الدخول المدرسي.. مساءلة لنهج مقاربة وضع التعليم بالمغرب


هل عاد يجدي نفعا أن نستمر في مقاربة وضعية التعليم بالمغرب على النحو الذي نقوم به؟ أوَليس نُسهم في التهليل لمنجزات الدولة من حيث أردنا نقدها ونقضها؟ أوَلا نعمد إلى تضليل الوعي الجمعي من حيث أردنا التوعية لما نعيد تكرارا مواطن الفشل التي لا تكاد تعد ولا تحصى؟

ترى هل عاد يجدي نفعا أن نتناول كوارث التربية والتعليم التي ذاعت بذكر بَوارها التقارير لنوهم بأننا بصدد نقاش مجتمعي حقيقي على غرار ما هو معتاد عند الأمم العاقلة؟ أم أننا إنما نقوم من حيث ندري أو لا ندري بعملية تنفيس نخفي بها سنوات طوال من التدبير الجائر السيء لدولة لم يكن همها من التعليم سوى إنتاج المواطن “الصالح لها”؟

الدخول المدرسي عندنا محطة للبلاغة والكلام، وتصدر مشاهد التلفاز، ولوك لغة خطاب خشبي ميت عن الاستعدادات التي هيأتها الدولة لضمان حشر المتعلمين في ظروف تغيب عنها شروط الجودة المرفوعة.

التقويم التشخيصي عندنا روتين سنوي لتمارين لاستجلاء تعثرات التلاميذ، تتلوها تمارين أخرى تزعم سد خصاص التعلمات لتكون مجرد محطة تنتهي بالإنجاز والتصحيح من دون جدوى في تغييب تام لأبعاد وسيرورة التقييم والدعم والمعاجلة.

الدعم التربوي حشد لأسماء المتعثرين، ولمواضيع التعثرات، وتجميع لأصناف الاختلالات من دون خطة واعية بمعنى الدعم وبغاياته وطرائق بنائه، ومن دون بنية تحتية تمكن من إنجاز الدعم وفق قواعده العلمية.

المشروع المندمج للمؤسسة مداد أسود في أوراق بيضاء تخطه يمين الإدارة ليبقى جاف الحبر في ظل غياب التنزيل العلمي والعملي لمعنى المشروع، ونتيجة شح الإمكانات المادية والموارد المالية اللازمة لإنجاح أي مشروع في مؤسسة ترفع شعار الاستقلالية بينما هي مكبلة بقيود البيروقراطية العتيدة.

التقويم التربوي موسم سنوي طويل عريض لتقويم تعلمات ضعيفة، ومهارات مفتقدة، وقيم مهدورة، وتضييع الجهد والوقت والمال في البحث عن نسب مشرفة تحفظ ماء شهادات لا تعلم العيش في حياة صعبة، ولا تدمج في سوق شغل غير قادر على استيعاب ما ترمي به المدرسة من خيرة شباب البلاد.

الرؤية الاستراتيجية أزمنة ضائعة مما ادُّعي أنه مشاورات وحوارات ومنتديات، ووثائق مكدسة من المراسيم والقرارات والمذكرات والتدابير والدلائل المرجعية النازلة تترى تسابق الزمن لتجد لها موطئ قدم في دنيا الإنصاف والجودة والارتقاء المتسربة الهاربة علها تنال رضى الأسياد المسيطرين هنا وهناك، لما “تعيد تربية” الرعاع من المواطنين المنفلتين.

السياسة اللغوية فرنسة تقتدي بنحلة الغالب المستعمر، و”فرنكة” اتباع لهوى النخبة المقتفية أثر ماما “فرنسا”، ونهج غير وطني لإعادة توطين النخب المغربة وإقصاء الوطن وإنتاج الطبقة نفسها التي هي سبب البلاء والوباء.

الجامعات حيطان لحشر الآلاف في بنيات ضعيفة الاحتضان والتأطير، وبنايات لقذف الآلاف إلى عالم المجهول، والبحث العلمي نغمة رديئة متمنية، وأدمغة مُهجَّرة، وطاقات مقصية، وتمويل هزيل، وإنتاج ضعيف لا وقع له في مواطن النشر المحكم، ولا حس له في مختبرات الإبداع والابتكار.

وإذن، أي مجال هذا من مجالات التربية والتعليم عندنا، بل أي مستوى من مستويات التدبير والتسيير يمكن أن ترى فيه -وإن من باب التجوز- بصيص شعاع أمل يجعلك تطمئن، وتمني نفسك بإمكانية “إصلاح” ينسي جرائر “ميثاق”، ويمحو خطايا “استعجال”، ويجعلك تثق في سداد “رؤية” ونجاعة “قانون” وعبقرية “نموذج”؟

إنه ما عاد يجدي نفعا أن نتربص بأعراض المرض في التعليم لنستقصيها واحدة واحدة، ونؤلف في ذمها خطب الفشل. وما عاد يجدي نفعا أن نصمت عن جوهر الداء وأس البلاء والذي هو تحكم الاستبداد في رقبة التعليم كما في رقبة المجتمع كلية.

إنه ما عاد يجدي نفعا أن يتركز النقاش الآن في مقاربة قضايا التربية والتعليم على ما هو رائج مما أثبتت الأيام أنه لا طائل تحته إلا من باب التذكير، إنما المجدي أن نلقي الضوء على عمليات المكر التي اشتغلت على إقفال وتسييج المنظومة التربوية بفرض القانون الإطار، وتشتغل مسارعة الزمن لإقفال المجتمع وتسييجه بمزاعم “ميثاق وطني للتنمية”، ليبقى الرائج في ساحات النقاش مجرد هامش على هامش الهوامش.

إن الاستبداد علة العلل أو هو العلة الأولى التي عنها فاضت كافة العلل بعد ذلك؛ والتي من أجل تمظهراتها غياب الحرية بترسيخ القهر والجبر والتحكم، وغياب الاستقلالية بالارتهان لشروط المانحين الدوليين، وغياب القيم بالافتقاد لمشروع مجتمعي وطني، وغياب الإرادة بقتل النموذج الماثل والقدوة الحية. ولعل توجه العقلاء والفضلاء لنقض أسس هذا الاستبداد وفضح حربائيته وتمسحه بالقانون والدستور لكفيل بتوحيد الجهود إلى جوهر الداء عوض هدر الوقت في أعراض كالسرطان لا تكاد تنتهي. وذلك في أفق جبهة وطنية لإنقاذ المدرسة المغربية من أيدي العبثة المرتجلة.

تاريخ الخبر: 2022-09-07 12:20:20
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

هل يمتلك الكابرانات شجاعة مقاطعة كأس إفريقيا 2025؟

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 00:25:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية