قد تبدو رحلة قمر صناعي إيراني إلى مداره الفضائي من منشأة روسية مجرد مثال آخر للتعاون الفضائي العالمي. لكن بالنسبة إلى كثيرين في الغرب، من المحتمل أن تستخدم موسكو القمر الصناعي الإيراني، المسمّى "الخيام"، لمراقبة التحركات العسكرية الأوكرانية في الصراع المستمر منذ نحو ستة أشهر.

وكانت محطة الفضاء سويوز الروسية أطلقت بنجاح القمر الصناعي الإيراني من منشأة بايكونور في كازاخستان، والتي تقبع تحت السيطرة الروسية، يوم الثلاثاء الماضي. وقبل إطلاقه أعرب بعض المسؤولين الغربيين عن مخاوفهم من احتمال استخدام موسكو القمر الصناعي للحصول على معلومات استخبارية عن القدرات العسكرية الأوكرانية.

لكن بعض الخبراء يرى أن مخاوف الغرب مشكوك فيها، ولديهم أسبابهم. فروسيا تشغّل ثالث أكبر أسطول من المركبات الفضائية في العالم، وتملك منذ فترة طويلة قدرة مراقبة كافية عبر عديد من أقمارها الصناعية فوق أوكرانيا ودول أخرى. وكان الاتحاد السوفييتي أطلق أول قمر صناعي في العالم، ويدعى سبوتنيك 1، في عام 1957. وبالطبع ورثت روسيا القدرات الفضائية للدولة الشيوعية.

تقول فاطمة كريمخان، كبيرة المراسلين في وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيرنا)، وهي وسيلة إعلامية تمولها الدولة: "تملك روسيا بالفعل معدات أكثر من كافية للتجسس ضد أي شخص في أي مكان".

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أثناء زيارته طهران ولقائه المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس الإيراني حسن رئيسي (Others)

كما رفضت إيران المزاعم الغربية بأن قمرها الصناعي الذي أُطلق حديثاً قد تستخدمه روسيا ضد الأوكرانيين. وجاء في بيان إيراني صدر مؤخراً أن "الشائعات حول استخدام صور القمر الصناعي لأغراض عسكرية خاطئة". كما أشارت طهران إلى أن إيران ستتمتع بامتياز حصري لاستخدام القمر الصناعي "من اليوم الأول".

وأكدت إيران أن القمر الصناعي يهدف إلى مراقبة حدود البلاد وبرامجها الزراعية، ومراقبة مصادر المياه والتطبيقات البيئية في طهران. وفي هذا السياق، قالت كريمخان لـTRT World: "يمكن أن يكون لهذا القمر الصناعي الخاص دقة متر واحد إذ سيساعد إيران في الحصول على مزيد من البيانات حول المنطقة وطبيعتها الأرضية".

هذا ويعتقد مسؤولون أمنيون غربيون أن القمر الصناعي الإيراني سيعزز قدرة طهران على التجسس على أهداف منافسة في جميع أنحاء الشرق الأوسط من سوريا إلى العراق والخليج العربي وحتى إسرائيل.

وتؤكد كريمخان أن في إيران "بعض الشكوك" أن موسكو ستسمح لطهران باستخدام المعلومات من القمر الصناعي في الوقت المناسب لأن "الناس في إيران عادة لديهم حد أدنى من الثقة في روسيا".

ومع ذلك، سارعت الصحفية المقيمة في طهران إلى الإشارة إلى أنه على الرغم من عدم الثقة، فإن مصالح مشتركة تجمع الدولتين المناهضتين للغرب، من سوريا إلى العراق ومناطق أخرى مثل آسيا الوسطى.

المحلل السياسي المتخصص في شؤون أوراسيا والمقيم في موسكو إسريف يالينكيليجي، يتوافق مع كريمخان في وجهة النظر. وقال يالينكيليجي لـTRT World "من المشكوك فيه حقاً أن روسيا بحاجة إلى قمر صناعي إيراني جرى إطلاقه حديثًا من أجل أنشطة التجسس". معتبراً أن المخاوف الغربية "مبالغ فيها" إلى حد ما.

يقول يالينكيليجي: "تكنولوجياً، تُعدَُ القدرات الفضائية الحالية لروسيا جيدة بما يكفي لممارسة أنشطة التجسس ضد الغرب، إذ يواصل الروس التنافس مع الأمريكيين في سباق الفضاء".

ووفقاً للمحلل السياسي المقيم في موسكو فإن روسيا وبعد العام 2025، تنوي تطوير محطتها الفضائية الخاصة بها، وقطع علاقاتها مع وكالات الفضاء الغربية، مثل ناسا، لمتابعة مصالحها الخاصة بلا شراكة معها، إذ أصبح نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية GLONASS الروسي منافساً قوياً بالفعل لنظيره الأمريكي GPS.

تُعد روسيا والولايات المتحدة شريكتان حالياً، إلى جانب عدد قليل من البلدان الأخرى، في إدارة محطة الفضاء الدولية (ISS)، لكن بعض الأقوال تشير إلى أن موسكو تخطط للانسحاب من البرنامج لإطلاق موقعها الفضائي الخاص.

ولكن وفقاً ليالينكيليجي، لا يمكن الجزم بأن القمر الصناعي الإيراني الذي جرى إطلاقه حديثاً لن يُستخدم لأغراض عسكرية روسية لأن العلاقات الثنائية بين طهران وموسكو لم تكن أبداً "شفافة".

لحظة إطلاق القمر الصناعي الإيراني "الخيام" من قاعدة الإطلاق الروسية سويوز (Others)

لم يكن الإطلاق يوم الثلاثاء الماضي الأول من نوعه بالنسبة إلى إيران، والتي أطلقت قمرها الصناعي سينا -1 بمساعدة الروس في عام 2005. بسبب وزن القمر الصناعي الخيام الذي يزيد على نصف طن، ومعدل النجاح المرتفع في عمليات الإطلاق للمحطة الروسية سويوز فقد أُسند إطلاق القمر الصناعي الإيراني "الخيام" إلى روسيا.

تقوية الروابط

وكانت إيران، مثل الصين، اختارت اتباع موقف محايد فيما يتعلق بالهجوم الروسي على أوكرانيا منذ بداية الصراع العسكري في 24 فبراير/شباط. وقالت كريمخان إن "العلاقات الروسية الإيرانية تعززت مع اشتداد الصراع الأوكراني. دائماً جمعت البلدين تحالفات استراتيجية".

وتضيف: "يوجد بعض التقارير غير الرسمية حول شراء روسيا طائرات إيرانية بدون طيار، وكانت رحلة الرئيس الروسي بوتين الأخيرة إلى إيران خطوة مهمة في طريق طويل لتوثيق العلاقات بين البلدين".

في الشهر الماضي، أجرى الرئيس الروسي أول زيارة له خارج روسيا إلى طهران منذ بداية الصراع في أوكرانيا، والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقادة إيرانيين، وطالب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بـ"تعاون طويل الأمد" مع روسيا.

يقول يالينكيليجي إن الشركات الروسية إلى جانب نظيرتها الصينية نشطة للغاية في إيران، ويضيف: "الاقتصاد الإيراني، وخاصة قطاع البنية التحتية، مُقسَّم بين روسيا والصين". ويختم: "نعلم أن هذه الروابط الاقتصادية تُرجمت أيضاً إلى تعاون عسكري لفترة طويلة".



TRT عربي