واصلت أسعار النفط الخام تراجعها، رغم بيانات تشير إلى عجز في المعروض النفطي في السوق العام المقبل، وأن مخزونات النفط التجارية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستظل أقل من متوسط خمسة أعوام للفترة المتبقية من 2022 وخلال 2023.
وانخفضت أسعار الخام للشهر الثالث على التوالي، وسط مخاوف من ضعف النمو الاقتصادي وهو أطول معدل خسارة له منذ أكثر من عامين، وسط قلق واسع من أن السياسة النقدية الأكثر تشددا والتباطؤ الاقتصادي الصيني سيؤثران في الطلب على النفط الخام.
وتتطلع السوق إلى الاجتماع الوزاري الشهري لتحالف "أوبك +" الإثنين المقبل، الذي من المتوقع أن يبلور قرارات ومواقف جديدة بشأن وضع الإمدادات النفطية في ضوء مخاوف الانقطاعات في بعض الدول المنتجة أو عودة بعض الإنتاج المتوقف، إضافة إلى توقعات حدوث الركود والتباطؤ الاقتصادي.
وتراقب السوق نتائج اجتماع وزراء مالية مجموعة السبع لمناقشة فكرة فرض حد أقصى لسعر النفط الروسي المبيع في الأسواق الدولية، حيث إن الفكرة التي تتم مناقشتها هي رفض التأمين على شحنات النفط الروسية ما لم يتم بيع النفط بأقل من حد سعر معين، حيث تهيمن مجموعة السبع على سوق التأمين بحصة 90 في المائة، بينما أشارت روسيا إلى أنها لن تقبل تحديد سقف للسعر. ويقول لـ"الاقتصادية" محللون نفطيون، إن الخام الأمريكي خسر أكثر من 9 في المائة في آب (أغسطس) الماضي وهو أكبر انخفاض شهري منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، ما يعكس تصاعد المشاعر الهبوطية وسط تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين وهي أكبر مستهلك رئيس للنفط.
وأضافوا أن الضغوط الهبوطية على أسعار النفط اتسعت، بعد أن أعاد مسؤولو البنك المركزي التأكيد على التزامهم برفع أسعار الفائدة لتهدئة التضخم السريع، حيث استقر سعر النفط الخام الأمريكي دون مستوى 90 دولارا للبرميل للمرة الأولى في أسبوعين.
وفى هذا الإطار، قال فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة، إن تحولات جذرية تحدث في أسواق الطاقة وتقود إلى تقلبات بوتيرة متسارعة، حيث رصدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ووكالة الطاقة الدولية زيادة الاقتصادات الكبرى بشكل حاد من دعمها لإنتاج واستهلاك النفط والغاز الطبيعي.
ونوه إلى أن الحرب في أوكرانيا تسببت في زيادات حادة في أسعار الغاز والنفط وقوضت أمن الطاقة، مشيرا إلى أن عودة شبح الإغلاق في الصين ينال من الطلب العالمي ومن توقعات تعافي الاقتصاد الصيني الضخم، خاصة أن الإغلاق طال مدينة تشنجدو ثاني أكبر المدن الاقتصادية بعد شنغهاي وأدى بالفعل إلى انخفاض أسعار النفط في التجارة الآسيوية.
من ناحيته، ذكر مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، أن ضعف الأسعار يعود إلى المعنويات السلبية التي سيطرت على تعاملات السوق في أغسطس الماضي، حيث يعد المراقبون في السوق أن ارتفاع أسعار الفائدة لدى البنوك المركزية هو بمنزلة عامل رئيس في كبح نمو الطلب على النفط.
ولفت إلى أن انخفاض السيولة أسهم بالفعل في تفاقم التقلبات الحادة في أسعار النفط الخام، ما أحبط المضاربين على ارتفاع أسعار النفط وذلك رغم انخفاض مخزونات النفط الخام الأمريكية للأسبوع الثالث، وذلك وفق أحدث تقرير لإدارة معلومات الطاقة، معتبرا أن الاضطرابات الأخيرة في كل من ليبيا والعراق في الأيام الأخيرة لم تؤثر في إنتاج النفط في البلدين.
من جانبه، يرى أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، أن السوق النفطية ما زالت في حالة ترقب في وقت حافظ الإنتاج النفطي الروسي على مستويات أعلى من التوقعات السابقة، معتبرا أن انخفاض الأسعار الشهر الماضي يعكس حالة التوترات والاضطرابات المتواصلة في سوق النفط الخام، حيث ارتفعت الأسعار في النصف الأول بسبب الحرب الروسية، ثم تراجعت مع تحول البنوك المركزية إلى مسار التشديد النقدي.
بدورها، أوضحت ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان انجنيرينج" الدولية، أن أسعار النفط الخام مالت إلى التراجع بتأثير من بيانات وتوقعات تشير إلى أن الإمدادات في ارتفاع مع توقع أن تكون "أوبك" قد ضخت ما متوسطه 29.6 مليون برميل يوميا في أغسطس وهو أعلى مستوى منذ أبريل 2020.
ولفتت إلى أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام في ارتفاع أيضا ومن المرجح أن يصل إلى 11.82 مليون برميل يوميا وهو أعلى مستوى منذ أبريل 2020، مشيرا إلى أن خسائر النفط مدفوعة بالأساس من تأثير مخاوف النمو الاقتصادي التي تسيطر على سوق النفط في الأيام الأخيرة، كما ظهرت البنوك المركزية بصورة عازمة على الاستمرار في التشديد النقدي وهو ما جعل هذه المخاوف أكثر من مبررة.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، تراجعت العقود الآجلة للنفط أمس، حيث سجل خام برنت انخفاضا 2.28 في المائة، إلى 93.55 دولار للبرميل بحلول الساعة 9:56 بتوقيت جرينتش، كما تراجع الخام الأمريكي 2.16 في المائة، إلى 87.57 دولار للبرميل. من جانب آخر، تراجعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 101.04 دولار للبرميل الأربعاء مقابل 106.41 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" الخميس إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول انخفاض عقب ارتفاعات سابقة وأن السلة خسرت نحو ثلاثة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 104.05 دولار للبرميل.