه؟

وكلب هنا هو الرجل الذى يوفر لمعشوقتى أسباب العيش الرغيد!

إن الحب واحد، كما أن الله واحد، وأنا لا أشرك بالله فكيف أشرك فى حبى.. و. وإلى آخر ما ورد فى شعر مجنون ليلى وغيره من الشعراء العذريين.

وتملكتنى هذه المثاليات، على الرغم من فوران الجنس فى أوصالى والمقدرة على إشباعه، حتى تملكتنى عقدة نفسية مضنية، وصرت أتمنى لو يريح الموت أحدنا لينفتح الطريق للآخر.

ووجدتنى أمام حالة عجيبة.. المرأة التى أهيم بها وأشتهيها ملء يدى.

ولكنى أعف عنها مختارًا وقادرًا.. الظمأ يحرق أنفاسى، هذا والماء مبذول أمامى ولكنى أرفض أن أنقع به ظمئى.

ظمأ على ظمأ، وحرمان تلو حرمان..

وحدث أن دعتنى فاتنتى إلى بيتها. وفى المخدع الأسنى ذى الأستار القرمزية أطلقت علىَّ شياطين جاذبيتها، إلا أننى وقفت جامدًا وكأننى تحولت إلى تمثال من الجليد.

ووجدتنى أدير وجهى عنها وأترك الغرفة فى بطء، وقد انهالت على ظهرى بكل ما خف حمله على يديها وقذفتنى به..

خرجت ولم أعد، وأخذت أتداوى من النوى بالنوى.. وأتغذى بالمثاليات هذه المرأة.. وسقى الغيث ثراها.

- سكبت فى نفسى الإرادة القوية وعلمتنى الصبر على المكروه، والإصرار على العفة. وهى الصفات والقدرات التى نزلت بها إلى معترك الحياة وبفضلها شققت طريقى وانتهيت إلى ما أنا كائنه اليوم..

وأنا اليوم- ولا أكذب الله- فى مسيس الحاجة إلى تجارب أخرى لأنازل بها الجيل القائم وأصلح من أمر نفسى.

تاريخ الخبر: 2022-07-09 21:21:35
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

عاجل.. تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:10
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 63%

رسميا.. انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري من مواجهة نهضة بركان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:04
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

رسميا.. انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري من مواجهة نهضة بركان

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:25:56
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 67%

عاجل.. تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:26:06
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية