متى ستنهار أمريكا كقوة عظمى.. ؟


كثرُ يسألون "متى ستنهار أمريكا كقوة عظمى؟"، والجواب: ليس قريبا، وستبقى أمريكا قوة عظمى على مدى عقود قادمة على الأقل، وإن حدث لها أي إنهيار أو وهن وضعف، فسيحدث تدريجياً وببطء شديد، لأن أحد أهم عناصر الثقافة الإمريكية النقد الذاتي المتواصل من كل زاوية وعلى كل صعيد، لذا سيكون الإمريكان هم أول من يلاحظ ملامح ذلك الضعف، ناهيك عن إنهيار.

أثناء متابعة سجالاتهم السياسية اليومية وأخبارهم المحلية، لن تجد كلمة إطراء واحدة لوضعهم الإقتصادي أو السياسي أو الأمني. على سبيل المثال، عندما يجير الرئيس لنفسه إنجازا معينا مثل نمو إقتصادي أو إنخفاض في البطالة، تنهال عليه التحليلات النقدية من كل صوب لتفككه، على أنه إنجاز مرتبط بعوامل عديدة، ليس لسياسته وإدارته علاقة بها، أو علاقتها نسبية في أحسن الأحوال، وبعض منها مرتبط بإدارة الرئيس الذي سبقه.

مثال آخر، نظامهم التعليمي وكذلك الصحي، يحظى كل منهما دوما بنقد وتحليل شديدين، وكل أمور حياتهم تحت مشرط النقد والتحليل، كمجتمع ديمقراطي مفتوح وشفاف. فكل أخبارهم السيئة وغيرها تأتينا من عندهم، من خلال وسائل إعلامهم وغيرها.

مساحة النقد الذاتي وحرية التعبير تقود بعض السياسيين ليصورون الوضع بأنه على حافة الإنهيار، كما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب، ومازال يفعل هو وأتباعه الكثيرون، خاصة منهم أعضاء في الكونغرس، بشعار حملته "فلنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى".. شعار تطرب له شريحة كبيرة من البيض لأنه يخفي بين أحرفه إشارات الى أمريكا ما قبل سبعينات القرن الماضي، حيث كان معظم السكان من جذور أوروبية، قبل طوفان مهاجري المكسيك الجارة الجنوبية، ومن خلفها دول إمريكا اللاتينية، حتى أمتلأت بهم أحياء كاملة وسط مدن إمريكا، وأصبحت اللغة الإسبانية جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للعديد من المدن الكبرى والصغرى.

من عناصر قوة أمريكا الرئيسية، نظامها الإداري اللامركزي. فهي عبارة عن إتحاد بين خمسين ولاية بالإضافة الى العاصمة، كل منها عبارة عن دولة مكتملة الأركان، من دستور وبرلمان وشرطة، الخ. بعض منها يملك إقتصادا يبز به قوى إقتصادية عالمية كبرى. وكل ولاية عبارة عن مقاطعات صغيرة لكل مجلسها الإداري.

من طرائف هذه اللامركزية أن بعضا من هذه المقاطعات تمنع منعا باتا بيع أو تعاطي الخمور، ومنها مقاطعتين في ولايتي "تينيسي" و"كنتاكي" بهما مصانع أشهر أنواع الويسكي، إلا أنه محرم بها، لكن لا بأس من بيعه للآخرين لأنه يجني ضرائب ويتيح وظائف لسكان تلك المقاطعتين.

أمريكا كانت دوما في نمو متواصل إقتصاديا وعلميا، منذ أن خرجت من حربها الأهلية في النصف الثاني من القرن 19، ومع إحكام قبضتها على الثورة الصناعية التي انطلقت من البلاد الأم، بريطانيا، ثم أصبحت بعد بضعة عقود فعليا إمبراطورية عظمى، تحديدا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تمارس محاولاتها السيطرة أو التأثيرعلى أكبر قدر من هذا العالم سواء بطريقة مباشرة أو غيرها، وقد بلغ عدد قواعدها العسكرية 900 قاعدة حول العالم، أكبرها كان في المانيا بعدد يفوق 200 الف عسكري إمريكي، وفي اليابان شرقا حوالي 40 الف عسكري وكوريا الجنوبية 30 الفا. إلا أنه ورغم انخفاض عدد هذه القواعد، وتراجع عدد العسكر، خاصة في أوربا بعد سقوط الإتحاد السوفييتي، إلا أنه تبدو ملامح حرب باردة جديدة مع روسيا والصين. الصين أقوى وأخطر بكثير من روسيا، لأن قوتها مبنية على إقتصاد صناعي مرعب، حيث أصبحت الصين تصنع كل شيء تقريبا، وانتقلت من مرحلة التقليد إلى الإبتكار، وتحديداً في مجال التكنلوجيا المتقدمة. فيما روسيا قوتها ذات بعد واحد، وهو الصناعة العسكرية فقط، المملوكة للدولة، التي تستنزف كثيرا من المال والجهد على حساب جوانب إقتصادية هامة تمس رفاهية الإنسان وتنمية البلد.

هناك أيضا القوة الناعمة لأمريكا، المتمثلة في أشياء كثيرة، منها مطاعم الأكل السريع، والسينما، والموسيقى، وابتكارات غير ملحوظة في فن وعلم الإدارة، وفي طغيان لغتها الإنجليزية ونظامها الجامعي الذي لا يضاهى (أكبر عدد من الطلاب الأجانب في جامعات أمريكا من الصين).

كثير من بلدان العالم المتقدم، مثل فرنسا وغيرها، يشكون ويتباكون على هذا الغزو الأمريكي لحضارتهم وسبل معيشتهم، ومع كل لحظة تباكي يفتح مطعم "ماكدونالد" جديد في "الشانزليزيه"، أو قريبا منه، ليتدفق عليه الفرنسيين بأعداد هائلة كل "ويكند"، هكذا ينطقونها بالفرنسية، مع امتعاض حراس اللغة الفرنسية في أكاديميتها التي تمارس دور شرطي اللغة الذي لا يعيره أحد أدنى إهتمام. وقس على ذلك بكائياتنا، وذلك حال كل بلدان العالم، بما في ذلك بريطانيا التي خرج من رحمها هذا البلد العملاق.

أمريكا ستبقى لعقود قادمة القوة العظمى، إذا أخذت الأبعاد العلمية والإقتصادية، وتأثيرها الكبير كقوة ناعمة. قد يضعف نفوذها السياسي والعسكري عالميا، وهو ما يطرب كثيرا من الأمريكيين أنفسهم، الذين يعارضون لعب أمريكا دور شرطي العالم. لكنها إذا أُخذت ككتلة كاملة، ستبقى الأكثر حضورا والأكثر تأثيرا عالميا.

تاريخ الخبر: 2022-07-14 18:17:22
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 75%
الأهمية: 87%

آخر الأخبار حول العالم

سمرقند تستضيف قرعة كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة يوم 26 ماي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:05
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

جلالة الملك يوجه خطابا إلى القمة الـ 15 لمنظمة التعاون الإسلامي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:03
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

فرنسا.. قتيل وجريح في حادث إطلاق نار في تولوز

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:08
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:45
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 50%

تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 18:25:37
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية