من كينيا الى نيجيريا وصولاً الى جنوب افريقيا واوغندا، توالت التعازي وفعاليات الحداد الى جانب ذكريات زياراتها الى افريقيا خلال العقود السبعة التي أمضتها على العرش، لكن وفاة الملكة اليزابيث الثانية أعادت أيضا إحياء الجدل الحساس حول الماضي الاستعماري في افريقيا.

وجاءت وفاتها في وقت تتعرض فيه الدول الأوروبية لضغوط لتقويم تاريخها الاستعماري والتكفير عن جرائم الماضي وإعادة القطع الأثرية الأفريقية المسروقة التي تحتفظ بها منذ سنوات في متاحف من لندن إلى باريس.

وكان الرئيس النيجيري محمد بخاري والرئيس الكيني أوهورو كينياتا من بين الذين قدموا تعازيهم بخسارة "أيقونة".

لكن عديداً من الأفارقة توقفوا أكثر عند مآسي الحقبة الاستعمارية بما يشمل أحداث وقعت في العقد الأول من حكمها.

ونالت كينيا استقلالها عن بريطانيا في 1963 بعد تمرد استمر ثماني سنوات خلّف عشرة آلاف قتيل على الأقل.

ووافقت بريطانيا عام 2013 على التعويض على خمسة آلاف كيني عانوا من تجاوزات خلال انتفاضة ماو ماو، في صفقة قيمتها نحو 20 مليون جنيه استرليني (23 مليون دولار).

وكتبت "ذي ديلي نايشن"، أكبر صحيفة في كينيا، في افتتاحية في نهاية الأسبوع أن "الملكة تترك إرثاً متفاوتاً من قمع وحشي لكينيين في بلادهم وعلاقات مفيدة للطرفين".

وكانت إليزابيث الثانية تزور كينيا في 1952 حين توفي والدها وأصبحت ملكة.

وأضافت الصحيفة: "ما تبع ذلك كان فصلاً دموياً في تاريخ كينيا مع فظاعات ارتُكبت ضد شعب كانت خطيئته الوحيدة المطالبة بالاستقلال".

وقالت: "في حين أن العلاقات مع بريطانيا كانت مفيدة، من الصعب نسيان هذه الفظاعات".

كنوز حرب بيافرا

كجزء من أعمال التحسين الأخيرة لعلاقات الماضي، شهدت نيجيريا وبنين المجاورة، إعادة فرنسا وبريطانيا أول دفعة من آلاف القطع الأثرية التي نُهبت خلال الحقبة الاستعمارية.

وجرى نهب ما تسميه نيجيريا "برونزيات بنين"، وهي لوحات معدنية ومنحوتات تعود الى القرنين السادس عشر والثامن عشر، من قصر مملكة بنين القديمة وانتهت في متاحف في مختلف أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا.

وقال بخاري إن تاريخ البلاد: "لن يكتمل بدون فصل عن الملكة إليزابيث الثانية".

وفيما أشاد البعض بدورها الذي أدى إلى استقلال نيجيريا، أشار آخرون إلى أنها كانت رئيسة الدولة عندما دعمت بريطانيا الجيش النيجيري خلال الحرب الأهلية في البلاد.

وتوفي أكثر من مليون شخص بين عامي 1967 و 1970 معظمهم من المجاعة والمرض خلال الحرب بعدما أعلن ضباط من إثنية الإيبو الاستقلال في جنوب شرق البلاد.

وقال أوجو آنيا الاستاذ النيجيري الأصل المقيم في الولايات المتحدة، في إشارة على تويتر إلى حرب بيافرا إنه "اذا كان أي شخص يتوقع مني التعبير عن أي شيء غير الازدراء للعاهل الذي أشرف على إبادة جماعية برعاية حكومة (...) فهو يحلم"، ما أثار جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي.

وجرى التعبير عن ردود فعل متفاوتة مماثلة في جنوب افريقيا حيث وصف الرئيس سيريل رامابوزا الملكة بانها شخصية "استثنائية".

لكن حركة مقاتلي الحرية الاقتصادية المعارضة كانت أكثر رفضاً وتذكرت عقوداً من التمييز العنصري الذي كانت فيه بريطانيا، المستعمرة سابقاً، في معظم الأحيان سلبية.

وقالت الحركة في بيان "نحن لا نحزن على وفاة اليزابيث لأنه بالنسبة إلينا وفاتها تذكر بفترة مأساوية جداً في هذا البلد وتاريخ إفريقيا".

إرث اوغندا

في أوغندا، ذهب البعض إلى أبعد من ذلك مستذكرين حاكم مملكة بونيورو أوموكاما كاباليغا الذي قاوم الحكم البريطاني في أواخر سنوات 1890.

وجرى خلعه ونفيه إلى جزر سيشل ثم جرى إدماج المملكة في الإمبراطورية البريطانية.

وقال تشارلز روموشانا مدير الاستخبارات السابق وهو الآن محلل سياسي: "بقدر ما كانت الملكة قادرة على الحفاظ على تماسك المستعمرات البريطانية السابقة، إلا أنها لم تعالج بشكل كافٍ مواطن الظلم في بعض الدول مثل أوغندا".

والشهر الماضي، دعت جمعية السياحة الأوغندية إلى تشكيل لجنة لقيادة إعادة القطع الأثرية الأوغندية من متاحف بريطانية وأجنبية أخرى، بما يشمل 300 قطعة من بونيورو حسب البرلمان.

وقال تشارلز أونيانغو-أوبو الكاتب ومنتقد الحكومة الأوغندية على تويتر إن عديداً من القادة الأفارقة الذين حكموا لفترة طويلة استغلوا فترة حكم الملكة إليزابيث التي استمرت 70 عاماً لتبرير بقائهم في السلطة لعقود.

وأضاف: "الآن بعد أن توفيت، هم يسعون جاهدين لتعلم كيفية جعل قضيتهم مقنعة في صيغة الماضي".

وطرح موكوما وا نغوغي نجل الكاتب الكيني الشهير نغوغي وا ثيونغ او وهو كاتب روائي أيضا واستاذ محاضر باللغة الإنجليزية في جامعة كورنيل، تساؤلات أيضاً حول إرث الملكة في افريقيا.

وكتب على تويتر: "لو كانت الملكة اعتذرت عن العبودية والاستعمار والاستعمار الجديد وحضت العرش على تقديم تعويضات عن ملايين الأرواح التي سقطت باسمهم، فربما كنت سأفعل الشيء الإنساني وأشعر بالحزن".

وأضاف "بصفتي كينياً، لا أشعر بأي شيء، هذه المسرحية سخيفة".

TRT عربي - وكالات