المؤامرة الحقيقية


مهدي رابح

تخاذل إحدى عضوات مجموعة غاضبون والذي شغل الاسافير مؤخرا هو حدث ضمن سياق أوسع شمل أحداث أخرى عديدة تساقطت فيها شخصيات، تنكرت للحق وادارت ظهرها للرفاق وتضحياتهم وانحازت علناً للظلام، واكرر هنا (علناً).
تراوحت انتماءآت الساقطين ما بين لجان مقاومة ونشطاء سياسيين واعلاميين وغيرهم لكنني لا أميل الي تحميل هذه الشابة كامل المسؤولية والركون حصرياً لفقه المؤامرة السهل التبسيطي، بل أعتقد أن ضعف التجربة والثقافة السياسية وعدم وضوح الهدف وطبيعة التنظيم المهلهلة للمؤسسة التي تنتمي إليها يعطيها هامش عذر الجهل في بلاد انهارت مؤسساتها التعليمية واضحت شرائح واسعة من مواطناتها ومواطنيها على حافة الضنك المهلك والمسغبة.
شخصياً، ورغم عِظم ما اقترفته من خطيئة والذي يبين شحاً في النفس دون شك، ورغم علمي المؤكد ببينات عديدة بالعمل المخابراتي و التضليل المعلوماتي والدسائس التي تقوم بها كيانات مختلفة داخل المنظومة العسكروامنية/اسلاموية بوضعها السئ والفوضوي الحالي، الا انني اميل الي التعاطف مع هذه الخائنة الصغيرة والاشفاق عليها من حفلات الشواء التي نصبت لها في كل مكان اكثر من الغضب و الشيطنة، وأعتقد أن ما قامت به هو نتاج لمجموعة عوامل أخرى تضافرت لتنتج هذا الواقع السئ، فكلنا ضحايا سنوات من الفشل والفساد والقمع بدرجة او باخري، وتنطبق العوامل المذكورة في حالة هذه الشابة على عديد حاملي السلاح في الطرف الآخر من المعادلة فهم ايضا ضحايا الجهل والفقر وعجز الدولة عن القيام بمهامها لستة عقود متتالية، فكثير من الشباب العسكريين اليافعين هم فقط بيادق يتم تحريكها من قبل المجرمين الحقيقين لحماية مصالحهم والتي يمثل التحول المدني الديموقراطي أبرز مهدداتها، ودفع بهم شظف العيش وانعدام الفرص لاختيار نوع الحياة الكريمة التي يرون فيها قيمة ومعنى للانخراط في سلك القوي الامنية لتوفير ما يسدّون به الرمق اولا ثم ربما بعد ذلك تحقيق طموحات اكبر من ذلك، لم لا؟ ، بما ان هنالك من اوصلهم هذا الطريق من العدم ودون المرور بمراحل التدريب والتأهيل العسكري المعترف بها إلى قمة قيادة هذه المؤسسات والي الثراء الفاحش والسلطة شبه المطلقة، وما ان يجد هؤلاء المجرمين الصغار أنفسهم داخل هذه المؤسسات حتى تبدأ عملية طويلة ومجربة من غسيل الادمغة مبنية علي إرث خبيث وعنيف لايديلوجيا اسلاموية قسمت العالم الي مؤمنين وكفار وغنائم، واستبدلتها دون كثير عناء بتقسيم البشر الي عسكريين مالكين للقوة والسلطة بالاصالة ومحميين بحصانة وآليات رسمية وغير رسمية للافلات من العقاب ومدنيين (ملكية) هم اما أعداء او لا قيمة لحياتهم في أفضل الأحوال.
عودا على بدء فإن المتآمرين الحقيقين اذكي من ذلك بكثير وموجودين بيننا في صفوفنا، و معصومين من ارتكاب أخطاء بلهاء كالشابة صاحبة القضية، بل يعملون في صمت وإتقان كبيرين، وفي الغالب هم مثقفون وسياسيون ذوي تاريخ جيد َورصيد نضالي معقول يوفر لصورتهم في الفضاء العام درجة من الحصانة من الشبهات لكن استغراقهم في ذواتهم المتضخمة مقرونا بشجونهَم الصغرى التي تسبب فيها خروجهم من مركز الفعل السياسي لسبب او لآخر يدفع بعضهم لتبني مقاربات شمشونية تعمل على هد المعبد على رؤوس الجميع او نيرونية لتحترق روما ومن فيها تشفياً، او أسوأ من ذلك، اي للإنحياز للضفة الأخرى من وراء ستار وتحت جنح الظلام ومحاولة الرجوع إلى مركز الفعل تحت مظلة مبادرات وحلول ظاهرها الحكمة وباطنها ترسيخ سلطة الانقلابيين لعقود قادمات وتعريض السودان للانهيار ومستقبله للضياع التام وما اتفاق ٢١ نوفمبر ببعيد عن ذاكرة الجميع فلولاه ولولا ما يقوم به هؤلاء من جهود لشق الصف المدني واضعافه لما صمد هذا الانقلاب الشائه لعشرة أشهر داميات طوال ولما سقط هذا العدد الهائل من الشهيدات والشهداء ولما أضاع السودان مكتسبات ثورة ديسمبر الواحدة تلو الأخرى.
لا أظن أن خيانة الشابة ستجد مساحة تذكر في التاريخ لكن المتآمرين الكبار الحقيقين لن ينجوا من قسوته، فالانقلاب ساقط والتحول الديموقراطي آتٍ لا محالة، ومكانهم حينها سيكون محفوظا جنبا الى جنب مع المجرمين.
#يسقط_حكم_المجرمين
#مدنية

تاريخ الخبر: 2022-08-20 15:23:12
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

شركة" أدوبي" تغلق تطبيقي فوتوشوب في نظام "أندرويد"

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:24:23
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

مضمر الهجن رشيد ينهي معاناة والده السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:24:02
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

عقار جديد يعكس مرض السكري السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:24:05
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 50%

خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس الانتقالي السوداني السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:23:59
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

تطوير للطرق والمحاور بالخبر السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:24:04
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 60%

منارة الحرمين منصة رقمية بالمسجد الحرام السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:24:00
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 54%

توقيف صاحب فيديو المناورات الخطيرة بالقالة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 21:24:09
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية