30 يونيو وواقع “الأقباط (٣)”
30 يونيو وواقع “الأقباط (٣)”
أشد معضلة تواجه التعايش الإسلامي المسيحي في مصر هي الخطاب الديني ولأن كل طرف يتحدث لغة غير مفهومة للآخر الديني الذي يشاركه نفس المجتمع وذات المصير, ظن البعض أن إزاحة الإخوان عن الحكم سيغير الواقع, إلا أن الخطاب الإخواني ونظيره السلفي كانا قد شكلا وجدان شريحة لا يستهان بها في المجتمع المصري عبر عقود, فذهب النظام وبقيت أفكاره عبر خطاب تحريضي كاره في بعض الأحيان, وذمي في أحيان أخري, ولأن الخطاب الديني, هو أسلوب الحديث عن الله بمصطلحات ومفاهيم تخص الإنسان, وتصوراته الشخصية عن الله, فلا يوجد من يمكنه الجزم بأنه يمتلك الصواب المطلق, لكن هذا ما يحدث دائما, ورغم أن الرئيس السيسي شدد مرارا علي أهمية هيئات الإفتاء في نشر الفهم المعتدل لصحيح الدين, لتنقية الخطاب الديني من الأفكار المغلوطة خاصة علي وسائل التواصل الاجتماعي, إلا أن السيطرة علي الفضاء الافتراضي شبه مستحيلة, والمعضلة تنقسم إلي شقين, الأول:خطاب ديني متطرف, والثاني خطاب ديني يعتقد أنه غير متطرف. أما الخطاب الرسمي له قول آخر.
النوع الأول هو الخطاب المنتشر في مجموعات ضيقة في بعض المساجد والزوايا, وانتقل عبر منصات إلكترونية بعينها, ومجموعات مغلقة, تظهر في تعليقات أصحابها عند التعليق علي القضايا الشائكة, وينتمي لفكر التنظيمات المتطرفة مثل داعش والقاعدة, ويمثل جزءا من إيديولوجية ثابتة في لدي الفرد المؤمن به, فتستطيع الجماعات أن تحركه دون أن يكون عضوا تنظيميا فيها, ليبث سموم أفكاره في سائر مناحي الحياة, ولنا أمثلة حية في واقعة استشهاد القمص أرسانيوس وديد بالإسكندرية, منذ شهور وما تلاها من بث سموم علي صفحات تستهدف الترويج لمثل هذا الخطاب. وكل الوقائع المتعلقة بحرية المرأة, وختان الإناث وما نجده من أفكار تعكس ما تشبع به المجتمع من ثقافة الصحراء التي لا علاقة لها بمصر, والنوع الثاني هو الخطاب الديني العام المنتشر في المجتمع والمعاملات اليومية وينسحب علي مواقع التواصل الاجتماعي والذي يعتبر المسيحيون أهل ذمة وأقلية ويسحبهم إلي درجة أقل من المواطنة استنادا إلي هويتهم الدينية.
والأخطر من هذين الخطابين هو الخطاب الرسمي الصادر عن وثائق محلية وعالمية, مثل الوثيقة العالمية للإخوة الإنسانية التي شارك الأزهر في وضعها في عام2019, ورغم أنها وثيقة للتآخي إلا أنها تنص في بند منها علي الالتزام بالمواثيق والقرارات المتوافقة مع التقاليد الإسلامية والعربية, باعتبار هذا التوافق مع التقاليد العربية والإسلامية شرطا لقبول الوثائق والقرارات الدولية-حسب شهادة صلاح فضل أحد المفكرين الحاضرين في لقاءات إعداء الوثيقة وشهادته الواردة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- هذه الوثيقة تعد مثالا علي ممارسات متكررة تعكس ما بين السطور في الخطاب الديني الرسمي, هذا الخطاب الذي يضع الالتزام بما يعتقد قطاع معين شرطا لقبول الآخر والدخول معه في شركة حياتية فأنه ضمنيا يبيح عدم التآخي ويحلل رفض الآخر إذا لم يوافق مبادئه المعلنة التي من الوارد جدا بل من الضروري أن يختلف معها الآخر الديني وإلا لما كانت له عقيدة مغايرة من الأساس.
للأسف لم يتغير واقع الأقباط فيما يتعلق بالخطاب الديني الموجه ضمنيا ضد مواطنتهم فلابد من ترك الساحة لإعمال العقول والانحياز للتنوع والتعددية في مقابل الكراهية والآحادية عبر إجراءات أهمها تنقية التشريعات من النصوص التي تعلي أصحاب دين علي آخر وتفعيل القوانين التي تجرم الحض علي الكراهية وتبني مشروعا قوميا لتمديد مساحات التنوير الحقيقي يناسب المزاج الشعبي المصري المحب للحياة ويعيده إلي حالته السابقة علي التشويه الذي مورس عليه.