واقع‏ ‏الأقباط‏ ‏بعد‏ 30 ‏يونيو‏ (٤)‏


حينما‏ ‏تقفز‏ ‏جملة‏ ‏جلسات‏ ‏الصلح‏ ‏العرفي‏ ‏إلي‏ ‏ذهني‏ ‏لا‏ ‏أتذكر‏ ‏إلا‏ ‏القهر‏, ‏والإذعان‏, ‏والإجبار‏ ‏علي‏ ‏قبول‏ ‏ما‏ ‏يرفضه‏ ‏المنطق‏ ‏ويضرب‏ ‏مبدأ‏ ‏المواطنة‏ ‏في‏ ‏مقتل‏. ‏فقد‏ ‏يفلح‏ ‏الصلح‏ ‏العرفي‏ ‏في‏ ‏النزاعات‏ ‏المالية‏ ‏التي‏ ‏تنتهي‏ ‏بتعويض‏ ‏مادي‏, ‏أو‏ ‏وقف‏ ‏المعارك‏ ‏القبلية‏, ‏وهذا‏ ‏رائج‏ ‏في‏ ‏صعيد‏ ‏مصر‏ ‏والمناطق‏ ‏الحدودية‏, ‏لكن‏ ‏حينما‏ ‏يتعلق‏ ‏بالاعتداءات‏ ‏الطائفية‏, ‏فهو‏ ‏يقدم‏ ‏للمجتمع‏ ‏نموذجا‏ ‏من‏ ‏رضوخ‏ ‏الطرف‏ ‏الأضعف‏ ‏لقهر‏ ‏الأكثرية‏ ‏العددية‏, ‏ولأن‏ ‏القوي‏ ‏الأمنية‏ ‏تنظم‏ ‏هذه‏ ‏الجلسات‏ ‏التي‏ ‏تضم‏ ‏قيادات‏ ‏أمنية‏ ‏وكبار‏ ‏عائلات‏, ‏ورجال‏ ‏دين‏, ‏يشعر‏ ‏المجني‏ ‏عليه‏ ‏بقهر‏ ‏لا‏ ‏يقل‏ ‏عن‏ ‏قهر‏ ‏مساومته‏ ‏علي‏ ‏مواطنته‏ ‏مقابل‏ ‏الصلح‏ ‏مع‏ ‏الجاني‏, ‏فينصاع‏ ‏ويبقي‏ ‏الغضب‏ ‏مدفونا‏ ‏تحت‏ ‏تبويس‏ ‏اللحي‏, ‏والنتيجة‏ ‏استمرار‏ ‏الاعتداءات‏ ‏لأن‏ ‏تلك‏ ‏الجلسات‏ ‏توفر‏ ‏غطاء‏ ‏مجتمعيا‏ ‏يبارك‏ ‏الافلات‏ ‏من‏ ‏العقاب‏, ‏ومعول‏ ‏هدم‏ ‏يسقط‏ ‏هيبة‏ ‏الدولة‏ ‏وسيادة‏ ‏القانون‏.‏
والتاريخ‏ ‏القريب‏ ‏يشهد‏ ‏أن‏ ‏الصلح‏ ‏العرفي‏ ‏لم‏ ‏يستطع‏ ‏حماية‏ ‏حقوق‏ ‏الأقباط‏, ‏ولم‏ ‏يلتزم‏ ‏المتطرفون‏ ‏بأحكامه‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏المناطق‏ ‏علي‏ ‏سبيل‏ ‏المثال‏ ‏لا‏ ‏الحصر‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏قري‏ ‏المنياالبدرمان‏, ‏نزلة‏ ‏عبيد‏, ‏نزلة‏ ‏عبدالمسيح‏, ‏بني‏ ‏أحمد‏, ‏عزبة‏ ‏يعقوب‏ ‏بباوي‏, ‏الماريناب‏ ‏أسوان‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏أعوام‏ 2011 ‏ـ‏ .2014 ‏وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏انتهت‏ ‏الجلسات‏ ‏إلي‏ ‏قرارات‏ ‏مجحفة‏ ‏للأقباط‏ ‏مثل‏ ‏التهجير‏ ‏القسري‏ ‏وإنزال‏ ‏الصلبان‏ ‏من‏ ‏فوق‏ ‏كنيسة‏ ‏ما‏, ‏أو‏ ‏عدم‏ ‏استكمال‏ ‏أعمال‏ ‏البناء‏ ‏أو‏ ‏الترميم‏… ‏إلخ‏, ‏ولن‏ ‏يفيد‏ ‏تسطير‏ ‏تفاصيل‏ ‏الماضي‏ ‏سوي‏ ‏اجترار‏ ‏الآلام‏, ‏لذلك‏ ‏أكتفي‏ ‏بذكر‏ ‏واقعتين‏ ‏حديثتين‏, ‏الأولي‏ ‏شهدتها‏ ‏قرية‏ ‏سبك‏ ‏الأحد‏ ‏بمركز‏ ‏أشمون‏ ‏في‏ ‏محافظة‏ ‏المنوفية‏, ‏في‏ ‏شهر‏ ‏أبريل‏ ‏الماضي‏, ‏علي‏ ‏خلفية‏ ‏صفع‏ ‏صيدلاني‏ ‏يدعي‏ ‏علي‏ ‏أبو‏ ‏سعدة‏, ‏لامرأة‏ ‏مسيحية‏ ‏تدعي‏ ‏نيفين‏ ‏صبحي‏, ‏مرتين‏ ‏علي‏ ‏وجهها‏ ‏داخل‏ ‏صيدليته‏, ‏لأنها‏ ‏ترتدي‏ ‏ما‏ ‏اعتبره‏ ‏ملابس‏ ‏غير‏ ‏محتشمة‏ ‏في‏ ‏شهر‏ ‏رمضان‏.‏
بحسب‏ ‏المبادرة‏ ‏المصرية‏ ‏للحقوق‏ ‏الشخصية‏ ‏ـ‏ ‏الباحث‏ ‏إسحق‏ ‏إبراهيم‏ ‏ـ‏ ‏لم‏ ‏يذهب‏ ‏هذا‏ ‏الاعتداء‏ ‏لأروقة‏ ‏المحاكم‏, ‏وانتهي‏ ‏بجلسة‏ ‏صلح‏ ‏عرفية‏ ‏مع‏ ‏المعتدي‏ ‏بحضور‏ ‏نائب‏ ‏برلمان‏ ‏وعمدة‏ ‏القرية‏ ‏ومسئول‏ ‏أمني‏ ‏وبعض‏ ‏القيادات‏ ‏الدينية‏, ‏قدم‏ ‏الصيدلاني‏ ‏فيها‏ ‏اعتذارا‏, ‏وغرمته‏ ‏الجلسة‏ ‏العرفية‏ ‏مئة‏ ‏ألف‏ ‏جنيه‏, ‏وتنازلت‏ ‏نيفين‏ ‏عن‏ ‏محضر‏ ‏الواقعة‏. ‏ثم‏ ‏أظهرت‏ ‏الصورة‏ ‏ـ‏ ‏التي‏ ‏التقطت‏ ‏للإعلان‏ ‏عن‏ ‏النهاية‏ ‏السعيدة‏ ‏ـ‏ ‏المجني‏ ‏عليها‏, ‏وهي‏ ‏منكسة‏ ‏الرأس‏ ‏في‏ ‏حالة‏ ‏من‏ ‏القهر‏ ‏والانكسار‏ ‏بينما‏ ‏وقف‏ ‏المعتدي‏ ‏والمشاركون‏ ‏إلي‏ ‏جوارها‏, ‏وارتسمت‏ ‏علي‏ ‏وجوههم‏ ‏ملامح‏ ‏الانتصار‏.‏
الواقعة‏ ‏الثانية‏ ‏ما‏ ‏شهدته‏ ‏قرية‏ ‏البرشا‏ ‏بالمنيا‏ ‏من‏ ‏اشتباكات‏ ‏بين‏ ‏مسلمين‏ ‏ومسيحيين‏ ‏في‏ ‏نوفمبر‏ 2020 ‏علي‏ ‏خلفية‏ ‏اتهام‏ ‏شاب‏ ‏بمشاركة‏ ‏منشور‏ ‏علي‏ ‏صفحته‏ ‏في‏ ‏فيسبوك‏, ‏اعتبر‏ ‏مسيئا‏ ‏للإسلام‏, ‏فتظاهر‏ ‏العشرات‏ ‏مرددين‏ ‏هتافات‏ ‏عدائية‏ ‏تحريضية‏ ‏تجاه‏ ‏المسيحيين‏, ‏كانت‏ ‏النتيجة‏ ‏إصابة‏ ‏سيدة‏ ‏مسنة‏ ‏بحروق‏ ‏متفرقة‏, ‏وحرق‏ ‏وتكسير‏ ‏وإتلاف‏ ‏ممتلكات‏ ‏لأقباط‏ ‏ومحاولة‏ ‏الاعتداء‏ ‏علي‏ ‏إحدي‏ ‏الكنائس‏, ‏وتم‏ ‏الصلح‏ ‏العرفي‏, ‏ثم‏ ‏أخلت‏ ‏النيابة‏ ‏العامة‏ ‏سبيل‏ ‏المقوبض‏ ‏عليهم‏ ‏من‏ ‏الجانبين‏, ‏فيما‏ ‏عدا‏ ‏الشاب‏ ‏المتهم‏ ‏بنشر‏ ‏البوست‏, ‏فما‏ ‏الرسالة‏ ‏المطلوب‏ ‏وصولها‏ ‏للمواطن؟
ياسادة‏ ‏الصلح‏ ‏العرفي‏ ‏ظالم‏ ‏يسير‏ ‏طبقا‏ ‏لهوي‏ ‏الضلع‏ ‏الأقوي‏ ‏وثقافته‏ ‏وميله‏ ‏الشخصي‏, ‏لا‏ ‏يوافق‏ ‏الجمهورية‏ ‏الجديدة‏, ‏ولا‏ ‏يصلح‏ ‏مع‏ ‏الاعتداءات‏ ‏الطائفية‏, ‏وعلي‏ ‏مدار‏ ‏سنوات‏ ‏طويلة‏ ‏لم‏ ‏يفلح‏ ‏في‏ ‏حماية‏ ‏حقوق‏ ‏الأقباط‏, ‏لم‏ ‏يأت‏ ‏بحق‏ ‏مظلوم‏, ‏ولم‏ ‏يداو‏ ‏المفزوعين‏ ‏من‏ ‏الصغار‏ ‏المقذوفين‏ ‏بالطوب‏ ‏بسبب‏ ‏هويتهم‏ ‏الدينية‏ ‏عند‏ ‏اندلاع‏ ‏نوبات‏ ‏العقاب‏ ‏الجماعي‏, ‏لم‏ ‏ينجح‏ ‏في‏ ‏إسكات‏ ‏صرخات‏ ‏النساء‏ ‏وسط‏ ‏النيران‏ ‏وبيوتهم‏ ‏تحترق‏ ‏وأسرهم‏ ‏تتشرد‏, ‏ولم‏ ‏ينزع‏ ‏الإحساس‏ ‏بالغبن‏ ‏من‏ ‏القلوب‏, ‏بينما‏ ‏نجحت‏ ‏القبضة‏ ‏الأمنية‏ ‏وتطبيق‏ ‏القانون‏, ‏في‏ ‏ملفين‏ ‏شائكين‏ ‏هما‏ ‏الاعتداء‏ ‏علي‏ ‏الكنائس‏ ‏واختفاء‏ ‏القاصرات‏, ‏فتوقفت‏ ‏الاعتداءات‏ ‏علي‏ ‏الكنائس‏ ‏بشكل‏ ‏ملحوظ‏ ‏مع‏ ‏نهاية‏ ‏عام‏ 2018, ‏وتمت‏ ‏إعادة‏ ‏الفتيات‏ ‏والنساء‏ ‏المختفيات‏ ‏إلي‏ ‏ذويهم‏, ‏فما‏ ‏الداعي‏ ‏للجلسات‏ ‏العرفية‏ ‏والحل‏ ‏بين‏ ‏أيادينا؟

تاريخ الخبر: 2022-08-03 09:21:30
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

مويس يغادر منصبه كمدرب لوست هام في نهاية الموسم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:25:50
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

مويس يغادر منصبه كمدرب لوست هام في نهاية الموسم

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:25:56
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

أول تعليق إسرائيلي رسمي على موافقة حماس على مقترح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:26:03
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 60%

أول تعليق إسرائيلي رسمي على موافقة حماس على مقترح الهدنة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:25:58
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية