من برنارد لويس إلى ألكسندر دوغين


لقد اعتدنا منذ زمن بعيد على تداخل الأفكار والنظريات الاستراتيجية والجيوبولتيكية والفلسفية في كل عمل توسعي يقوم به زعيم أو قائد أو رئيس عندما يريد أن يقدم على غزو عسكري خارج حدود الدولة. لأن الفكر يبرر العمل السياسي في كثير من الأوقات.

فيوم أريد لجورج دبليو بوش، أن يرد على زلزال 11 أيلول، بسياسة الحروب المتدحرجة، من كابول إلى بغداد، ولأسباب سياسية وأهداف مصالحية بحتة، بحث حينها عن الغطاء الفكري الفلسفي. فوقع الاختيار على برنارد لويس الذي يُعد آخر ممثل للاستشراق الكلاسيكي بعد مكسيم رودنسون وكلود كاهين ولويس غاردييه وسواهم. كيف لا وهو الذي دعا إلى اتخاذ سياسات صارمة إزاء الشرق الأوسط. على سبيل مثال مقولته الشهيرة "كن قاسياً أو اخرج" التي عرفت تحت اسم مبدأ لويس في "القسوة أو الخروج". وأوصى ذات يوم بأن يصار إلى استخدام علاج الصدمة القاتلة.

فكانت حربا أفغانستان والعراق تحت هذا الإطار وتحت إطار نهج المحافظين الجدد أو ما يعرف بالـ نيوكونز. الذي كان يقضي بتصدير الديمقراطية إلى حد قد يصل إلى فرضها بالقوة. من منطلق الرغبة بإعادة صنع العالم تحت مقولات كانت أشهرها حكاية "الفوضى المنظمة" التي ظل يؤكد عليها المحافظون.

من لويس إلى دوغين الرواية نفسها. دوغين الذي يصفه الغرب بأنه عقل ومنظر بوتين الذي يجمع بين عالمه الدوغي النظري وعالم بوتين الميداني، حمل بوتين راية ما يعرف بـ "روسيا الجديدة"، بوصفه الوصي على الإرث الهوياتي الروسي.

فاستخدم بوتين فلسفة دوغين القومية المتطرفة المعادية للغرب عبر ما يعرف "بالسياسة الرابعة" كدعامة في تشكيل سياساته الجيوبوليتيكية الخارجية التوسعية. لا سيما في ما يتعلق بأوكرانيا وقبلها القرم وسوريا وجورجيا.

وهنا لا بد من ذكر الاختلاف الجوهري بين الفكر النظري القومي الروسي الذي لطالما نظر فيه دوغين في موضوع الهوية الأوراسية الجديدة، حتى وإن تلاقت في موضوع تقديم نموذج أكثر عدالة من النموذج الليبرالي. وهو ما عبر عنه بوتين في خطابه الشهير عام ٢٠٠٧ في مؤتمر ميونخ حيث طالب بعالم أكثر عدالة ومساواة، من غير زيف ما يطلق عليه القطب الواحد المتشدق بالنظام العالمي. إلا أنه في هذا الخطاب نفسه أظهر الاختلاف الجوهري مع أفكار دوغين عندما تحدث عن أن سقوط الاتحاد السوفياتي كان غلطة. ليعيد كل شيء إلى النقطة الأولى: الفكر لتبرير الأحلام السلطوية.

وهذا يعيدنا إلى بوتين الذي عمل في ظل نظام بريجينيف واندروبوف وتشيرننكو ويلتسين، والذي تماهى مطولا مع الغرب لاستكمال قوته الاقتصادية المالية والعسكرية. كما استخدم الكثير من تعاليم لينين السلطوية والشعبوية.

لا يمكن لرجل يفهم لعبة السياسة والاستخبارات ويحمل الكثير من الحلم السوفياتي أن تسوقه أفكار نظرية فقط، وإنما تساق النظريات خدمة للمصالح والسياسات. إنها لعبة النظريات والتنظير التي تشكل مبررات فكرية وثقافية وحتى دينية للحرب ضد دولة أخرى. إضافة إلى الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية. وإن كانت تحمل كثيرا من الخوف المشروع في التجربة الروسية مع الغرب.

مبدأ ذهب البعض نحو استخدامه في البحث حتى عن أسباب توسع الناتو شرقا، بالرغم من إجماع معظمهم على أن العقلانية الغربية هي التي تحكم أفكار التوسع الحلف أطلسية، إلا أنهم ذهبوا نحو نبش أفكار كل من يورغن هابرماس المفكر الألماني وفرانسيس فوكومايا المفكر الأمريكي، كما والمفكران مايكل والزر الفيلسوف الأمريكي وبرنار هنري ليفي الفيلسوف الفرنسي، عبر نبش نظرية "الحرب العادلة" التي تؤمن أن هيمنة الحضارات الأخرى (الروسية الصينية الإسلامية) تشكل خطراً أكبر من الحرب مهما كانت مكلفة، كما والعودة إلى مبدأ الديمقراطية الليبرالية الاجتماعية وأنه لا بديل عن الغرب كحامل لمشعل القيم العالمية.

هي جدلية السلطة والثقافة، أو مأساة الحاكم والمثقف، منذ الإسكندر وأرسطو حتى اليوم، حين تكون السلطة محكومة بقيم الثقافة، يتفتح المفهومان ويعطيان حياة، أما حين تصير الثقافة مطية للسلطة، فالموت مصير كثيرين، أولهم المثقف أو... بنات أفكاره.

تاريخ الخبر: 2022-08-22 21:17:46
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 78%
الأهمية: 92%

آخر الأخبار حول العالم

العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين مدينتي أكادير والرباط

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 03:25:12
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية