بينما يستعد للقاء طال انتظاره، يعد العدة لاحتضان ابنه الأصغر الذي اشتاق صدره لضمه، ويوشك أن يعطي للغربة التي مررت حياته ضربة قاسمة، إذا بضربة أشد قسوة تفاجئه عبر أصوات الانفجارات التي هدمت أحلامه قبل أن تهدم مبنى كان قابعا به لأداء عمله، وما هي إلا لحظات قليلة حتى صار اسم اليمني عبدالسلام الملاحي، ضمن ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي حُفرت على جبين التاريخ بحروف من دمار، إلا أن ذلك الاسم بات مميزا لكونه المسلم الوحيد الذي راح ضحية الحادث.

رواية في العائلة تتناقلها الأسرة عبر أجيالها

«فارس» نجل عبدالسلام ملاحي، ذلك الشاب اليمني والمسلم الوحيد الذي توفي في أحداث 11 سبتمبر، يروي لـ«الوطن»، تفاصيل تنشر لأول مرة عن كواليس حياة والده، وقت الحادث كان الابن في الخامسة من عمره، لكن رغم سنه ظل يسمع ما حدث لوالده في ذكراه كل عام في هذا التاريخ من والدته وشقيقه الأكبر: «حكاية نرويها في ذكراه، انتقلت من الأم للابن، ومن الابن للحفيد، فما حدث لا يغفر ولا يتم نسيانه».

كان لديه زوجة وطلفين يعيشون في اليمن

توفي عبدالسلام الملاحي، أو كما كانت تطلق عليه أسرته «عبده»، في سن الـ37 من عمره، وهو بعدما ترك أسرته المكونة من والديه وزوجته وطفليه «فارس ومالك»، بحثا عن الفرصة المعيشية الأفضل، فكان يعمل مهندسا للصوت والصورة: «والدي كان يخطط لأن يصطحب أسرته إلى أمريكا، بعد حصوله على فرصة عمل بأحد الفنادق الشهيرة في أمريكا، لكنه توفي قبل ذلك الحادث، فكنا في اليمن نستعد للسفر إليه».

قبل الحادث بساعات، هاتف «عبدالسلام»، أسرته، في مكالمة معتادة يطمئن فيها عليهم، وإخبارهم أنه سوف يرسل لهم للسفر إليه في أمريكا، وتوجه إلى مكان عمله في البرج الشمالي من مبني التجارة العالمي، والذي قتل فيه 2752 شخصا: «كان في مهمة عمل لتجهيز قاعة تابعة للفندق مخصصة للاجتماعات والمؤتمرات»، وخلال تواجده حدثت الهجمات الإرهابية واصطدام الطائرات بالمباني.

أسرته في اليمن شاهدت ما حدث له في التلفاز

في الساعة الواحدة صباحا بعد منتصف الليل، استيقظت أسرة «عبدالسلام» من نومها على نبأ مفزع، وهو حدوث عملية إرهابية كبيرة في العاصمة الأمريكية نيويورك، لتصدم الأسرة من هول المشهد الذي يعرض والطائرات تخترق المباني: «أول شيء فكرت فيه الأسرة هو بابا، اللي قال لنا أكثر من مرة أنه يقوم بتنفيذ بعض الأعمال هناك»، لتصاب الأسرة بحالة من القلق والتوتر، خوفا على الأب والابن الذي ترك وطنه من أجل العمل.

اتصالات عديدة ومحاولات الاطمئنان على «عبدالسلام»، من خلال المعارف قامت بها أسرته، لكن من دون نتيجة، حتى جاء بيان السفارة اليمنية في أمريكا إلى الأسرة، لتخبرهم أنه ضمن الضحايا الذين رحلوا، بسبب هجمات 11 سبتمبر، بعد الاستيلاء على 4 طائرات كانت تحلق فوق شرق الولايات المتحدة في وقت واحد، من قبل مجموعات صغيرة من الخاطفين، وضربت الطائرات البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي في نيويورك، والثالثة الواجهة الغربية لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية، والرابعة تحطمت في أحد حقول بنسلفانيا، بعد أن كان من المقرر أن تهاجم مقر مجلس النواب والشيوخ «الكابيتول».

الأسرة تنتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية

عقب الحادث بسنوات قليلة، انتقلت الأسرة المكونة من الزوجة والطفلين للإقامة في الويات المتحدة، وخلال السنوات الأولى للحادث، حرصت الحكومة الأمريكية على دعم أسرة «عبدالسلام»، معنويا وماديا في ذكرى الحادث كل عام: «لكن بعد سنوات توقف الدعم والاهتمام المعنوي، كأن شيء لم يحدث، لكن لا نهتم لهذا كثيرا»، وفقا لحديثه.

ورغم مرور 21 عاما على الحادث، لم تنس الأسرة ما حدث لـ«عبدالسلام»، فيحرص الابن لأصغر «فارس»، على زيارة قبر والده كل عام لقراءة الفاتحة له: «ما حدث لوالدي ولجميع من توفوا بكافة جنسياتهم، هو ظلم وحادث بشع أليم، ومع كل خبر بالقبض على أحد المسؤولين عن الحادث سواء بن لادن أو الظواهري، أكون في منتهى السعادة والفرحة، لأن حقه يعود ممن خططوا لاغتياله ظلما»، وفقا لحديثه.

الآن يعمل الابن «فارس» في المهنة التي أحبها منذ صغره، وهي التصوير، وبعد تدرجه في العمل فيها وتحقيقه نجاحات بمهنته تمكن من إنشاء شركة للتصوير والتسويق.