هل كتب الاستفتاء على الدستور في تونس السطر الأخير لثورات الربيع العربي؟


إعلان

خرجت في 25 يوليو/تموز من حالة "الاستثناء" بإقرار الناخبين يدخل البلاد في مرحلة سياسية مختلفة عن السنوات العشر التي تلت ثورة 2011 يتحكم خلالها الرئيس بمعظم مفاتيح الحكم.

وكانت تونس، مهد ثورات الربيع العربي، تعد طويلا الاستثناء الوحيد الناجح لهذه الموجة الثورية التي سرعان ما تحولت إلى نزاعات سياسية عنيفة أو حتى مسلحة على غرار ما حدث في اليمن وسوريا وليبيا.

الشمعة الوحيدة التي بقيت مشتعلة من الثورات التي هزت المنطقة

فقد نجحت البلاد في تنظيم ثلاث مواعيد انتخابية تعددية على مدى العقد الماضي والتي لاقت إشادة دولية، ما جعلها تمثل بنظر البعض الشمعة الوحيدة التي بقيت مشتعلة من الثورات التي هزت المنطقة بإقرار دستور توافقي خلال سنة 2014 يضمن الحريات العامة والفردية والتعددية السياسية.

لكن، وفيما تحقق ما اعتُبر نجاحا في عبور المرحلة الانتقالية بسلام، عانت تونس أزمات اقتصادية ومالية وأمنية جعلت المكتسبات الديمقراطية يُنظر إليها على أنها "نقمة" لعموم التونسيين مع تعطل محركات الاقتصاد الأساسية ومنها بالأساس السياحة وتصدير الفوسفات وتتالي أزمات المالية العمومية واعتمادها على قروض صندوق النقد الدولي الذي يفرض حزمة إصلاحات اقتصادية ذات كلفة اجتماعية ثقيلة.

وجاءت أزمة فيروس كورونا وتداعياتها الصحية والاقتصادية العالمية لتعفن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد وهو ما استغله الرئيس سعيّد لفرض إجراءاته الاستثنائية بحجة "الخطر الداهم" ويستحوذ على معظم السلطات ويقر خارطة انتقال سياسي لم تقبل بها معظم القوى السياسية بالبلاد.

للمزيد -

بتمرير دستور جديد اقترحه بنفسه متجاوزا رأي الهيئة الاستشارية التي عينها لصياغته، يبدو أن سعيّد نجح في تمرير خطوته الأهم في مشروعه السياسي. لكن قوى محلية ودولية يقدرون أن هذا الدستور لا يحظى بإجماع واسع ويضعف "المؤسسات الديمقراطية" فيما يمنح معظم السلطات لرئيس الدولة.

الدستور الجديد قد يُضعف الديمقراطية ويقوض احترام الحريات الأساسية

وعبرت الولايات المتحدة الخميس عن قلقها إزاء الديمقراطية في تونس بعد الدستور، إذ قال وزير الخارجية  في بيان: "شهدت تونس تناقصا مقلقا في المعايير الديمقراطية على مدى العام المنصرم وألغت الكثير من مكتسبات الشعب التونسي التي حصل عليها بشق الأنفس منذ 2011".

وأضاف بلينكن أن الولايات المتحدة لديها مخاوف من أن الدستور الجديد قد يضعف الديمقراطية ويقوض احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وأن عملية صياغته لم تحظ بنطاق واسع من الحوار النزيه.

من جانبه، دعا الاتحاد الأوروبي إلى "الحفاظ" على الحريات الأساسية في تونس وذلك خلال إعلان نشره باسم الأعضاء الـ27 وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.

وأشار  إلى أن استفتاء 25 يوليو/تموز سجل "نسبة مشاركة ضعيفة" وشدد على ضرورة التوصل إلى "إجماع واسع" بين القوى السياسية والمجتمع المدني بشأن "جميع الإصلاحات السياسية والاقتصادية المهمة التي ستقوم بها تونس". 

الأسباب التي عجلت بانهيار التجربة الديمقراطية في تونس

وعن الأسباب التي عجلت بانهيار التجربة الديمقراطية في تونس، يقول مساعد رئيس تحرير صحيفة المغرب اليومية حسان العيادي إن الأحزاب التونسية المعارضة في زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وعلى رأسها حركة النهضة، نجحت في تحقيق انتقال سياسي تولت به زمام الحكم في إطار "تشاركي أو توافقي" لكنها غفلت عن أن الثورة التونسية اندلعت بالأساس من أجل مطالب اجتماعية واقتصادية تحت شعار "شغل حرية كرامة وطنية".

وتابع قائلا: "حتى عندما اهتمت الحكومات المتعاقبة بالاستجابة للمطالب الاجتماعية، فإن كلفة السلم الاجتماعي كانت باهظة على التوازنات المالية للدولة ما أجل انفجار الأزمة عوض حلها، ولعل العفن الذي وصل له الوضع في صيف 2021 يعود لسياسات هذه الطبقة الحاكمة".

ويضيف العيادي أن صورة سيئة للطبقة السياسية ترسخت في أذهان شق واسع من التونسيين باعتبارها "طبقة فاسدة تعقد الصفقات فيما بينها وتستفيد ماليا من وجودها في السلطة دون تحقيق منجز يذكر لعامة الشعب".

للمزيد - تونس - سوق الحبوب: المزارعون يحذرون من خطر التهريب على الأمن الغذائي الوطني

المؤسسة العسكرية في مصر، الحرب الأهلية في سوريا...

في المقابل، يرى مراقبون في المسار السياسي الذي اتخذه الرئيس قيس سعيّد انتكاسة أخرى لثورات الربيع العربي قد تعجل بإغلاق كل الآمال التي كانت معقودة على تونس في الحفاظ على "الاستثناء الديمقراطي".

ومن بين بلدان الموجة الأولى لثورات الربيع العربي، عاد الحكم من جديد في يد المؤسسة العسكرية النافذة في مصر فيما مازالت سوريا تعاني تبعات حرب أهلية هجرت وقتلت الملايين رغم نجاح نظام بشار الأسد في تفادي الانهيار. من جانبها، غرقت ليبيا واليمن أيضا في حروب أهلية دامية وأزمات سياسية لم يظهر أفق حلها بعد.

وفيما سُمي بالموجة الثانية لثورات الربيع العربي، لم تنجح ثورتا تشرين الأول/أكتوبر 2019 في ولبنان في تحقيق التطلعات المنتظرة منها، بل غرق البلدان في أزمات سياسية عطلت تشكيل الحكومات بعد انتخابات برلمانية لم تفرز أغلبية واضحة وحافظت فيها التكتلات السياسية التقليدية على وزنها ولو نسبيا.

وفي الجزائر التي نجح حراكها في إسقاط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يرى مراقبون أن السلطة لم تخرج من يد نفس النخبة السياسية المتحالفة مع مؤسسة الجيش النافذة. أما السودان الذي أسقطت فيه مظاهرات نظام عمر البشير في 2019، عاد الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان للاستحواذ على الحكم بعد إقصاء المدنيين من السلطة التنفيذية.

"لا يمكن ضم ما حدث في ليبيا وسوريا ضمن ثورات الربيع العربي"

ويرفض مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية بجنيف رياض الصيداوي تعميم التغيرات التي شهدتها المنطقة في 2011 مؤكدا أن لكل بلد خصوصياته حيث يقول: "في تونس ومصر حدثت ثورة سلمية حقيقية أدت إلى تفكك النخب وانحياز الجيش للمطالب الشعبية وسقوط النظام، أما في ليبيا وسوريا فقد حدث انشقاق في المؤسسة العسكرية أدى إلى حرب أهلية إضافة إلى تدخلات أجنبية حاولت تغيير النظام القائم وبالتالي فلا يمكن ضم ما حدث في هذين البلدين ضمن ثورات الربيع العربي".

وفيما يخص مآل التجربة التونسية، يصر حسان العيادي أن قوس الثورة لم يُغلق بعد باعتبار أن "الحكم الفردي" الذي ينوي سعيّد فرضه في تونس يحتاج إلى تحقيق قدر من "الرفاه لشعبه لإضفاء شرعية على حكمه"، مضيفا أن الرئيس يعجز عن ذلك الآن بحكم ثقل الديون على كاهل الدولة التونسية والتي قد يعاني سعيّد من تبعاتها خلال الأشهر المقبلة.

وهنا يذكّر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الفرنسية خطار أبو ذياب، أن ربيع الشعوب الأوروبية تطلب عقودا ليحقق استقرارا سياسيا وديمقراطية حقيقية. وقال لفرانس24: "بذور التغيير التي زرعتها الانتفاضات العربية في موجتي 2011 و2019 لا يمكن أن تذهب سدى. لكن الأمر لا يتعلق بمجرد إسقاط نظام حكم هنا أو هناك، هذه الانتفاضات بحاجة لثورات بنيوية وثقافية في المجتمعات العربية التي تعاني من مشكلة تجذر نزعة الاستبداد واستمرار وجود أجهزة قمعية في الدولة تتحكم في العملية السياسية. هناك أيضا معضلة المذهبية والطائفية التي تطل برأسها في عدد من الدول والتي تمثل عائقا كبيرا أمام عملية تغيير سياسي حقيقية".

الدول العربية "تفتقر لنخبة مالية وصناعية وطنية قادرة على الدفع نحو ديمقراطية ليبرالية"

أما رياض الصيداوي فيقدم وجهة نظر سوسيولوجية لتفسير تعطل الانتقال السياسي في المنقطة حيث يقول: "الدول العربية تفتقر لأولغارشيا (نخبة) مالية وصناعية وطنية قادرة على الدفع نحو ديمقراطية ليبرالية مثلما عليه الحال في الدول الغربية. الدولة بأجهزتها الأمنية والعسكرية في المنطقة العربية مازالت  اللاعب الأقوى في المعادلة السياسية حيث يتجلى ذلك مثلا في النفوذ الواسع للمؤسسة العسكرية في بعض من هذه البلدان".

وفي تونس، قد يواجه سعيّد  موفقا صعبا خلال المرحلة السياسية الجديدة، في ظل نسبة الواسعة عن التصويت على الدستور الجديد التي ناهزت 70 بالمائة من الجسم الانتخابي والتخبط الذي بدت عليه أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي اضطرت لسحب إحصاءات المشاركين ما أثار شكوكا حول حدوث تلاعب.

واتهمت "جبهة الخلاص الوطني"، وهي تحالف أحزاب معارضة في البلاد، الهيئة الانتخابية بـ"تزوير" أرقام نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور، مدعية أن استفتاء الرئيس قيس سعيّد "فشل".

المشروع السياسي لقيس سعيّد ليس في مأمن من "الارتدادات"

وهنا يقول العيادي: "سعيّد الذي كان يريد التأسيس لنظام رئاسوي قوي يحتكر معظم السلطات لم ينجح في تمرير الدستور إلا بربع الناخبين وهو رقم هزيل مقارنة بتجارب أخرى للاستفتاء على الدستور، وهذا المعطى يخدم بالأساس أحزاب المعارضة التي قاطعت الاقتراع والتي تريد إجبارسعيّد إلى تقديم تنازلات وفرض سياسة انفتاح على الساحة السياسية التي يرفض الرئيس التونسي مجرد التعامل معها".

ويضيف العيادي أن جيلا كاملا من الشباب الذي ترعرع خلال العشرية الماضية لم يشارك في هذا الاقتراع ما قد يمثل "إنذارا" لسعيّد بأن مشروعه السياسي ليس في مأمن من "الارتدادات".

من جانبه، يحمّل الصيداوي الإسلاميين الذي وصلوا إلى الحكم بعد ثورات 2011 مسؤولية فشل المرحلة مضيفا: "حركات الإخوان المسلمين هي من فشلت في تجربة الحكم بعد وصولها إلى السلطة وقامت بالربط عمدا بين نجاح الربيع العربي ووصول الإسلاميين إلى السلطة. في تونس على سبيل المثال، أخذت حركة النهضة فرصة كاملة للحكم طيلة عشرة أعوام والشعب هو من انتفض ضدها في 25 يوليو/تموز 2021، الرئيس سعيّد منتخب ديمقراطيا بأكثر من 72 بالمئة وما قام به لا يمكن أن يعتبر انقلابا وما حدث كان خلافا تقليديا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والأمر لا يتعلق بردة كما يقول منتقدوه".

عمر التيس

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

Download_on_the_App_Store_Badge_AR_RGB_blk_102417
تاريخ الخبر: 2022-07-29 18:16:18
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 95%
الأهمية: 86%

آخر الأخبار حول العالم

اختطاف مغاربة بالتايلاند يسائل بوريطة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:26:30
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 52%

بطولة ألمانيا.. رويس يعلن رحيله عن دورتموند بعد 12 عاما

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:26:45
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

اختطاف مغاربة بالتايلاند يسائل بوريطة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:26:36
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

الاتحاد الفرنسي يصدر قرارا مثيرا للجدل تجاه اللاعبين المسلمين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:26:37
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 58%

يورغن كلوب يؤكد انتهاء أزمته مع صلاح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:26:23
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

الاتحاد الفرنسي يصدر قرارا مثيرا للجدل تجاه اللاعبين المسلمين

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:26:42
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 57%

يورغن كلوب يؤكد انتهاء أزمته مع صلاح

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:26:27
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 62%

بطولة ألمانيا.. رويس يعلن رحيله عن دورتموند بعد 12 عاما

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 18:26:49
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية