راهنت الدول الغربية في حربها مع روسيا، والتي تدور رحاها منذ فبراير الماضي في أوكرانيا، على العقوبات كوسيلة لوقف موسكو عن مخططها المضاد لدول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ولكن يبدو اليوم أن تلك المغامرة لم تحقق أهدافها.

موسكو رغم حزم عقوبات متتالية فُرضت عليها قادرة على تحقيق الأرباح من النفط والغاز، بل وأعلنت عن خفض سعر الفائدة لديها، كما تتحكم في سلة القمح العالمية والذي قد تكون ذراع فعالة لتجويع عشرات الدول خلال 2023، وفي الوقت نفسه تعاني أوروبا والولايات المتحدة، فهل جائت العقوبات بنتيجة عكسية ؟

الروبل اليوم أقوى

يقول السيناتور الأمريكي الجمهوري، آندي بار، في مقال له على موقع "ذا هيل" الأمريكي، إن حالة الرضا التي تشعر بها واشنطن وحلفاؤها بعد فرض قيود على المؤسسات المالية الروسية، سمحت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بجمع ما يكفي من العملة الصعبة لمواصلة القتال.

ويضيف أن تغيير قواعد اللعبة في الحرب من الولايات المتحدة يتطلب قطع الأرباح الروسية من النفط والغاز، والتي جلبت ما يقرب من 100 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب.

واعترف مسؤول كبير في وزارة الخارجية في جلسة استماع لمجلس الشيوخ الشهر الماضي، أنه بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، يمكن أن تكون عائدات روسيا الآن مرتفعة كما كانت قبل الغزو، على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على البلاد، فالروبل أقوى مما كان عليه قبل عام.

سياسة الذعر الروسية

"أوروبا تعيش أسوأ فترة منذ الحرب العالمية"، تلك الجملة التي وردت في بيان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، أمس الخميس، وهي بالتحديد الفكرة التي تعتمد عليها موسكو في ردع دول أوروبا بتلك الحرب.

القارة العجوز باتت واحدة هادئة للسلام منذ عقود، والدخول في صراع عسكري مع روسيا قد يعيد الأيام المأساوية لأوروبا، لذا فإن دول اليورو والناتو يتعاملون بحذر شديد مع الأزمة الأوكرانية حتى لا تتورط في مواجهة عسكرية مع الدب الروسي.

وربما يعوّل الرئيس الروسي كثيرا على تلك المخاوف، فقد دخل هذه العملية العسكرية وهو يضمن أن أقصى تحرك سيكون مد أوكرانيا بالأسلحة.

مكاسب الطاقة

أظهرت روسيا علامات واضحة على الاستفادة من تجارة الطاقة المتقلبة منذ غزوها لأوكرانيا، ويقول الخبير الاقتصادي بول كروغمان، في مقال رأي لصحيفة نيويورك تايمز إن روسيا لا تواجه مشكلة في بيع الأشياء، لكنها تواجه الكثير من المتاعب في شراء الأشياء.

وقال "كروغمان" إن المعركة ستتأثر بعوامل مثل التضخم ومخاطر الركود المرتفعة ، والتي تضع الغرب حاليًا في موقف صعب، إذ أصدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة الأسبوع الماضي لمكافحة التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في 41 عامًا، وأصدر البنك المركزي الأوروبي رفعًا عنيفًا بمقدار نصف نقطة قبل بضعة أسابيع لمكافحة ارتفاع الأسعار المرتفع وضعف المعنويات الاقتصادية.

سلاح الغاز

لا تزال أوروبا على وجه الخصوص تواجه صعوبات أكبر في المستقبل، حيث تستعد القارة لفصل الشتاء دون التدفق الطبيعي لإمدادات الغاز الروسي.

فعلى سبيل المثل زادت روسيا الضغط على المستثمرين في مشروعيّ طاقة في المحيط الهادي ساعدا موسكو على إعادة بناء اقتصادها، وألقت باللوم على إكسون موبيل في تراجع إنتاج النفط في سخالين-1 ومنحت المساهمين في سخالين-2 شهرا للمطالبة بحصصهم.

وفرضت دول غربية وحلفاؤها، ومن بينهم اليابان، عقوبات على روسيا بعد أن أرسلت قوات إلى أوكرانيا في أواخر فبراير، وردت موسكو بوضع عقبات أمام الشركات الغربية وحلفائها الذين سحبوا أعمالهم من روسيا، وفي بعض الحالات النادرة صادرت موسكو أصولهم.

شتاء مخيف

كلمات أطلقتها مارين لوبان، رئيسة كتلة "التجمع الوطني" اليميني في البرلمان الفرنسي، دللت على سلاح الغاز الروسي، إذ دعت إلى رفع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا، لأنها "غير مجدية وبسببها، يعاني الأوروبيون".

وأبدت أملها خلال مؤتمر صحفي أن تختفي العقوبات لتجنب انقطاع التيار الكهربائي عن أوروبا، لا سيما فيما يتعلق بواردات الغاز".

وقالت إن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا فشلت في إجبار الاقتصاد الروسي على الركوع.

وشددت لوبان على أن أوروبا نفسها تعاني من هذه العقوبات أكثر بكثير من روسيا.

عقوبات نتائجها عكسية

تراهن روسيا كثير على أن العقوبات لن تضر بها وحدها، ويدلل على ذلك تقرير نشره موقع "ديلي إكسبرس"، والذي يؤكد أن العقوبات الوحشية ضد روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا تلحق المزيد من الضرر بأوروبا وسط مخاوف من أن القارة قد تنهار في أكبر أزمة مالية لها على الإطلاق

ردت أوروبا بضراوة على خطة الحرب التي طرحها فلاديمير بوتين بمجموعة من العقوبات التي تهدف إلى شل اقتصاد موسكو وإفشال جهودها الحربية بالكامل، لكن بوتين لم يرتدع من هذا كله حتى الآن، وهناك مخاوف الآن من أنه قد يشن حربه السياسية الخاصة قريبًا ضد الاتحاد الأوروبي كجزء من خطة انتقامية، فيما يواجه مئات الملايين من الأوروبيين شتاءً شديد البرودة ، وقد تم حثهم على تقنين الغاز مع احتمال قطع بوتين الإمدادات عن القارة تمامًا.

وزعم الاتحاد الأوروبي أن هذه الخطوة "ذات دوافع سياسية"، حيث انخفضت إمدادات الغاز إلى أوروبا من روسيا عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 بسرعة إلى خمس طاقتها.

بالإضافة إلى ذلك، قفز التضخم في منطقة اليورو إلى 8.9 في المائة في يوليو من 8.6 في المائة في الشهر السابق - مع انخفاض اليورو إلى التعادل مقابل الدولار الأمريكي في وقت سابق من هذا الشهر لأول مرة منذ أكثر من 20 عامًا.

حذر تشارلز هنري جالوا ، رئيس حملة "جيل فريكسيت" في فرنسا، من أن عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا تأتي بنتائج عكسية، محذرًا من أن الركود في منطقة اليورو أصبح الآن "واضحًا".



وقال: "بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وإيطاليا، تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي ، ولا يمكنك استبداله بهذه الطريقة".

وبحسب "جالوا" ستعاني دول أوروبية أخرى، بما في ذلك فرنسا، لأن روسيا كانت موردا مهما للنفط، قائلا: "رخيص جدا وقد فعلوا ذلك بعقود باليورو، الآن، نحن نشتري نفس النفط من دول أخرى بهامش الربح والدولار، ومع انخفاض اليورو، يصبح هذا أكثر تكلفة".

ويكمل: "إنه نفاق تمامًا كما هو الحال بالنسبة للغاز - لا يمكنك استبدال النفط الروسي بهذا الشكل. ليس لديك المنشآت ولا ما يعادلها، العقوبات الاقتصادية تلحق ضررا أكبر بأوروبا مما تلحقه بروسيا. الركود واضح."