ضعف الثقافة الزراعية يعيق نمو الدول الإفريقية | صحيفة الاقتصادية


استخرج تسيلهارا مونجا ثمرة بطاطا حلوة من باطن الأرض الجافة في حقله. قال: "لو هطل مزيد من المطر، لنمت هذه المحاصيل بشكل أفضل". بينما كانت آمال مونجا أقل بشأن محصول الذرة الذي من المقرر أن يتم حصاده في غضون أسابيع لكن بالكاد تظهر عليه علامات الحياة.
كحال جميع صغار المزارعين في إفريقيا يعتمد مونجا تقريبا على المطر بدلا من الاعتماد على الري في سقاية محاصيله. وهو يعيش مع عائلته الصغيرة التي تتكون من زوجته وطفلين في جنوب مدغشقر، وهي منطقة عانت جفافا شديدا على مدى ثلاثة أعوام. خلال هذه الأعوام كان كثيرون ممن حوله يتأرجحون على حافة المجاعة. وفي سبيل البقاء على قيد الحياة، كانت عائلته تتناول أوراق الصبار التي عادة ما تتغذى عليها الماشية.
أغلب المزارعين الأفارقة الذين يصل تعدادهم إلى عشرات الملايين الذين يعملون في مزارع صغيرة تصل مساحتها إلى هكتارين، يعيشون في ظروف أقل ضيقا من مونجا، رغم النقص الحاد في الغذاء في أجزاء أخرى من إفريقيا، بما في ذلك منطقة القرن الإفريقي ومنطقة الساحل.
لكن حتى المزارعون الذين ينتجون محاصيل جيدة يكافحون من أجل الارتقاء فوق مستوى الكفاف الأساسي. وغالبا ما يفتقرون إلى المعرفة بالبذور أو الأسمدة أو أساليب زيادة الإنتاجية. حتى في حال توافرت لديهم تلك المعرفة، عادة ما يكون الحافز للإنتاج الفائض غائبا. بينما لا يتمتع عديد منهم، مثل مونجا، بإمكانية الوصول المباشر إلى الأسواق الحضرية في بلدهم، فضلا عن الأسواق الخارجية عبر طرق معتمدة أو بأسعار واضحة.
وتجعل قطع الأراضي الصغيرة من غير الممكن اقتصاديا التزود بالآلات أو التفكير في تركيب أي شيء مكلف من حيث رأس المال، حتى في حال وجود الائتمان. وهذا يؤدي بجميع المزارعين تقريبا إلى الاعتماد على هطول الأمطار في قارة أصبحت أنماط هطول الأمطار فيها غير متوقعة، كما يقول المهندسون الزراعيون.
نتيجة لذلك، الإنتاجية عالقة في حال يرثى لها. فكل المحاصيل الزراعية من الأرز إلى الكسافا منخفضة عموما. ورغم حقيقة أن عدد المزارعين في إفريقيا أكبر منه في أي قارة أخرى، إلا أنها مستورد صاف للأغذية، حيث بلغ الإنفاق عليها نحو 43 مليار دولار عام 2019، وفق مؤسسة بروكينجز، ومن المرجح أن ترتفع هذه الفاتورة بسبب التضخم المتزايد في أسعار الغذاء.
لا يقتصر الأمر على كون المزارعين أنفسهم عالقين في فخ الكفاف، غير قادرين في الأغلب على تحمل تكاليف المدارس لأطفالهم أو توفير الرعاية الصحية لأسرهم أو شراء البضائع المصنعة، بل إن فقرهم يزيد صعوبة النمو بالنسبة لدولهم.
يقول اقتصاديون إن التطور السريع الذي شهدته دول آسيا مثل اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية والصين في حقبة الستينيات وما تلاها، وأخيرا في دول مثل فيتنام وبنجلادش، كان يعتمد على الإنتاجية الزراعية المحسنة بشكل شبه دائم.
وفقا لجو ستودويل، الذي يستعرض عناصر نجاح آسيا الاقتصادي في كتاب، كانت الفوائض الزراعية مفتاحا للتنمية، وهو ما يتحقق بسرعة أكبر عندما "تتحول الزراعة إلى بستنة واسعة النطاق تدعمها خدمات الإرشاد الزراعي". تعني "البستنة" هنا الاستغلال المكثف لقطع الأراضي الصغيرة التي تزرع فيها محاصيل مختلفة ويتم الحفاظ على جودة تربتها أو تحسينها.
ويستطيع المزارعون إنتاج فوائض يمكن استهلاكها في المدن وربما تصديرها إلى الخارج، ما يؤدي إلى توفير العملات الأجنبية. كذلك يستطيع المزارعون أن يضعوا مدخراتهم في البنوك المحلية التي يمكن أن تعيد تدويرها في شكل ائتمان تستفيد منه الصناعة المحلية. لكن إذا كانت هذه الدورة الحميدة هي الطريقة التي تجلب "المعجزات" الاقتصادية، فقد توقفت في معظم أنحاء إفريقيا.
يشير أكيهيكو تاناكا، رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، إلى أن الزراعة في اليابان تعتمد بالمثل على المزارعين الصغار. ويقول إن هذا هو سبب انخراط الوكالة اليابانية للتعاون الدولي في مشروع تعاون فني مع كينيا لمساعدتها على زيادة محاصيل المزارعين المنخرطين في "الزراعة من أجل البقاء". وبتشجيع من نتائج هذا التعاون، التي يقول تاناكا إنها ساعدت المزارعين، خاصة النساء، على رؤية مزارعهم باعتبارها عملا يكسبهم المال، تعمل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي الآن على توسيع هذا البرنامج ليشمل عديدا من الدول الأخرى.
مع ذلك، كافحت الحكومات الإفريقية من أجل صياغة سياسات زراعية متناسقة. ويعمل بعض الحكومات على الاستمرار في دعم السلع الغذائية بهدف إبقاء سكان المناطق الحضرية سعداء كونهم متقلبين أكثر من عملها على تحسين حياة المزارعين ذوي النفوذ السياسي الضئيل. فيما يتردد كثير من هذه الحكومات في الإنفاق على الخدمات الإضافية لتزويد المزارعين بالبذور والأسمدة، أو إنشاء الطرق في المناطق الريفية.
إلى جانب هذه التحديات طويلة الأمد، فإن مصدر القلق الحالي خاصة للدول التي تعتمد على واردات القمح هو الخروج من أزمة تضخم أسعار الغذاء التي أثارتها الحرب الروسية - الأوكرانية. فأسعار المواد الأساسية آخذة في الارتفاع بسرعة لتمتد من نيجيريا، حيث أضرب الخبازون في تموز (يوليو)، إلى كينيا التي تتركز أحاديث السوق فيها حول ارتفاع تكلفة المواد الغذائية.
أما في المناطق الأكثر تضررا ومنها منطقة القرن الإفريقي، حيث لا يملك سكانها البالغ عددهم 117 مليون شخص ما يكفي من الطعام وفقا للصليب الأحمر، فإن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة يكافح للمحافظة على حصص المؤونة الطارئة في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار ويتراجع اهتمام المانحين.
قال هيبوليت فوفاك، كبير الاقتصاديين في بنك التصدير والاستيراد الإفريقي، إن الأزمة الحالية يمكن أن تكون حافزا من أجل التصرف، مشيرا إلى أن الدول يجب أن تصبح أقل اعتمادا على واردات المحاصيل مثل القمح الذي لا يعد مهما إلا في مدن ودول معينة مثل مصر.
أضاف: "إذا ذهبت إلى نيجيريا، فستجد أن وجبة الإفطار هناك تعتمد على الكسافا والبقول، والمواد المنتجة محليا. وفي غرب إفريقيا لديهم الدخن والذرة الرفيعة والكسافا، وهي بدائل للقمح يمكننا زيادة إنتاجها بسرعة على المدى القصير".
وبحسب فوفاك، الشيء نفسه ينطبق على الأسمدة، مشيرا إلى بدء الإنتاج في مصنع جديد في وقت سابق من هذا العام في لاجوس، حيث سيتم فيه تحويل الغاز إلى نحو ثلاثة ملايين طن من اليوريا والأمونيا سنويا.
قال: "لدينا نحو عشرات المنتجين في القارة في دول مثل نيجيريا والمغرب ومصر وجنوب إفريقيا. قد تكون هذه هي فرصتنا لزيادة الإنتاج المحلي بشكل أكبر".

تاريخ الخبر: 2022-09-01 03:23:03
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 40%
الأهمية: 38%

آخر الأخبار حول العالم

بوريطة يستقبل وفدا بيروفيا من حكومة بيورا الجهوية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-10 21:25:00
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية