عزيزي القاريء تحدثت معك في المقال السابق عن لحن البرركة تين أواوشت، واليوم اريد أن اتحدث معك عن لحن صغير جدا يتكرر 41 مرة في لحظة إختيار حمل بلاعيب،هو لحن كيرياليسون.

و كيرياليسون هي كلمة يونانية مركبة من “كيرية” ومعناها يا رب و”إليسون” ومعناها “إرحم” ليكون معنى اللحن (يا رب أرحم).

وفي هذا اللحن تتكرر كلمة “يا رب أرحم” 41 مرة استمطاراً لمراحم الله باللجاجة والطلبة بإلحاح حددت الكنيسة العدد 41 تذكيراً بالأربعين جلدة إلا واحدة التي ذاقها المخلص حسب القانون الروماني (كقول بولس الرسول ” من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة” 2 كونثوس 24:11) ثم ضربوه بالقصبة على رأسه مرة واحدة، ثم طعنوه بالحربة في جنبه المقدس طعنة واحدة، ليكن العدد واحد وأربعين (39 جلدة + طعنة + حربة).

ولكن هل يتعارض هذا التكرار مع قول السيد المسيح “وحينما تُصلون لا تكرروا الكلام باطلاً كالأمم فإنهم يظنون أنه بكثرة الكلام يُستجاب لهم” (مت 7:6)

الحقيقة أن أباء الكنيسة أكدوا أن ما يقصده السيد المسيح بكلمة باطلاً هو التمتمة واللعثمة والهذيان بكلام لا فائدة منه، وليس التكرار الذي فيه اللجاجة في استدرار مراحم الله الواسعة.

والدليل على ذلك، أن السيد المسيح نفسه قد كرر كلامه بعينه مرات عديدة ليلة آلامة كما وضح ذلك في إنجيل معلمنا متى 44:26 إذ قال ” فتركهم ومضى أيضاً وصلى ثالثة قائلاً ذلك الكلام بعينه”

وداوود النبي أدرك قيمة التكرار عند طلب مراحم الرب فجعل يرددها في مزامير عديدة فقال :-

• ارحمني يا رب فإني ضعيف (مز 2:6).
• ارحمني يا رب أنظر مذلتي (مز 13:9).
• ارحمني يا رب لأني في ضيق (9:31).
• التفت إليَ وارحمني (16:25).
• ارحمني يا رب لأني إليك أصرخ اليوم كله (3:86).
• أنا قلت يا رب ارحمني (4:41).
• أما أنت يا رب فارحمني وأقمني فأجازيهم (10:41).
• ارحمني يا رب حسب رحمتك (1:51).
• ارحمني يا الله لأن الإنسان يتهممني ( 1:56).
• ارحمني يا الله ارحمني لأن بك احتمت نفسي (1:57).
• طريق الكذب أبعد عني وبشريعتك ارحمني (29:119).
• ارحمني يا رب حسب قولك (58:119).
• التفت إليَ وارحمني كحق محبي اسمك (132:119).

فداوود كان يطلب الرحمة بكل وسائل الاستجداء والإلحاح وبتقديم أسباب كثيرة ومتنوعة وكأنه يقول في نفسه “إني أطلب الرحمة بكل سبب حتى إذا ما كان أحدهما ضعيفاً أمام الرب ربما صار الآخر قوياً أو كلما عدمت سبباً شفع لي آخر.

والجدير بالذكر أننا نطلب الرحمة في هذا اللحن من الرب ليس لأنفسنا فقط بل للآخرين أيضاً “لأن رحمته إلى جيل الأجيال”. (لوقا 50:1).

ولأنه “طوبى للرحماء لأنهم يرحمون” (مت 7:5)

فالإنسان يجب أن يُلح في طلب الرحمة والخلاص للآخرين حتى الأشرار الذين قد يكون صراخهم قد كثر وخطيتهم قد عظمت جداً كصراخ وخطيئة سدوم وعمورة.

فإبراهيم أبو الأباء ظل يتحاور ويتشاور ويلح من أجل ألا يهلك الرب البار مع الأثيم وظل يتشفع من أجل رحمتهم فبدأ بعدد خمسين قائلاً (عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة، أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه) (تك 24:18).

ولم يكن هناك خمسين باراً في المدينة وظل إبراهيم يكلم المولى ويحاوره في أربعين ثم ثلاثين ثم عشرين ثم عشرة … باستماتة. إنها صورة من صور طلب الرحمة للآخرين بلجاجة وإن كانت في هذه الحالة قد بائت بالفشل لأن رحمة الرب كان يكفيها مجرد عشرة رجال أبرار حتى لا تهلك مدينة بأكملها .. لكنهم لم يكونا موجودين!!

​

كما أننا نطلب في هذا اللحن الرحمة ليس للأحياء فقط بل لأجل الأموات أيضاً ويؤكد ذلك قول بولس الرسول في رسالته الثانية إلى تلميذه تيموثاوس “ليعطه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم” (2 تي 18:1).

وفي أوشيه الراقدين يطلب الشعب الرحمة لكل الراقدين بقولهم في نهاية الأوشية “يا رب أرحم”.

عزيزي القاريء سنستكمل تأملاتنا في هذا اللحن البسيط في المقال القادم ولكني أطلب من الله أن يشملك ويشملني بمراحمه الواسعة، ويبعد عن العالم الغلاء الوباء وسيف الأعداء والأمراض المستعصية، فهو لا يستعصي عليه أمر.

آمين

رابط اللحن: