الكثير من الأجيال الجديدة قد لا يعرفون من هو يوسف صديق ، وما علاقته بثورة 23 يوليو، وما هو سر لقب منقذ الثورة الذي ظل ملتصقًا به ، وما ذا عن علاقته بالرئيس عبد لناصر والرئيس محمد نجيب،  وماذا عن دوره في ثورة 23 يوليو 1952، وفي السطور التالية تكشف الكاتبة والباحثة والكاديمية منى مالك  التفاصيل الكاملة لرحلة يوسف صديق مع ثورة 23 يوليو.

ماذا عن علاقة يوسف صديق بعبد الناصر، ومحمد ونجيب؟ َهل كان مع إقالة نجيب أم رفض ؟

كان يوسف صديق يكن كل احترام وتقدير لكلا محمد نجيب وجمال عبد الناصر إلا أنه عند حدوث ما عرف تاريخيًا باسم أزمه مارس ١٩٥٤، أرسل يوسف صديق خطابًا سياسيًا إل اللواء محمد نجيب، وعبر عن رأيه ببرنامج الجبهة الوطنية، وتم نشره في جريده المصري وروزاليوسف.

 فقد كان يري يوسف صديق ضرورة التقريب بين القوى السياسية المختلفة الموجودة آنذاك وربطها ببرنامج يملأ الفراغ الذي نتج عن انهيار النظام الملكي القديم، وتكون أساسًا لقيام سلطة وطنية تتولى تيسير أمور البلاد لصالح الشعب، وطالب بعودة البرلمان المنحل وكان هذا معارض للاتجاه مجلس الثوره حينها،  فطالب يوسف صديق بتشكيل جمعية تأسيسية بالانتخاب الحر تتولي وضع دستور جديد للبلاد، وتقوم بمهمة البرلمان، وهو بالرغم أنه كان من الجيش إلا أنه كان يرى ضرورة أن يعود الجيش إلى ثكناته وتعود الحياه النيابية.

 أما عن علاقه يوسف صديق بجمال عبد الناصر، فقد كانت علاقه ود واحترام وتقدير، ولم تنقطع علاقتهما في الفترة ما بين استبعاد يوسف صديق عن الساحه السياسية وحتى رحيله، وكان يرسل له دائمًا رسائل و يكتب له أبياتًا من الشعر يشجعه فيها على خطواته الاإيجابية في جلاء المحتلين عن مصر، فضلًا عن أنه أرسل له برقية تهنئة بالرغم من أنه كان في المعتقل حينها.

وعندما قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وعاد من الاتحاد السوفيتي ١٩٦٢ ذهب لاستقباله بالمطار، وذهب له ليقف بجانبه عندما تنحى عن منصبه عقب هزيمة النكسة وظل يقنعه بأن يعدل عن قرار التنحي، وكان عبد الناصر يكن ليوسف صديق كل التقدير والاحترام بالرغم من اختلافهما في وجهات النظر السياسية وكيفية طريقة تطبيقها، وقد فاجأ الرئيس عبد الناصر في خطاب العيد العاشر للثورة بأنه تحدث لأول مرة عن دور البكباشي يوسف منصور صديق في ليلة الثورة، وبالرغم من أنه تناول الأمر بحذر وإيجاز وبالطريقة التي أرادها إلا أنه أخيرًا قد ذكر دوره.

وبعد مرور أيام من القاء الرئيس لخطابه اتصل بيوسف صديق ليهنئه، وعندما مرض يوسف صديق وبسبب أنه لم يتم علاجه بشكل صحيح قبل الثورة عندما كان ينزف من رئته وأصر على الاشتراك في الثورة والقيام بدوره، عندما نزف ليلة قيام بدوره العظيم في ثورة يوليو ١٩٥٢، وأخذ حقنه لوقف النزيف فقد تسبب في إصابته بسرطان الرئة.

خبررحيل عبد الناصر كان سببًا في عودة يوسف صديق من رحلة علاجه بالاتحاد السوفيتي؟

وقد أثنى عبد الناصر على أسلوب العلاج في الاتحاد السوفيتي أثناء زيارة يوسف  له، وأصدر عبد الناصر قرارًا بسفر يوسف صديق للعلاج هناك، وسافر في سبتمبر ١٩٧٠، وعندما تلقى خبر وفاه الرئيس عبد الناصر ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠، أصر على العودة إلى مصر ولم يستكمل علاجه في روسيا، وحزن كثيرًا حيث أنه كان يحب عبد الناصر على المستوى الشخصي بغض النظر عن اختلاف أرائهما  السياسية، ونظم قصيدة بعنوان " دمعة على البطل"، قال فيها:

أبا الثورة هل سامحت دمعي... يفيض وصوت نعيك ملء سمعي 

وكنا قد تعاهدنا قديمًا.. على ترك الدموع لذات روع 

وإن الخطب يحسم بالتصدى.. لهول الخطب في سيف ودرع 

وهذه القصيدة التي رثى بها عبد الناصر كانت آخر ما جذب يوسف إلى كتابه الشعر إذ أن وفاة عبد الناصر كانت مفاجأة وهمًا ثقيلًا تراكم فوق أحزان يوسف منذ نكبة ثورة ١٩٦٧.

 ماذا عن فترة اعتقال يوسف الصديق وماذا عن موقفه مما جرى؟     

اللواء يوسف صديق قدم استقالته من مجلس قياده الثوره يناير ١٩٥٣، وهي أول استقالة في مجلس قيادة الثورة، وتم إحالته على المعاش قبيل اعتقاله بأيام.. وفي أبريل ١٩٥٤ تم اعتقال كل المعارضين لقرارات مجلس قيادة الثورة، فكان يوسف صديق يطالب بعودة الحياه النيابية والبرلمان، وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه.

وعندما ذهب بعض تلاميذه للقبض عليه قاموا بأداء التحية العسكرية له، وتم سجنه في السجن الحربي، وتوجهت قوة إلى منزل يوسف صديق الذي تقيم فيه زوجته السيده توحيدة صبري، وتم تفتيش المنزل، وخرج أحدهم بمنشورات شيوعية من الغرفة الخاصة بمساعدة المنزل، وطلب الضابط أن تذهب معه السيدة توحيدة إلى وزارة الداخلية للتحقيق معها في أمر المنشورات، وطالبت الاتصال بالرئيس محمد نجيب أو وزير الداخلية زكريا محي الدين، لتسأله اذا كان من اللائق أن تخرج من منزلها في وقت متأخر، وتطلب منه أن تاخذ ابنها معها إلا أن الضابط رفض وتم أخذها والتحقيق معها بأمر المنشورات.

 وتم إعادة السيدة توحيدة صبري للمنزل؛ لأنه اتضح أن المطلوب زوجة يوسف صديق الثانية السيدة علية توفيق، وذهبوا لإلقاء القبض عليها وعلى المساعدين في المنزل، وتم اعتقالها ووضعها في السجن الحربي ، وكان الغرض مما تعرض له يوسف صديق وأسرته هو الابتعاد عن الحياه السياسية.

يوسف صديق بين الغضب والفرح 

وقد غضب واستاء اللواء يوسف صديق عندما علم بأمر القاء القبض على زوجته، وكتب قصيده يهجو فيها عبد الناصر، ورغم غضب يوسف صديق إلا أنه عندما علم أن جمال عبد الناصر قام بتوقيع اتفاقية الجلاء أرسل له برقيه تهنئة.

وبالرغم من أن الزيارة كانت ممنوعة عن يوسف داخل السجن، إلا أنه كان يعامل بكل احترام، فقد أمر الرئيس جمال عبد الناصر بضرورة تلبية كافة طلباته داخل السجن، وصدر قرار الإفراج عنه بعد أربعه عشر شهرًا، إلا أنه رفض حتى يتم الإفراج عن زوجته، فأرسل عبد الناصر له بأن قرارري الافراج عنه وعن زوجته قدر صدرا، وتم الإفراج عنهما في يونيو ١٩٥٥، وظل تحديد الإقامة حتى عام ١٩٥.

وبالرغم مما تعرض له يوسف صديق من ظلم وإشاعات واعتقال وتحديد إقامة لم يكفر بالثورة، وظل وفيًا مخلصًا لمبادئه التي خرج من أجلها ليلة ثورة ٢٢ يوليو ١٩٥٢.

وبالرغم من أن ما نادي به يوسف صديق هي نفس أهداف الثورة إلا أن الشعب في تلك المرحلة لم يكن مهيأ أن يحكم نفسه بنفسه، واتضح ذلك عقب نجاح الثورة.. فقد كان مجلس قياده الثورة يود أن يكون جهه إشرافية علي الحكم في مصر لا أن يحكموا بأنفسهم، ولكن الظروف السياسية التي كانت تمر بها مصر في تلك الفترة حالت دون ذلك، وكان علي مجلس قيادة الثورة أن يحافظ على أهداف الثورة، فهم أنفسهم لم يكونوا متأكدين أن تنجح ثورتهم، وبالتالي لم يكن هناك كوادر مدنية مخلصة لأهداف الثوره يمكن أن تحكم في تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر.