الانتخابات القادمة.. ومصير البرلمان


هناك حرص واضح على أن تكون خطوات التصويت القادمة خالية من أية مآخذ قانونية أو إخفاقات دستورية، تضع الكويت في حالة من الارتباك، كما يوجد اهتمام واضح على أن تتم ممارسة الانتخابات من دون خلل في كشوفات الناخبين، مع مسعى واضح لتأمين استقامة كل الإجراءات، بما فيها الحفاظ على سلامة الكشوفات وإبعادها عن التدخلات من قبل المرشحين أو من مؤيديهم، فلأول مرة يتم التصويت اعتماداً على البطاقة المدنية لإفشال مخطط النقل المفاجئ للأسماء، وقد تكون هذه القاعدة المقبولة والمعتمدة مستقبلاً إذا نالت اطمئنان الجميع.

هناك شعور طاغٍ بأن هذه الانتخابات مصيرية في حصيلتها، فإن جاءت بأعضاء جدد استخلصوا العبر من دروس البرلمان السابق، فستكسب الكويت المزيد من المتانة في القواعد التي يستند إليها النظام البرلماني.

والواقع أن هناك تخوفاً من تكرار تجربة البرلمان السابق، الذي استحضرت فيه عناصر الشلل والفوضى في الكثير من الأحيان في أغلب المحاولات لتحقيق فعالية للبرلمان السابق، والسبب يعود إلى أن أولوية عدد كبير من النواب السابقين كانت تغيير الرئاسة السابقة، وقد نجحت المعارضة في حتمية حل المجلس، والبدء من جديد في مرحلة مختلفة عن المراحل السابقة.

وأبرز الدروس التي يجب أن يستوعبها شعب الكويت من تلك التجربة ضرورة الوصول إلى توافق بين السلطتين حول أي قرار يطرح، وأن المعارضة، مهما كانت قوتها وعددها، لن تتمكن من فرض قرار لا تقبله السلطة التنفيذية، وأن الفاعلية البرلمانية الكويتية هي نتاج مساعٍ مشتركة، لا فرض فيها من طرف على الآخر مهما كان عدده، وأن الدستور هو حاضن لمبدأ المشاركة بين الشرعية التاريخية والشعب الكويتي.

فالقناعة المشتركة التي تجمع بين الإرادة الشعبية والقناعة التنفيذية كانت متوافرة قبل الدستور وشكلت العمود الفقري الضامن لاستقرار الكويت.

كما أن الدستور يستوعب ما يمكن أن تقدمه المعارضة من مقترحات تضيف قوة للتجربة، وتسهم في مساعي التنمية، لكن التطبيق الواقعي لأي مقترحات يستوجب التعاون بين الشريكين.

هذه الشراكة التضامنية، التي هي جوهر الدستور، هي قاعدة العمل البرلماني، وهي التي تحقق الفاعلية لبرامج التنمية والتطوير.

وقد برزت حقيقة ضرورات التعاون بين الطرفين منذ بداية الحياة البرلمانية، ومن يُرد الاطلاع على مداولات البرلمان منذ البداية، فسيقف عند مفاجآت كانت تطرحها المعارضة آنذاك، ولم يكن لها نصيب من القبول، ليس فقط من قبل سلطة الحكومة، وإنما حتى المزاج الشعبي لم يكن متناغماً معها.

وأعتقد أن جهوداً كبيرة بذلتها المعارضة في ذلك الوقت لطرح بعض أفكارها السياسية العروبية، لم تكن من بينها أولويات هموم الشعب الكويتي، وإنما كانت لها أبعاد في السياسة الخارجية الكويتية التي التزمت الحياد في الخلافات العربية، وتطوعت لحل بعض الخلافات عبر سياسة الكويت في تحقيق التوافق العربي.

ماذا عن المستقبل؟

من الواضح أن السلطة الكويتية تأمل أن يُحسن شعب الكويت اختياره من المرشحين، الذين يضعون مصلحة الكويت فوق كل اعتبار، ويؤمنون بأن فاعلية البرلمان تحتاج إلى تفاهم بين السلطتين، وأن مساعي الفرض من طرف واحد لن تنال الإجماع الذي يؤدي إلى التنفيذ.

كما أن البرلمان السابق تجاوز في سلوكيات نوابه الحد المقبول في التعبير عن المواقف، وتبنى بعض النواب حالات فيها الكثير من الاستفزازية، أدت إلى فقدان الدعم الشعبي لمداولات البرلمان.

فالمعارضة في الكويت هي الدعوة إلى مساهمات تأتي من النواب لتعزيز التجربة وتفعيل آثارها، وأن التعاون بين المجلس والحكومة هو مفتاح الأبواب للتطوير والتجديد، ولم تكن للمعارضة وصراخها فاعلية التنفيذ، ومن هذه الحقيقة يظل الدستور وثيقة جامعة لتعاون الطرفين، ولن تتوافر أجواء التعاون لمساعٍ تفرض مواقف لا تهضمها السلطة التنفيذية.

وماذا لو أتت الانتخابات بعناصر شبيهة بمن سبق من أعضاء المعارضة؟

فالواضح أن عودة الأعضاء المعارضين السابقين لن تحقق أية فائدة لمسار التجربة، وقد تنتج عنها وقائع لا تفيد الكويت وقد تصيب مسار المستقبل.

لا بد أن نقف عند الجديد في هذه المرحلة، وهو العهد الذي قدمته القيادة لأبناء الكويت بعدم التصويت في انتخابات اللجان، والتزام الحياد في اختيار الرئاسة، والبعد عن المشاركة في اختيار رؤساء اللجان، فقد جاءت هذه الالتزامات من حرص القيادة على أن تكون الانتخابات وفق ما يريده الناخب ووفق حصيلة الانتخابات، بالتزام القيادة الحياد من دون النظر في سجل الفائزين.

وقد اختارت القيادة السياسية قبول حصيلة الانتخابات، مطمئنة إلى نضج الناخب وحسن اختياراته لمن يحترم الدستور، ويخضع لأحكام اللائحة الداخلية، ويراعي المصالح العليا للوطن، مع الأمل بأن تبرز التشكيلة النيابية في تبني ما يريده المواطن، ومع ذلك هناك نغمة ضيق تتخوّف من تكرار المواقف السابقة، وهذا التخوّف ليس محصوراً في القيادة، وإنما يتواجد لدى شرائح المجتمع، فليس هناك مزاج شعبي لعودة المسرحيات التي أهدرت وقتاً ثميناً بلا عائد، ومهما كانت التحذيرات يظل الخوف من عودة المعارضين، الذين ربما بنوا لهم قواعد تعيدهم إلى المجلس.

وأخطر ما يواجه الكويت أن تتصاعد المبررات التي قد تغري السلطة لتجميد العمل البرلماني لفترة يمكن خلالها تصفية الغيوم، التي تسيدت المناخ السياسي الكويتي، لأن قاعدة العمل السياسي الكويتي تصبح بلا غطاء إذا لم تكن هناك سلطة تشريعية توازي السلطة التنفيذية وتعمل كشريك في مسار الدولة.

فقد التصقت بالكويت الحالة البرلمانية، ولا مجال لنزعها من الحياة السياسية الكويتية، كما لا تقوم بدور الشريك الشرعي، الذي يتعاون مع السلطة لتنفيذ القرارات وصون مسارها، ومن دون هذا الغطاء الشعبي الشرعي تتعرى الكويت وتصبح قراراتها وهويتها عرضة للحفظ والجدل.

ولعل الاعتماد على وعي الجماهير وعمق جذور وطنيتهم وحرصهم على سلامة الوطن أفضل الاختيارات لإفشال العبثيات التي شهدنا فصلاً منها في البرلمان السابق.

وهناك رأي عام مع وسائل التعبير الحرة، لن تقبل بتدمير قواعد العمل البرلماني، التي تعتمد على ركيزتين، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وبينهما تزاوج في صياغة القرار المناسب، ومن هذا اليقين ستبقى الحياة البرلمانية بكل فعاليتها تحرك مسار الكويت السياسي والتشريعي، بعد أن تجاوزت الفترات العصيبة التي كانت فيها الكويت تتحول من آلية القرار الفردي إلى دور المشاركة الشعبية البرلمانية في القرار السيادي.

بهذه الروح ننتظر موعد الانتخابات القادمة، التي ستأتي مختلفة عما قبلها، مع صلابة تصد محاولات الخروج عن قواعد العمل التي حددها الدستور، ومهما كانت الأحوال، فإن الكويت قادرة على استيعاب ما يمكن تفسيره تطاولاً على مقام الدستور وتخريباً لضوابط العمل التي حددها.

في رثاء عبدالرحمن الغنيم

انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الأربعاء الماضي السيد عبدالرحمن الغنيم، بعد معاناة من المرض، وفي وفاته فقدت الكويت مواطناً نادراً في نزعته الإنسانية، متجاوزاً الاجتهادات في المواقف، متعالياً على الصغائر، باحثاً عما يجمع، مرتفعاً عما يسيء، ناقلاً جودة الأخلاق، مؤمناً برسالة الكويت وتضامن أبنائها، ومنطلقاً في التواصل الاجتماعي، مقتنعاً بأن الترابط الكويتي أمضى آليات القوة في صلابة الكويت.

عرفته منذ أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، كنا جيراناً في منطقة الراس، نذهب صباحاً لصيد الطيور، ونتواصل بعد إجازات الربيع.

لا ينسى أحد منا مساهمته في مؤتمر جدة، فقد مكنته قدرته التنظيمية ليشرف على ترتيبات المؤتمر، ولأنه أجاد، فقد نقل التاريخ اسمه في مداولات المصير لمؤتمر جدة، ترك سجلاً أخلاقياً عطراً يروي سيرته في العيش بالقيم العالية..

وكل من عليها فان.

* نقلا عن "القبس"

تاريخ الخبر: 2022-08-22 21:17:41
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 95%
الأهمية: 96%

آخر الأخبار حول العالم

جرسيف .. الاحتفاء بالذكرى ال68 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-17 00:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 58%

العيون.. تخليد الذكرى الـ 68 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-17 00:25:15
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية