كشف الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، النقاب عن خطط "ذي لاين" في يناير/كانون الثاني 2021، وهو أول مشروع إنشائي لمنطقة الأعمال نيوم بتكلفة 500 مليار دولار بهدف تنويع اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم.

وأعلن بن سلمان خلال عرض تقديمي في جدة في 25 يوليو/تموز، عن تصاميم المدينة التي "ستُبنى وفقاً لأحدث تقنيات البناء وعمليات التصنيع من قبل معماريين ومهندسين عالميين، وتستهدف تحقيق مثالية العيش، وتعالج التحديات الملحة التي تواجه البشرية".

وتأتي تصاميم "ذي لاين" انعكاساً لما ستكون عليه المجتمعات الحضرية مستقبلاً في بيئة خالية من الشوارع والسيارات والانبعاثات، وتسهم في المحافظة على 95% من أراضي نيوم للطبيعة، وتعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100%، لجعل صحة الإنسان ورفاهيته أولوية مطلقة بدلاً من أولوية النقل والبنية التحتية كما في المدن التقليدية.

وذكر وليّ العهد أن التصاميم الاستثنائية لـ"ذي لاين" توضح الهيكل الداخلي للمدينة التي سيجري تصميمها رقمياً بالكامل، مضيفاً: "لا يمكننا تجاهل أزمتَي البيئة وطريقة الحياة اللتين تواجهان مدن العالم".

وقال بن سلمان وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة نيوم: "عازمون على تنفيذ فكرة البناء إلى الأعلى في المدينة"، كما ستكون الأسطح الزجاجية عبارة عن مرايا عاكسة على جانبي المدينة بما يسمح لتفاصيلها بالاندماج مع الطبيعة.

و"نيوم" أحد المشاريع المهمة في رؤية 2030، وأُعلنَ عنه لأول مرة عام 2017، وقد أثار الدهشة باستمرار لدى المراقبين بشأن الازدهار المقترح مثل طائرات الأجرة والروبوتات الخادمة، ولكن شكّك عديد من المهندسين المعماريين والاقتصاديين في جدواه.

وتُعَدّ رؤية بن سلمان للحياة العصرية جوهرية في خططه لتحويل المملكة إلى اقتصاد يتجاوز الاعتماد على النفط ويدفع البلاد نحو الأمام.

ومن أهمّ مواصفات "ذي لاين" أن عرضها يبلغ 200 متر فقط على امتداد 170 كيلومتراً، وارتفاعها يبلغ 500 متر فوق سطح البحر.

موقع مدينة نيوم المتوقع جغرافياً (Others)

وستُبنى المدينة المطلة على خليج العقبة والبحر الأحمر على مساحة لا تتجاوز 34 كيلومتراً مربعاً، وتتسع لنحو 9 ملايين نسمة، وهو أمر غير مسبوق تماماً في مدنٍ بهذا الحجم.

وهذا بدوره يقلّل تمدُّد البنية التحتية، ويعزز كفاءة واستدامة المدينة على نحوٍ مميز. كما أن مناخها المثالي على مدار العام سيؤمن للسكان الاستمتاع بالطبيعة عند التنقل سيراً على الأقدام.

وتقدم مدينة "ذي لاين" نهجاً جديداً لتصميم المدن الذي يركّز على مفهوم "انعدام الجاذبية"، ويعني ذلك توزيع وبناء مكونات المدينة على شكل طبقات عمودية مما يتيح للناس إمكانية التحرك في الاتجاهات الثلاثة (إلى أعلى، وإلى أسفل، وكذلك أفقياً في كل جانب).

وعلى عكس مفهوم المباني الشاهقة، تسهّل هذه الفكرة عملية التنقل بين مواقع الاحتياجات اليومية، من أماكن عمل ومدارس وحدائق ومنازل في غضون خمس دقائق، إضافة إلى وجود قطار فائق السرعة يصل بين طرفي المدينة خلال 20 دقيقة.

وأكّد وليّ العهد أن المدينة الجديدة تشير إلى التزام المملكة الراسخ تقديمَ مشروع للعالم أجمع، لافتاً إلى أن "نيوم" تضمّ مجموعة من ألمع العقول العالمية في الهندسة المعمارية والبناء.

وجاء الإعلان عن تصاميم مدينة "ذي لاين" استمراراً للتقدم الذي تشهده "نيوم" في تطوير مشاريعها الرئيسية، وفق ما تقوله السلطات السعودية.

وأعلنت في وقت سابق عن إطلاق "أكساجون" مدينة الصناعات المتقدمة، و"تروجينا" الوجهة السياحية العالمية التي تقدّم أول تجربة للتزلُّج على الثلج في الهواء الطلق في الخليج العربي.

إلى جانب إطلاق شركتين تابعتين لـ"نيوم"، هما شركة "إنوا" التي تُعنى بالابتكارات وصناعات الطاقة والمياه والهيدروجين، وشركة "نيوم التقنية الرقمية".

احتمالات النجاح

أوضح بن سلمان أنه إلى جانب الدعم الحكومي، تشمل مصادر التمويل المحتمَلة القطاع الخاصّ والطرح العامّ الأولي المتوقع لشركة نيوم في عام 2024.

ولا يزال تأمين التمويل اللازم يمثّل تحدّياً محتمَلاً، على الرغم من أن المناخ الحالي أكثر ملاءمة مما كان عليه خلال جائحة كورونا الذي أدّى إلى خفض أسعار النفط.

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن أسعار النفط المرتفعة تساعد بن سلمان في الواقع على الاستمرار في "ذي لاين" و"نيوم"، إذ يوفّر الذهب الأسود التمويل للمشروع المكلّف.

وقال الأمير محمد بن سلمان للصحفيين في استعراضه الأخير للمشروع إن المرحلة الأولى منه حتى عام 2030 ستكلف 1.2 تريليون ريال (320 مليار دولار)، نصف هذا المبلغ يقدمه صندوق الاستثمارات العامة/صندوق الثروة السيادي السعودي.

وعن "ذي لاين" تقول صحيفة الغارديان البريطانية: "المواد الترويجية مدهشة، فهي تضمّ ناطحتَي سحاب مغلَّفتين بالمرايا تمتدان أكثر من 100 ميل عبر مساحات من الصحراء والجبال، مما يوفر منزلاً مستقبليا لـ9 ملايين شخص". وتتساءل: "هل هو أقصى ما في الحياة عالية الكثافة، أم خيال علمي فخم؟".

وأوضحت: "الاقتصاديون والمهندسون المعماريون والمحللون ليسوا متأكدين تماماً. خطة المملكة لإنشاء مدينة فاضلة حضرية باهظة للغاية، حتى إن أولئك الذين يعملون في المشروع لا يعرفون حتى الآن ما إذا كان يمكن تحقيقه".

أما شبكة CNN الأمريكية فقالت إن المشروع يشكّل جزءاً من خطة إعادة تسمية السعودية التي صاغت رؤية 2030 لمنافسة جيرانها الخليجيين مثل دبي وأبو ظبي كنقاط سفر ساخنة وإعادة تشكيل اقتصاد المملكة.

وقال تورمبون سولفت، محلل استراتيجي للمخاطر المستقبلية: "إن نيوم في وضع جيد لتسخير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبها خطط لاستضافة أكبر مصنع هيدروجين للطاقة المتجددة في العالم"، وفق ما نقله عنه موقع "يورو نيوز".

وللوصول إلى 100 مليون زائر سنوياً بحلول نهاية العقد الجاري، من المأمول أن تعزّز الطفرة الاقتصاد المحلي بمليارات الدولارات، وفق الشبكة الأمريكية.

وكان من المقرر مبدئياً استكمال المشروع عام 2025، لكن الأمر سيستغرق 5 سنوات أخرى، في وقت يصرّ فيه ولي العهد على أن المشروع الطموح لا يزال على المسار الصحيح.

وتمثل تصاميم ناطحة السحاب ذات المرايا أحدث تطور في "نيوم" بالمملكة العربية السعودية، وهو مشروع ضخم يمتدّ على ثلاث دول.

وعن إمكانية نجاح ذي لاين ونيوم عموماً، يقول الكاتب السعودي خالد محمد باطرفي إن "مشروع نيوم يُعَدّ من المشاريع الكبرى التي تشهدها السعودية، ودول الخليج العربي، ومن آخر الأمثلة على نجاح نظام الحكم الرشيد فيها بتحقيق القفزات التنموية بمعدلات دولية غير مسبوقة".


وأضاف في مقال نشرته صحيفة مكة الإلكترونية، أن "على المترددين في تصديق إمكانية التحقيق، مراجعة سجل هذه الدول في العقود الأخيرة، ومقارنته بسجلات دول كبرى تدّعي أنها تملك وحدها النموذج الأمثل للحكم المستنير، والتنمية المستدامة، والحلول السحرية لتقدم البشرية".

TRT عربي