ثورة 23 يوليو 1952 والتي أنطلقت شرارتها في مثل هذا اليوم، وتحتفل مصر بذكراها السبعين، لم يقتصر أثرها على التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أحدثتها في المجتمع المصري، بل وأمتدت آثارها إلى المنطقة العربية والإفريقية وحتى دول أمريكا اللاتينية، فقد تأثرت السينما المصرية أيضًا، سواء في نوعية الإنتاج وكمه، أو القضايا التي عالجتها وتناولتها.

وفي كتابه «اتجاهات الإنتاج السينمائي» من ثورة يوليو حتي ثورة يناير، يذهب الباحث دكتور ياقوت الديب إلى أن السينما المصرية خلال فترة حكم جمال عبد الناصر، قامت بإنتاج العديد من الأفلام التي تنتقد أنظمة الحكم قبل ثورة 23 يوليو 1952، وتناولت قضايا المجتمع السياسية والاجتماعية التي انعكست بالتالي علي حياة الناس، ومن هذه القضايا: قضية الاحتلال الأجنبي للبلاد وممارسات الحكام، والتي تجلت في أفلام مثل: يسقط الاستعمار، والمماليك، ورد قلبي .. وغيرها من الأفلام. 

ثانيًا قضية الحكام الفاسدين، ممن كانوا يستغلون نفوذهم في تحقيق مآربهم الشخصية، متجاهلين المصالح العامة لمحكومين، كما جاء في أفلام: حكم قراقوش، ثمن الحرية، القاهرة 30، غروب وشروق، والأرض.

ثالثًا قضية الفوارق الطبقية، التي انقسم المجتمع فيها إلى طبقة الحكام وطبقة المحكومين، أو طبقة أصحاب العمل وطبقة الأجراء، كما تجلى ذلك في أفلام: رد قلبي، غرام الأسياد، الأسطي حسن.. وغيرها.

رابعًا قضية الإقطاع في الريف، وممارسات أصحاب النفوذ من طبقة الملاك ضد الفلاحين ومنها: لن أبكي أبدًا، بهية، صراع في الوادي، الحرام، وفيلم الأرض.

خامسًا قضية المقاومة الشعبية ضد قوي الاحتلال الأجنبي وأذنابهم من الخونة في مصر، والتي تمثلت في أفلام: في بيتنا رجل، الباب المفتوح، لا وقت للحب، أدهم الشرقاوي.

سادسًا قضية الفقر في مجتمع الريف والمدينة، علي حد سواء، والتي تجلت معالجتها في أفلام مثل: بداية ونهاية، يوميات نائب في الأرياف، الزوجة الثانية، وغيرها من الأفلام.      

ويلفت ياقوت الديب إلى أنه: وقد ينظر البعض إلى إنتاج هذه النوعية من الأفلام على أنها تشكل دعاية غير مباشرة لنظام حكم عبد الناصر، من خلال عقد مقارنة بين الأوضاع الاجتماعية والسياسية السائدة في المجتمع المصري قبل الثورة وبعدها، أو قد يكون صناع السينما لديهم شعور حقيقي بقيمة ما وقع علي أرض مصر من ثورة جاءت بأول حكم مصري مستقل بعد طول احتلال وقهر وظلم اجتماعي، وظهور مجتمع النصف في المائة.

ويذهب الدكتور ياقوت الديب، مؤلف كتاب «اتجاهات الإنتاج السينمائي» من ثورة يوليو حتي ثورة يناير، إلى أن بداية اهتمام الدولة بصناعة السينما مع صدور القرار الجمهوري لسنة 1957 الذي نص علي إنشاء مؤسسة دعم السينما التي تتبع وزارة الإرشاد القومي ــ وزارة الثقافة حاليًا ــ والتي كانت تهدف إلى الارتقاء بصناعة السينما في مصر، عن طريق تقديم الدعم المعنوي المتمثل في تمكين صناع السينما من عرض أفلامهم، داخل مصر وخارجها، كذلك دعمهم إنتاجيًا، من خلال تسهيل تقديم الدعم المادي بواسطة جهات التمويل في الدولة.

وجاءت الخطوة التالية من قبل الدولة من أجل ترسيخ صناعة السينما في مصر، عن طريق سواعد أبنائها من المصريين، بعد أن كانت تعتمد علي الأجانب المقيمين في مصر من أصحاب رؤوس الأموال، وعلى القلة القليلة من المصريين المهتمين بهذا الفن الجديد. 

وقد تمثلت مساهمة الدولة هذه المرة في إنشاء «المعهد العالي للسينما»، التابع لوزارة الثقافة عام 1959، الذي يعد أول معهد علمي أكاديمي لدراسة السينما وفنونها، ليس في مصر، بل على مستوي المنطقة العربية والشرق الأوسط.

وبالفعل بدأت الدراسة بالمعهد في نفس عام إنشائه، وقد تم تعيين الرائد الأول للسينما المصرية محمد كريم (1869 ــ 1972) كأول عميد للمعهد، الذي استقبل الدفعة الأولي عام 1959 والتي تخرجت عام 1963، كأول دفعة من السينمائيين المصريين المؤهلين علميًا وعمليًا لتحمل عبء صناعة السينما في مصر وتمصيرها.

وجاءت خطوة إنشاء مؤسسة دعم السينما، خطوة تالية لإنشاء المعهد العالي للسينما، وتأميم الشركات السينمائية تحت مسمي واحد هو «المؤسسة العامة للسينما» والتي شملت شركات: الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي (فيلمنتاج) ــ الشركة العامة للإنتاج العالمي ــ الشركة المصرية العامة للتوزيع ــ الشركة المصرية العامة لدور العرض ــ الشركة المصرية العامة لاستديوهات السينما ــ "كويرا فيلم" وهي شركة مختصة بالإنتاج المشترك بين مصر البلدان الأجنبية، وقد بلغ الإنتاج السينمائي من خلال المؤسسة العامة للسينما أكثر قليلًا من مائة وخمسين فيلمًا روائيًا طويلًا.