مفاجآت الملك محمد السادس في حكايات فنانين ومشاهير


منذ أن اعتلى العرش العلوي سنة 1999 وهو شاب في السادسة والثلاثين من العمر، ما فتئ العاهل المغربي الملك محمد السادس، طيلة اثنين وعشرين عاما من حكمه، يخلق المفاجآت داخل المغرب وخارجه، سواء تعلق الأمر بلباسه أو بطبيعة صوره التلقائية مع أشخاص عاديين أو فنانين أثناء سفرياته خارج البلاد أو خلال تجواله بسيارته التي يقودها بنفسه في مدن مغربية. ولا يتردد أحيانا في الوقوف للتحدث مع المواطنين والتقاط صور معهم استجابة لطلباتهم. لكن هناك مفاجآت عديدة أخرى بصمت ذاكرة الكثير من الفنانين المغاربة والأجانب في علاقتهم مع الملك محمد السادس، وسنتوقف في هذا الملف بمناسبة الذكرى الثامنة والخمسين لميلاد محمد السادس، عند بعض من حكايات هذه المفاجآت الملكية الاسثتنائية كما عاشها أصحابها.

 

الملك يوفر الدعم اللوجيستيكي لـ«أندجين» المدافع عن قدماء المحاربين

 

لم يكن الكوميدي المغربي الفرنسي جمال الدبوز ليترك اي مناسبة يقدم فيها فيلم «أندجين» دون أن يوجه شكرًا خاصا للملك محمد السادس، على مساهمته في خروج هذا العمل. ذلك أن الملك ساعد في توفير الكثير من المتطلبات التي يحتاجها الفيلم على المستوى اللوجيستيكي، من خيول وجنود وغير ذلك، في المشاهد التي تم تصويرها في المغرب. وذلك مساهمة من محمد السادس في إنجاز عمل ذي بعد إنساني، يهدف على الخصوص إلى إعادة الاعتبار لقدماء المحاربين الأفارقة، ومن بينهم مغاربة فاق عددهم ثلاثمائة ألف حاربوا في الصفوف الأمامية من أجل تحرير فرنسا من الاستعمار النازي.

وفيلم «أندجين» كان قد أنجز في سنة 2006، وذلك بعد سبع سنوات من تولي العاهل المغربي العرش. وتم اختياره كأفضل فيلم غير أمريكي لجائزة الأوسكار، كما فاز بثماني جوائز أوسكار في سابقة في تاريخ السينما الفرنسية، إضافة إلى جائزة بمهرجان «كان» بعد سنة فقط على خروجه للقاعات السينمائية بفرنسا والمغرب.

وقد تم عرضه الأول بحضور بعض من قدماء المقاومين المغاربة، وكان الملك محمد السادس قد شاهد فيلم «أندجين» الذي حضر عرضه الأول آنذاك الرئيس الفرنسي جاك شيراك، مما جعله يعيد النظر في وضعية معاش قدماء المحاربين المغاربيين الذي لم يكن منصفا مقارنة مع قدماء المحاربين الفرنسيين.

وما ميز فيلم « أندجين» أيضا، الذي صور بين فرنسا والمغرب، من إنتاج فرنسي مغربي بلجيكي وجزائري، هو أنه جمع بين ممثلين من أصل مغاربي، فمخرجه رشيد بوشارب فرنسي من أصل مغربي، وبطولة الفيلم تقاسمها كل من رشدي زم، فرنسي من أصول مغربية تم تكريمه في المهرجان الدولي للسينما بمراكش في دورته الحادية عشرة في 2011، وهو أيضا مخرج فيلم «عمر قتلني» الذي أعاد فيه قصة البستاني المغربي عمر الرداد المتهم بقتل مشغلته الفرنسية جيزلان. ثم سامي نصري الممثل والمنتج الفرنسي من أصل جزائري، الذي اشتهر ببطولة فيلم «تاكسي» في سنة 1998، إضافة إلى الممثل سامي بوعجيلة الفرنسي من أصل تونسي.

ولم تكن هذه المفاجأة الوحيدة للدبوز من طرف الملك محمد السادس، فقد فاجأه بعد سنتين من خروج فيلم «أندجين» كذلك بهدية ملكية بمناسبة زفافه من الإعلامية الفرنسية ميليسا توريو في سابع ماي 2008 والذي أقامه الكوميدي الشهير في منزله الفاخر بمنطقة النخيل بمراكش.

 

مفاجأة لـ”فناير” المراكشية

 

لم ينافس مجموعة «فناير» في الاهتمام اللافت الذي لقيته من طرف الملك محمد السادس سوى مجموعة ناس الغيوان، فقد توسعت شهرة هذه المجموعة المراكشية بمواضيع أغانيها ذات العمق الاجتماعي والإنساني، منذ أن بدأت في سرقة الأضواء بعيد تأسيسها في 2001 وأدائها لأغنية «ما تقيش بلادي» التي أدتها بعد التفجيرات الإرهابية التي شهدتها الدار البيضاء في ماي 2003.

مجموعة «فناير» التي اشتهرت خاصة بأغنية «يد الحنة» التي وجدت طريقها سريعا إلى فئات واسعة من الشباب، كانت قد حظيت بلقاء الملك محمد السادس مرتين، المرة الأولى حينما تم توشيح أعضائها بوسام ملكي من درجة قائد في سنة 2013 في الذكرى الخمسين لميلاد عاهل البلاد في عيد الشباب، وكان ذلك بعد مرور أربع سنوات على الفاجعة التي ألمت بالمجموعة حينما فقدت أحد أعضائها، ويتعلق الأمر بهشام بلقاس، في عمر لم يكن يتجاوز آنذاك الثالثة والعشرين في حادث سير مروع، في طريق عودة الفرقة من مشاركتها في مهرجان الموسيقى الروحية بفاس، منتصف يونيو من سنة 2008. وقام العاهل المغربي بتوشيح والد الراحل هشام بلقاس عضو المجموعة الفقيد، حيث ظل أعضاؤها الثلاثة محسن تيزاف، وأشرف أعراب، وخليفة مناني، حتى اليوم، يرفضون تعويضه بفرد آخر في «فناير».

أما اللقاء الثاني بالملك محمد السادس، فسيأتي بعد مرور ثلاث سنوات على اللقاء الأول، والذي شكل مفاجأة كبرى للمجموعة، كان حينما وقع الاختيار على «فناير» لإنجاز أغنية تناسب حدث احتضان المغرب لقمة المناخ الثانية والعشرين في مراكش، فكانت أغنية «أمير نظيف» التي ألفتها المجموعة ولحنتها، وحين أدتها رفقة مجموعة من الأطفال في افتتاح قمة كوب 22 الذي احتضنته مراكش في نونبر 2016 أمام الملك وبان كيمون الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك وأمام الحضور الدولي والعربي الوازن، كانت ملامح الملك وابتسامته تعكس إعجابه بالأغنية وبمضمون رسالتها حول الحفاظ على البيئة، وهو ما عبر عنه في النهاية حينما صفق طويلا وهو يتوجه إليهم بقوله «برافو».

لكن مجموعة «فناير» لم تكن تتوقع أن بانتظارها لقاء آخر مع الملك في نفس اليوم، ذلك أن أفراد الفرقة كانوا من بين المدعويين لحفل العشاء بالقصر الملكي، حيث كانت هدية الملك للمجموعة، سلاسل عنق ذهبية مميزة جداً من الحجم الكبير تتوسطها نجمة خماسية، كانت بمثابة وسام كذكرى لمشاركتهم في هذا الحدث الكبير، فأصبحت هذه الهدية لا تكاد تفارق «فناير» في الكثير من حفلاتها.

 

مضاعفة تعويضات الفنانين المغاربة في الدورة 12 لـ”موازين”

 

هذه واحدة من المفاجآت التي لن ينساها الفنانون المغاربة، خلال مشاركتهم في الدورة الثانية عشرة لمهرجان موازين إيقاعات العالم، التي احتضنتها مدينة الرباط في نهاية يونيو 2013 وذلك حينما أقدم الملك محمد السادس، في سابقة في تاريخ هذا المهرجان الموسيقي السنوي، على مضاعفة مبالغ الأجور التي يتقاضاها الفنانون المغاربة مقابل إحياء حفلاتهم في موازين.

شكلت هذه المبادرة الملكية فعلا مفاجأة من العيار الثقيل بحكم أن أجور الفنانين المغاربة كانت تظل عموما متواضعة مقارنة مع التعويضات التي يحصل عليها الفنانون الأجانب والعرب في هذه التظاهرة الموسيقية، التي ألغيت دورتها التاسعة عشرة في العام الماضي وكذلك دورة السنة الحالية بسبب استمرار تفشي فيروس كورونا.

وكان من ضمن الفنانين المغاربة الذين شاركوا آنذاك في الدورة الثانية عشرة لمهرجان موازين إيقاعات العالم، وعاشوا هذه المفاجأة الموسيقار الكبير عبد الوهاب الدكالي، مجموعة «أش كاين» سعيد موسكير، هدى سعد، الدون بيغ، نجاة اعتابو، وعتيقة عمار التي كانت قد دشنت في هذه الدورة عودتها للغناء بعد غياب سنوات طويلة، ومجموعة أزنزارن، وحجيب، ومجموعة السهام، وفاطمة الزهراء العروسي، ومجموعة غيوان السلوان، وأحمد شوقي، ومَجِيد بقاس، ويسرا سعوف، وفريد غنام، وحميد القصري.

وكانت الدورة الثانية عشرة لهذا المهرجان قد افتتحت بحفل للفنانة الأمريكية الشهيرة «ريهانا»، كما عرفت مشاركة المطربة الإماراتية أحلام التي أهدت الملك محمد السادس أغنية مغربية. وحين عادت أحلام بعد مرور خمس سنوات، في مشاركتها الثانية بموازين في سنة 2018 في دورته السابعة عشرة أعلنت عن تناولها عن أجرها لصالح مؤسسات خيرية وإنسانية مغربية.

 

معاش ملكي لمجموعة «ناس الغيوان» وصوت «جيل جيلالة» النسوي

 

في سنة 2000، وبعد سنة فقط من تولي الملك محمد السادس الحكم، كانت مجموعة ناس الغيوان على موعد مع التفاتة ملكية اسثنائية بكل المقاييس. حينما عمد الملك محمد السادس إلى تخصيص هبة ملكية لجميع أفراد المجموعة، عبارة عن معاش مدى الحياة لرواد ناس الغيوان بقيمة ثلاثين ألف درهم، لكل من عمر السيد، وعبد الرحمان باكو، وعلال يعلا، إضافة إلى استفادة إخوة الراحل بوجميع، وكذلك ابن الراحل العربي باطما وشقيقيه الذين التحقا بمجموعة الغيوان، بمبلغ سبعة آلاف درهم لكل واحد منهم.

حدث هذا في الوقت الذي كانت فيه مجموعة «ناس الغيوان» قد بدأت تغيب عن جمهورها بعد ثلاثين سنة من التألق، خاصة بعد أن فقدت صوتها الصادح العربي باطما، واعتلال صحة علال يعلا وعبد الرحمان باكو.

وكانت التفاتة الملك لوضعية المجموعة الغيوانية المادية، بمثابة التفاتة اهتمام كذلك بالجانب التراثي الذي أغنته هذه المجموعة التي ذاع صيتها في العالم، حتى أن المخرج الأمريكي الكبير مارتن سكورسيزي وظف موسيقاها في فيلمه «إغراءات المسيح» حين اكتشف أغانيها بالصدفة في الثمانينات خلال مشاهدته لفيلم «الحال» الذي كان مخرجه أحمد المعنوني قد اقتفى فيه أثر ناس الغيوان في أكبر حفلاتهم داخل المغرب وخارجه، قبل أن يلتقي بهم سكورسيزي لأول مرة بعد مرور خمسة وعشرين سنة، وذلك خلال تكريمه بمهرجان مراكش السينمائي.

وكان الملك محمد السادس قد أمر، بالإضافة إلى تخصيصه لمعاش لأعضاء ناس الغيوان، بتوثيق مسار المجموعة الغني في كتاب أنيق يعكس ذاكرة الغيوان الموسيقية والحياتية، بتمويل من طرف كبريات المؤسسات.

لكن أكبر مفاجأة في هذه الالتفاتة التي خص بها الملك ناس الغيوان، كانت تلك التي عاشتها بفرح عارم صوت مجموعة جيل جلالة النسائي، الفنانة سكينة الصفدي، حينما علمت بأن الملك قد خصص لها هي الأخرى معاشا شهريا، حيث كانت سكينة الفنانة الوحيدة التي شاركت في المسيرة الخضراء، وصدح خلالها صوتها بأغنية «العيون عينيا». وقد كانت تعيش ظروفا مادية صعبة بعد انفصالها عن جيل جيلالة منذ سنوات طويلة، ومعاناة زوجها من مرض مزمن، قبل أن يفاجئها محمد السادس بهبة ملكية شهرية بقيمة ثلاثين ألف درهم، لتتمكن أخيرا من شراء سكن خاص اختارت أن يكون بعيدا جدا عن ضوضاء مدينة الدار البيضاء.

 

وردة الجزائرية.. مفاجأة وسام ملكي على الخشبة

 

كانت وردة الجزائرية، المطربة الوحيدة التي حظيت بتكريم خاص لم يحظ به أي فنان قبلها ولا بعدها في تاريخ مهرجان «موازين» إيقاعات العالم منذ انطلاقته، فحينما وقفت وردة الجزائرية في سنة 2009 وهي في سن التاسعة والستين على خشبة النهضة، كانت تنتظرها مفاجأة تابعها الحضور الغفير الذي حج ذلك المساء لمشاهدتها بالرباط، بتصفيقات وتهاليل حينما صعد محمد معتصم مستشار الملك الخشبة ليقوم بأمر من محمد السادس بتوشيح الفنانة الكبيرة التي ولدت بباريس لأب جزائري وأم لبنانية، بوسام ملكي من درجة قائد، إضافة إلى منحها شهادة تقدير واعتراف بعطاءاتها في ساحة الفن العربي على مدى أكثر من نصف قرن، إضافة إلى إهدائها مفتاح الرباط من طرف والي المدينة، ومجسم بابها من طرف عمدتها.

حينها شدَتْ وردة بصوتها العذب «بين يوم وليلة»، فشدّت الجماهير على مدى ساعتين كانت خلالهما تبدو وردة سعيدة بهذا الاحتفاء الذي خصها به الملك محمد السادس على أرض المغرب وفي واحد من أكبر المهرجانات المغربية، التي استقطبت كبار نجوم العالم العرب والأجانب.

وبقدر ما عاش عشاق وردة لحظات فرح استثنائي بحضور الفنانة الجزائرية على خشبة «موازين»، بقدر ما شاء القدر أن يتزامن رحيلها بعد مرور ثلاث سنوات مع موعد تنظيم دورة 2012 لهذا المهرجان، مما دفع منظميه إلى إلغاء العديد من حفلات وفقرات المهرجان، حدادا على رحيل وردة الجزائرية التي شارك في مراسيم جنازتها المهيبة بالجزائر فؤاد عالي الهمة مستشار الملك، لتكون بذلك أول وآخر فنانة تحظى بتكريم من هذا المستوى الرفيع في مهرجان موازين إيقاعات العالم. وكانت وردة الجزائرية قد عبرت آنذاك عن رغبتها في اقتناء منزل بالمغرب لتقضي فيه عطلها.

وكانت وردة الجزائرية التي بدأت الغناء في سن مبكر، قد سبق لها أن شاركت في حفلات عيد الشباب على عهد الملك الراحل الحسن الثاني في سنة 1993، وذكرت حينها في مؤتمر صحافي بهذه المناسبة ـ وكان جديدها الغناني آنذاك يتمثل في أغنيتيها «بتونس بيك» و»حرمت أحبك» ـ أنها قبل هذا التاريخ بثلاثين سنة كانت قد أقامت بالمغرب لمدة ستة أشهر بالعمارة رقم 1 بشارع للا الياقوت الذي كان يحمل آنذاك اسم شارع «مارسيليا» رفقة والدها وأختها وأخيها مسعود. وأنها شاركت في عدة حفلات داخل المغرب وخارجه وهي في سن صغير مع الملحن والمطرب الراحل عمر الطنطاوي الذي كان يكبرها بعشر سنوات، وكذلك الفنان محمد فويتح، وكانت تجمعهما مع أسرتها علاقة صداقة.

 

الملك والفنانة الوزيرة: ما بقا مخزن!!

لم تستطع الفنانة الراحلة ثريا جبران أن تصدق أذنيها. كانت المكالمة مفاجئة جدا، من طرف ملك البلاد محمد السادس، وما ضاعف المفاجأة هو مضمون المكالمة الهاتفية الذي كشف فيها العاهل المغربي عن رغبته في أن تتولى الفنانة القديرة ثريا جبران حقيبة وزارة الثقافة، فجف حلقها من الخوف من ثقل المسؤولية. حدث ذلك ذات يوم من سنة 2007 في وقت لم يكن فيه أحد ينتظر على الإطلاق أن تتبوأ ثريا هذا المنصب الوزاري.

لم تخف ثريا جبران عن الملك تخوفها من حمل هذا الثقل، وتولي منصب لم يحدث أن حلمت به على الإطلاق ولا طمحت للوصول إليه، لكنه طمأنها وخفف من هول الصدمة عليها.

ما كانت تقوله الفنانة الراحلة ثريا جبران أو «السعدية اقريطيف» حسب اسمها الأصلي في مسرحيتها «العيطة عليك» على لسان شخصية «سعيدة الدريويشة» التي جربت أن تحلم بأن تصبح وزيرة، ثم سريعا ما طردت الفكرة تماما، وهي تردد: «وزيرة؟ هي ما كاين مخزن؟» كان مجرد تمثيل، لكنها لم تكن تتوقع أن يصبح حقيقة أخافتها كثيرا. لكن تشجيع الملك لها بقوله إنه سيساعدها في مهمتها بدد شيئا من هذا التخوف، فبدأت على الفور وحتى قبل استقبالها من طرف محمد السادس في رسم الخطوط العريضة لرؤيتها الثقافية والفنية، محاطة بأشخاص يمثلون نوعا من الصداقات النادرة في حياتها، والذين كان يمكن أن تعول عليهم في مهمتها الصعبة الجديدة.

دخلت الفنانة الراحلة ثريا جبران وزارة الثقافة كوزيرة في حكومة عباس الفاسي في 2007 بعد أن كانت تتردد عليها كفنانة، لكنها لم تتخل عن صفة الفن وهي تزاول مهامها الوزارية، قبل أن يجبرها وضعها الصحي بعد مرور سنتين فقط، على طلب الانسحاب من هذا المنصب تاركة خلفها العديد من الملفات لمشاريع فنية مهمة مفتوحة فوق مكتبها، بعد أن حققت جزءا منها وعلى رأسها إخراج بطاقة الفنان للوجود، والتي قام الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش في سنة 2008 بمدينة فاس بتسليمها شخصيا لأول دفعة من الفنانين الحاصلين عليها، وكانت تتكون من نعيمة سميح، عبد الوهاب الدكالي، لطيفة رأفت، محمد مفتاح، محمد الدرهم، عبد القادر البدوي، مليكة العاصمي، الطاهر بنجلون، الفنانة الأمازيغية فاطمة تاباعمرانت، وسعيدة شرف، والتشكيلي فريد بلكاهية. فيما فاجأ الملك مارسيل خليفة بتوشيحه في نفس المناسبة بوسام الكفاءة الفكرية، حيث كان المطرب اللبناني يتواجد بالمغرب، وكان بصدد الاشتغال آنذاك على مشروع تأسيس معهد موسيقي بمدينة طنجة للتحسيس بأهمية الموسيقى للأطفال والشباب، وهي الفكرة التي لم تر النور بعد، لكنها مازالت قائمة إلى اليوم بالنسبة للفنان الكبير صاحب ترنيمة «أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي» والذي ظلت تربطه علاقة كبيرة بالجمهور المغربي منذ أن دأب قبل أكثر من ربع قرن على إحياء العديد من حفلاته بالمغرب.

 

الشاب خالد والجنسية المغربية

 

لم يكن مغني «الراي» الشهير الجزائري الشاب خالد يتوقع أن يحصل على هدية من هذا النوع، لكن الملك محمد السادس فاجأه حينما أصدر مرسوما في 20 غشت 2013 يقضي بمنحه الجنسية المغربية، بموجب الظهير الشريف رقم 1.1.368 الذي جاء في مضمونه أنه «منحت الجنسية المغربية بصفة استثنائية للسيد خالد حاج إبراهيم المولود في 29 فبراير 1960 بوهران بالجزائ، وترفع عن السيد خالد حاج قيود الأهلية الخاصة بالتجنيد».

وكان الشاب خالد الذي بدأ الغناء في سن مبكر لا يتجاوز الرابعة عشرة، يحفظ العديد من أغاني الرواد المغاربة الذين سيحتك بهم فيما بعد سواء في فرنسا أو في المغرب، إذ كان صوت ابن وهران دائماً يصدح في مهرجان الراي بوجدة، وفي العديد من المحافل الفنية المغربية رفقة ابن موطنه الشاب فوضيل ابن القبايل الذي ولد بفرنسا وسبق أن منحه الملك محمد السادس أيضاً الجنسية المغربية.

الشاب خالد متزوج من سميرة دياب، وقد أنجبت له أربع بنات وولد يتقاسمون جدين مغربيين وجزائريين، ذلك أن والدتهما سميرة ولدت من أم مغربية وأب جزائري، مما جعل الشاب خالد يردد أنه يلازمه دائما شعور بعدم وجود أي حدود بين المغرب والجزائر، سواء في حياته الشخصية أو الفنية. ومن أجمل ما استحضرته ذاكرة صاحب لقب «ملك الراي» وهو يحكي في أحد لقاءاته عن العلاقات التي كانت تطبع الفنانين المغاربة والجزائريين والتونسيين ببعضهم البعض، أنه خلال حديث دار يوما بينه وبين الفنان الكبير عبد الهادي بلخياط في مناسبة جمعت بينهما في المغرب، ذكر فيه اسم أحمد وهبي الفنان الجزائري المعروف وأحد رواد فن الراي الذي اشتهر بأدائه لأغنية «وهران رحت خسارة»، ففوجئ بأن هذا الفنان الجزائري كان قد أقام في منزل الفنان عبد الهادي بلخياط لمدة سبع سنوات خلال عهد الاستعمار الفرنسي للجزائر، وأنه كانت تربطهما صداقة متينة كما أخبره بذلك المطرب المغربي الكبير.

 

الملك ويسرا: «المغرب بيتك ونحن أهلك»

 

حينما سئلت الممثلة المصرية يسرا عن أكثر شخصية سياسية تأثرت بها في العالم العربي من جميع الشخصيات الكبرى التي سبق لها أن عرفتها عن قرب، أجابت بقولها: «لن أنسى موقف الملك محمد السادس حينما قال لي «اعتبري المغرب بيتك ووطنك ونحن أهلك. وذلك حينما تعرضت للهجوم في سنة 2011 وهذا موقف لن أنساه في حياتي». ذلك أن الفنانة يسرا كانت قد تعرضت لهجوم وتهديدات حينما أعلنت عن تأييدها للرئيس المصري الراحل حسني مبارك، رفقة الفنانين الذين كانوا في ضيافته قبل أسابيع من مغادرته الحكم، معلنة آنذاك عن موقفها من سياسة الإخوان المسلمين، و كان رائجا في الساحة الفنية أن يسرا تفكر في الاستقرار خارج مصر بعد هذا الهجوم.

فاجأ موقف الملك محمد السادس يسرا بعد أن علم بهذه المحنة التي تمر منها، خاصة وقد أصبحت تربطها علاقة صداقة بالأسرة الملكية، منذ أن رافقت مسار المهرجان الدولي للسينما بمراكش منذ ولادته في سنة 2001 الذي مر بمرحلة حرجة كانت بمثابة تحدي لهذه التظاهرة، إذ جاء تنظيم دورته الأولى بعد ثلاثة أشهر فقط على أحداث الحادي عشر من شتنبر الإرهابية، كما كانت الفنانة يسرا أول فنانة عربية يتم تكريمها بالمهرجان في دورته الثانية رفقة الفنانة المغربية الراحلة أمينة رشيد، لتتحول يسرا إلى ضيفة في جميع دوراته حتى أنها أصبحت تعرف جل فضاءات مدينة مراكش، وكثيراً ما تحولت إلى مرشدة لصديقاتها من الفنانات والفنانين المصريين الذين يحضرون بالمهرجان الدولي للسينما بمراكش.

فقد كانت يسرا من الفنانين الأوائل الذين شجعوا مهرجان مراكش السينمائي الدولي إلى جانب شخصية أخرى كان لها الفضل في نجوميتها بعد أن بدأت مسارها كمطربة، ويتعلق الأمر بالمخرج المصري الكبير يوسف شاهين الذي افتتح المهرجان دورته الأولى بعرض فيلمه «سكوت، حنصور» وظل من مشجعي المهرجان حتى وفاته في يوليوز 2008، بعد مرور سنة واحدة فقط على تكريم المهرجان للسينما المصرية كضيف شرف، بحضور ستين فنانا مصريا وعرض أكثر من أربعين فيلما في ملحمة تكريمية استثنائية ساهم كثيرا في نجاحها بامتياز رجل السينما المتمرس الراحل نور الدين الصايل، حيث تم تكريم يوسف شاهين مرة أخرى بعد رحيله، بعد تكريم أول كان قد حظي به قبل وفاته بأربع سنوات بتكريم في مراكش في سنة 2004.

 

المهدي قطبي: الملك فاجأني ولا أحد كان يعلم مضمون المفاجأة

 

«حين أعلمني البروتوكول الملكي أن الملك محمد السادس سيستقبلني، لم أكن أعلم شيئا عن فحوى هذه الدعوة الملكية، وأعتقد أن لا أحد كان يعلم بقراره الذي سيطلعني عليه. وحين وقفت أمام الملك أخبرني أنه عينني على رأس المؤسسة الوطنية للمتاحف، والحقيقة أن هذا التعيين فاجأني كثيرا، وشعرت بالحرج، ذلك أن محمد السادس وضع ثقته في شخصي مع ما يعنيه ذلك من بذل مجهود كي أكون فعلا أهلا لهذه الثقة من جهة، ومن جهة ثانية شعرت بالخوف من أداء هذه المهمة لأنه مجال ليست لي فيه أي دراية على مستوى التسيير، فأنا رجل فنان أجد نفسي أكثر في مجال أبدع فيه بتلقائية. وفي تلك اللحظة التي كنت فيها أمام الملك وكان فيها هذا الحديث الداخلي يدور بيني وبين نفسي، سمعت محمد السادس يقول لي: «لن تخيب ظني آسي مهدي». هكذا استحضر الفنان التشكيلي المهدي قطبي في حوار سابق له مع «الأيام» حول مساره الفني والشخصي، تلك اللحظة حينما فاجأه الملك بقرار تعيينه على رأس المؤسسة الوطنية للمتاحف التي تأسست منذ عشر سنوات، وهذا المنصب يعتبر محطة استثنائية أخرى في حياة هذا الرجل الذي عرف قساوة الحياة في طفولة امتهن فيها مهنا كثيرة، منها عمله كخادم في منزل أحد البورجوازيين المغاربة، قبل أن تفتح له حياة أخرى ذراعيها ليصبح قريبا من كبار الشخصيات السياسية والفكرية والأدبية في العالم، فتوسعت علاقاته وبلغت درجة صداقته مع الرؤساء منذ أن استقر بفرنسا، قبل أن يعيده منصبه للإقامة بشكل أطول في المغرب، في مسؤولية إشرافه على واحدة من أهم المؤسسات الثقافية في المغرب، والتي استقطبت معارض رائدة احتضنها متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر الذي افتتحه الملك في سنة 2014 وعلى رأسها معرض «مائة سنة من الإبداع المغربي من 1914-2014» وضم العديد من لوحات الفنانين المغاربة، من بينهم الراحل الجيلالي الغرباوي الذي كان أول من مد يد المساعدة للمهدي قطبي، كما روى ذلك وهو في بداية مشواره التشكيلي، عندما عمد الغرباوي إلى شراء لوحتين لقطبي حتى يتمكن هذا الأخير من شراء بعض أدوات الرسم لأول مرة، كما ضم المتحف من بين معارضه المهمة معرضا كبيرا لبيكاسو، ثم معرض «دولاكروا: ذكريات رحلة إلى المغرب» المقام حاليا والذي سيمتد حتى أكتوبر القادم.

 

سعيد موسكير وسؤال الملك عن ابنه «داير صاكي في كتافي» ورسالة الملك

 

حينما خرجت أغنية «داير صاكي في كتافي» للوجود لصاحبها المغني سعيد موسكير، التقطها الجمهور المغربي بحفاوة كبيرة، وشكلت فعلا قفزة في مسار موسكير الذي تميز بلون غنائي يحمل بصمته الخاصة، لكن الأغنية لم تتوقف عند متابعين عاديين، بل وصلت إلى أذن الملك محمد السادس الذي أعجب بها، فكانت مفاجأته لسعيد موسكير عبارة عن رسالة تضمنت هبة مادية مهمة ودعوة للمزيد من العطاء والإبداع. لم يكن صاحب «دقة دقة إلى بغيتي توصل» يتوقع أن يحدث معه هذا الأمر الذي شكل له تحفيزا معنويا وماديا في نفس الآن.

وجاءت الالتفاتة الثانية بعد مرور سنوات ـ وهذه المرة في سنة 2015 بمناسبة عيد العرش ـ حين سيكافئه الملك مرة أخرى بوسام ملكي من درجة فارس، على عطائه في مساره الفني الذي تجاوز آنذاك ربع قرن، وكان حينها سعيد موسكير يعيش في ظل نجاح أغنيته الجديدة «أنا هاي كلاس»، مع تجربة تمثيل كوميدية رمضانية بعنوان «الخواسر» شاركت فيها أيضا الممثلة سامية أقريو والمغني غاني القباج.

وإذا كان سعيد موسكير قد أصبح يعرف مدى اطلاع الملك على أعماله، إلا أنه فوجئ بالعاهل المغربي أثناء توشيحه بالوسام الملكي، يسأله عن ابنه أولا قائلا: «كيف حال الولد؟» ويتعلق الأمر بابنه «سبيل» الذي شاءت الصدفة أن يولد في ثامن ماي وهو نفس التاريخ الذي ولد فيه ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وكانت مفاجأة سعيد موسكير كبيرة لأنه لم يكن يتصور أن الملك يعرف أنه رزق بمولود.

تاريخ الخبر: 2022-07-30 21:19:00
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 67%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية