كشفت أعمال الحفائر التي أجريت في منطقة أبوصير الأثرية، جنوب الجيزة، عن عن مقبرة قائد الجنود الأجانب في أبوصير، وذلك بجوار خبيئة التحنيط التي تخص شخصًا رفيع المستوى من مصر القديمة يُدعى «واح - إيب - رع مري نيت»، كان يشغل وظيفة قائد الجنود الأجانب، خلال أول عصور العولمة الحقيقية في العالم القديم.

ووفق بيان صادر عن وزارة السياحة والآثار، عثرت البعثة الأثرية التابعة للمعهد التشيكي لعلم المصريات، كلية الآداب، جامعة تشارلز، على مقبرة «واح - إيب - رع مري نيت» التي يرجع تاريخها للفترة خلال أواخر الأسرة 26 وأوائل الأسرة 27.

وزيري: بئر المقبرة يقسم إلى عدة أجزاء

وصرح الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بأن البئر الرئيسية لمقبرة «واح - إيب - رع مري نيت» بلغ عمقها ستة أمتار، كما بلغت أبعادها 14 × 14 مترًا تقريباً، وتنقسم البئر إلى عدة أجزاء تفصل بينها جسور منحوتة في الصخر الطبيعي للمنطقة، وبمنتصف البئر الرئيسية تم حفر بئر أخرى أصغر، ولكن أعمق تم استخدامها كبئر أساسية لدفن صاحب المقبرة، كما اتخذت بئر الدفن اتجاه "شرق - غرب" وبلغت قياسات فوهتها حوالى 6.5 × 3.3 متر.

وأضاف وزيري أن تصميم هذه المقبرة البئرية ليس له مثيل متطابق في مصر القديمة، إلا أنها على الرغم من ذلك يتشابه تصميمها المعماري جزئيًا مع مقبرة «ودجا حور رسنت» المنقورة في الصخر والتي تقع بالقرب من المقبرة المكتشفة حديثًا، وكذلك تشبه ما يسمى بمقبرة «كامبل» في الجيزة. 

رئيس البعثة التشيكية: العثور على  الجزء السفلي من بئر الدفن الرئيسية للمقبرة

وأوضح الدكتور مارسلاف بارتا، رئيس البعثة التشيكية، أنه تم العثور على  الجزء السفلي من بئر الدفن الرئيسية، على عمق حوالي 16 مترًا، على تابوت مزدوج، متضرر نوعاً ما، وكان مغطى بالكامل بالرمال، وصُنع التابوت الخارجي لـ«واح - إيب - رع مري نيت» من كتلتين ضخمتين من الحجر الجيري الأبيض وبداخل تجويفه تضمّن تابوتاً مصنوعاً من حجر البازلت على شكل آدمي ومنقوش على جزئه العلوي نصوص من الفصل 72 من كتاب الموتى، تصف إحياء المتوفى ورحلته في العالم الآخر، كما بلغ طول التابوت البازلتي 2.30 متر، وعرضه 1.98 متر.

وتابع د.بارتا أنه تم العثور على المساحة الداخلية من التابوت البازلتي فارغة تماماً، حيث تم العثور فقط على جعران للقلب غير منقوش ومنحوت بدقة عالية، وكذلك على تميمة على شكل مسند رأس، وذلك داخل التابوت الفارغ، وكان يوجد المتاع الجنائزي البسيط لصاحب المقبرة في الأصل على الجانبين الغربي والشرقي من التابوت.

وعثرت البعثة بالناحية الشرقية على العديد من اللقى الأثرية السليمة التي كانت جزءًا من ذلك المتاع الجنائزي وفي موقعها الأصلي، حيث تضمنت 402 تمثال أوشابتي مصنوع من الفاينس و«الأوشابتي هي تماثيل صغيرة من المفترض أنها تمثل صاحب المقبرة وتقوم بتأدية الخدمات نيابة عنه في العالم الآخر»، كما تم العثور على إناءين كانوبيين مصنوعين من الألباستر، بالإضافة إلى نموذج من الفاينس لمائدة قرابين وعشرة أكواب رمزية وأوستراكا من الحجر الجيري منقوش عليها نصوص دينية هيراطيقية مكتوبة بالحبر الأسود.

«بارتا»: المقبرة البئرية تعرضت للسرقة

وأشار د.بارتا إلى أنه نظرًا لصغر حجم الأوستراكا، قرر مؤلف النص تغطيتها بمقتطفات موجزة من تعاويذ كتاب الموتى التي شكلت أيضاً أجزاء من طقوس التحول، وبالتالي ضمان وجود حياة أخرى لصاحب المقبرة في العالم الآخر.

وأضاف أن الدراسات المبدئية التي أُجريت على المقبرة البئرية كشفت عن تعرضها للسرقة في أواخر العصور القديمة، وذلك على الأرجح حوالي القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد، حيث تأكدنا من تلك المعلومة نتيجة العثور على إناءين من الفخار تم تركهما بالبئر الرئيسية، وقام أيضاً اللصوص القدامى بعمل فتحة بالجزء الغربي من التابوت الخارجي لـ«واح - إيب - رع مري نيت»، وقاموا بتحطيم الجزء العلوي الغربي من غطاء التابوت البازلتي الذي يمثل وجه المتوفى، وذلك إلى كسرات عديدة، تم العثور عليها حول التابوت بواسطة البعثة.

وأكد الدكتور محمد مجاهد، نائب مدير البعثة التشيكية، أنه على الرغم من أن الحفائر الأثرية لمقبرة «واح - إيب - رع مري نيت» لم تقدم لنا العديد من اللقى الأثرية المهمة أو متاع جنائزي متقن، فإن تلك المقبرة تُعتبر فريدة من نوعها ومهمة، مضيفًا أنها تقدم نظرة جديدة حول الفترة المضطربة لبداية عصر الهيمنة الفارسية على مصر القديمة، بالإضافة إلى نتائج البحث الجاري حول وديعة التحنيط الخاصة بصاحب المقبرة التي عثرت عليها البعثة خلال الموسم السابق.

وتابع مجاهد: يمكننا رسم فكرة عن حياة «واح - إيب - رع مري نيت» وخلفيته العائلية ومسيرته المهنية، وهو الذي على الأرجح توفي بشكل غير متوقع خلال وقت لم تكن مقبرته ومتاعه الجنائزي المصاحب له في العالم الآخر مكتملين بشكل كبير.

ويوفر كل من التصميم المعماري للمقبرة ومحتوياتها معلومات قيمة للغاية عن أهمية ومعنى مكونات المتاع الجنائزي ونقوش المقبرة المصاحبة للمتوفى في العالم الآخر.