لأول مرة.. حكايات قبطية تؤكد مساهمة الأقباط في الفولكلور الشعبي

ولأن التراث الشعبي والفلكلور المصري مليء بالنوادر، وما يشير ويؤكد على  خصوصية المصريين في  سردهم لسيرهم الشعبية، كان من الغريب والنادر خلو السير الشعبية المصرية من سيرة شعبية قبطية خالصة، وليكتشف الباحث في الفلكور المصري  الدكتور عمرو منير عبد العزيز "سِيرة القِس الإسْكندرانيِّ .. حكاياتٌ شعبيةٌ قبطيةٌ من العصر العثمانيِّ: التي تؤكد أن للأقباط فولكلورًا وتراثًا شعبيًا وتعد بمثابة  أول سيرة شعبية خالصة للأقباط حققها منير وشارك فيها القس عبد الله بيجول كاهن كنيسة الأنبا بشاي في الزقازيق وترجمها دكتور عمرو رياض.

يقول دكتور عمرو منير، لـ"الدستور":"النص تم إعادة اكتشاف مخطوطاته في أوروبا وكنتُ قد بدأت البحث عن أصول المخطوطات لهذه السِّيرة فوجدت أنها كانت ضمن مجموعة إبراهام شالوم يهودا (1788-1951) العالِم اليهودي، الموسوعي الذي عُرف معلمًا وكاتبًا وباحثًا ولغويًّا وجامعًا للوثائق النادرة، وشغوفًا بالمخطوطات ، فتم انتاج السيرة في الكنيسة المصرية ثم انتقلت إلى اليهود ثم عادت للظهور على يد باحث مسلم ثم تم تحقيقها بالاشتراك مع كاهن قبطي لتعود مرة أخرى لأحضان الكنيسة المرقسية لتخرج إلى القارء العربي المصري تعبيرًا عن خصوصية المجتمع المصري بسبيكته ومكوناته الحضارية اليهودية والقبطية والإسلامية. 

أشار منير إلى أن "النص الذي بين أيدينا، هو «سيرة قبطية سكندرية» نسخها أحد كهنة الكنيسة المصرية في أواخر القرن الثامنَ عشرَ. وترجع أهمية تناول هذه السِّيرة إلى كونها أولى محاولات تناول السِّير القبطية، على نحو يتيح لنا الغوص داخل المجتمع القبطي، الذي احتفظت الكنائس والأديرة بأغلب أسراره.

لقد عجت السِّيرة بمظاهر الظلم التي يتعرض لها الناس بشكل عام، ومثال على ذلك: «أخبرونا جماعة عن واحد بدوي في بعض الجبال وعنده بهايم كثيرة جدًّا، فنزلوا عليه ونهبوا كل ماله...».

وتابع منير " نشير باقتضاب إلى السياق الزمني الذي كُتبت فيه السِّيرة، وهي فترة الحكم العثماني؛ فقد كانت مصر ولاية تابعة للحكم العثماني في إستانبول، وكان يتولى الحكم ولاة عثمانيون يستخدمون القوى المحلية في الحكم، وكانت هذه القوى المحلية من بقايا المماليك، وقد عانى المجتمع المصري في تلك الفترة من جَوْر هؤلاء الولاة ومَن كانوا يستعينون بهم   لقد برزت فكرة ما يمكن أن نطلق عليه «مقارَعة فكرة الأجنبي» - الحداثة مواجَهةً لفكرة «تغلغُل الأجانب في الإسكندرية»، وقد بدا واضحًا في حكاية البطريرك والغنَّام  ،  الذي تجاوز مائة وعشرين عامًا - والْحَظْ دلالة هذا العمر - وقد انقطع عن الاتصال بكل مَن حوله، مكتفيًا بحياته في الجزيرة التي يعيش بها.

ودون خوض في التفاصيل يتبدل به الحال، ويترك حياة الزهد، ويذكره القِس السكندري - على سبيل الحكي مع ابنه:«ارجع أيها القديس ودوم على حالك القديم»  وكذلك في حكاية الراهب قرياقص، الذي تتشابه حياته مع القس السكندري ، إلى أن يرزقه الله بالولد الذي كان يرجوه، وانتهى الأمر إلى الموت، عن ما خرج عن تعاليم المسيحية وأراد أن يتزوج بامرأة؛ كي يتشبه بالخواجة. وغيرها من الحكايات المختلفة التي قاومت مفهوم «الخواجة». 

ويؤكد منير أن "لقد عبرت «سيرة القس السكندري » بنبرة تملؤها الأسى عن وصف الطاعون بأنه «السبب في موت الناس ".

واشار منير إلى أن "الملمح الاجتماعي المهم، الذي عانت منه مدينة الإسكندرية . وبصورة تبدو أكثر اتساعًا، يمكننا أن نضعها في سياق مقارب لموقف جماعة المتصـوِّفة والعلماء، الذين قاموا بدور بالغ الأهمية في تطبيع حياة المجتمع بطابع الاتِّكالية والاستسلام، واعتبار أن المجاعات والأوبئة اختبار من الله، أو نتاج لسوء أفعالهم...  وسواء اتفقنا مع هذا الطرح أم لم نتفق معه، إلا أن دراسة هذه السِّيرة هنا تلعب دور المنقذ من هذه الجائحة، بوصفها وسـيلة دينيـة - إن جاز التعبير - في مواجهة الأزمة، بالرجوع إلى تعـاليم الديانة المسيحية كمخرج حيـوي فاعل من هذه الأزمة.

وأكد منير أن "نص «سيرة القس الإسكندراني »، إضافة حقيقية في مجال الدراسات اللاهوتية، بشكل خاص. وبوجه عام، هي تعد سيرة قبطية في قالب حكائي تكشف عن منطقة الحدود بين التاريخ والموروث الشعبي القبطي؛ فهي بحقٍّ سجلٌّ وثائقيٌّ مهمٌّ، يحوى تفاصيل تجسد المجتمع القبطي في مدينة عريقة هي الإسكندرية، وهذه التفاصيل تتعلق بنواحٍ خاصة بالجانب الاجتماعي للمجتمع السكندري، وشبكة العلاقات الاقتصادية التي تقوم على التواصل مع القاهرة بشكل ملحوظ في أغلب الحكايات التي يرويها.

وأرجع أهمية النص إلى أن "نص يُبرز العَلاقات الاجتماعية وأخلاقيات المجتمع القبطي، ويُظهر مواقف الناس منها وعاداتهم وطبائعهم، ومواقفهم من بعض الأمور العقائدية، ومن السلطة والآخَر.

وتابع "يعرض هذا النص -أيضًا- أشكالًا من الظلم الاجتماعي، ويكشف عن العَلاقات الإنسانية وما يعتريها من تخلخل، ويقف علة صورة مختلفة من الآداب الناظمة لعَلائق البشر، ويُظهر تجاوز المجتمع القبطي نحو السوء وإبطال الشـريعة المسيحية.

هنا تكمن أهميتـه في كونه يشـكِّل نصًّا موازيًا لتـاريخ المجتمـع القبـطي السكندري خلال القرن الثامنَ عشَر الميلادي، من باب الآداب والأخلاق، والتعاليم القبطية المنضبطة."

واستطرد منير "إضافة إلى تفاصيل تتعلق بالزيِّ وطريقة الطعام، وأسماء مختلفة لتلك الأطعمة، إضافة إلى العُملات، وعرض لكثير من المهن والوظائف في المجتمع وأحلامهم وآلامهم، وعاداتهم المتوارثة في المجتمع القبطي كعادة رشم الصليب وغيرها من المادة التاريخية التي من شأنها أن تفتح الباب أمام الباحثين في الحقبة العثمانية للمقارنة بين القراءة الأكاديمية العلمية للتاريخ القبطي والقراءة الشعبية له، في مجال لا يزال جديدًا بِكْرًا في مصر.

ولفت منير إلى ان "مؤلِّف السِّـيرة غير معروف لدينـا، ولكننا لا نشـك في أنه كان من ذوي الخبرة الواسـعة في اللاهوت المسيحي، وأحد قساوسـة الكنيسة القبطية المصرية، وكان مثقفًا ذا دراية بالمجتمـع ومعرفةٍ بالنفس البشرية وطبائعها، حكيمًا ذا بصرٍ بعواقب الأمور، ويتمتع بخلفية دينية وثقافية واسعة. وشواهد ترجيح هذا الطرح عديدة منها:

1"- لم يذكر الكاتب أي إشارة إلى أي من القديسين؛ إذ إن لهم أسلوبًا آخر في كتابة قصصهم وطريقة سردها داخل الصلوات الكنسية (طقس قراءة «الميمر»).

2_" حكاية البطريرك والغنام هي تمامًا قصة النُّساك الثلاثةفي الأدب الروسي، والتي نُشرت لأول مرة عام 1886 في الدورية الأسبوعية نيفا (нива)، وتُرجمت لأول مرة إلى الإنجليزية عام 1907. والتي استعارها الكاتب الكونت ليف نيكولا يافيتش تولستوي (9 سبتمبر 1828- 20 نوفمبر 1910). من هذه السيرة الشعبية التي كانت رائجة قبل مولد تولستوي نفسه. 

تاريخ الخبر: 2022-07-10 21:21:15
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية