بعد الانتصارات التي قالت إن قواتها حققتها على جبهة خاركيف شمال شرقي البلاد، وإعلانها استرداد 6 آلاف كيلومتر من أراضيها التي كانت واقعة تحت السيطرة الروسية، تزيد المخاوف في كييف من هجوم روسي على تلك الأراضي، مع تكثيف قوات موسكو ضرباتها لمواقع الجيش الأوكراني هناك.

دفع الأمر السلطات الأوكرانية إلى الإلحاح على مطالبها بدعمها بمساعدات عسكرية إضافية، على رأسها أنظمة دفاع جوي ودبابات ومدرعات، من أجل "الضغط أكثر على الروس وإنقاذ الشعب من المذابح" على حد تعبير وزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا، في تصريحات له يوم الثلاثاء.

وكانت آمال الأوكرانيين معقودة على خطاب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أمام البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء، في أن تحمل أخباراً سارة عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة. فيما لم يأت أي من ذلك خلال خطاب فون دير لاين، والذي ركز أكثر على أزمة الطاقة التي تعرفها دول الاتحاد الأوروبي.

انتظارات وتطلعات

وحتى قبل إجراء فون دير لاين خطابها المنتظر، كتبت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، أنه "إذا كان الأوكرانيون يأملون بأن خطاب الأربعاء سيحمل بشرى بالمزيد من المساعدة العسكرية الملموسة لجهودهم الحربية، فعليهم التفكير في ذلك مرة أخرى". مرجحين أن حديث رئيسة المفوضية سيقتصر في جزء منه على آلية تسريع إدخال أوكرانيا إلى السوق الأوروبية الحرة، وفي أغلبه على أزمة الطاقة التي تؤرق حكومات الاتحاد.

وذلك ما حصل، أي أن فون دير لاين وعدت باستمرار العقوبات على روسيا، مجددة دعمها لأوكرانيا وحقها في الدفاع عن أراضيها. كما قالت إنها ستتوجه بعد الخطاب إلى كييف، حيث ستتباحث مع المسؤولين الأوكرانيين آلية تسريع إدماج البلاد في السوق الأوروبية الحرة. بالمقابل، ركزت في باقي حديثها على أزمة الطاقة، وعن سبل جديدة للخروج من المأزق الذي وضعت فيه روسيا دول الاتحاد الأوروبي.

واقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية، خطة تضمنت إصلاح سوق الطاقة في دول الاتحاد، وتوفر حزمة مالية من أجل دعم الأوروبيين في مواجهة الأزمة. وتشمل هذه الخطة تسقيف أسعار الطاقة، حيث "ستوفر 140 مليار يورو لمساعدة المتضررين في دول الاتحاد من هذه الأزمة ومواجهة ارتفاع الأسعار"، على حد قول فون دير لاين.

وشددت على ضرورة إصلاح سوق الطاقة في الاتحاد "بشكل عميق وشامل للتعامل بشكل صحيح مع أزمة ارتفاع أسعار الطاقة التي تضر الشركات والأسر الأوروبية"، والذي تحقق فيه شركات الكهرباء أرباحاً "قياسية" بسبب الحرب في أوكرانيا ومشكلات تغير المناخ.

هل توقف أوروبا دعمها العسكري لكييف؟

ما زال ملف تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا يشهد تأرجحاً داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تستمر بعض الدول في إبداء تحفظاتها بخصوص الأمر. على رأس هذه الدول ألمانيا، التي رفضت مؤخراً منح كييف دبابات "ليوبارد 2" ألمانية الصنع، متحججة على لسان وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك: بأن بلادها "منحت ما يكفي من الأسلحة الثقيلة لأوكرانيا".

وبعد الانتصارات الأخيرة التي حققتها القوات الأوكرانية على شبهة الشمال الشرقي، باستردادها ثلاث بلدات استراتيجية في منطقة خاركيف، وطرد الروس من مساحة قدرت بـ6 آلاف كيلومتر مربع، اعتبر مسؤولون في البنتاغون بأن الأوكرانيين بهذا الهجوم المضاد "أثبتوا أنهم فعالون للغاية في استخدام المركبات المدرعة".

فيما يربط محللون بين القرار الألماني وعدم إعلان بروكسيل عن مساعدات عسكرية جديدة لكييف، بأزمة الطاقة التي يشهدها الاتحاد نتيجة الحرب الدائرة شرقه. ويعزز ذلك ما عرفه عدد من الدول الأوروبية مؤخراً من مظاهرات منددة بارتفاع أسعار الطاقة، حيث طالب المحتجون حكومتهم بالاهتمام بهم أولاً قبل الاهتمام بأوكرانيا.

وشهدت العاصمة التشيكية براغ، في 3 سبتمبر/أيلول الجاري، مظاهرات حاشدة هتف خلالها المحتجون بشعارات مناهضة للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، كما رفعوا شعار "تشيك أولاً". فيما تكشف استطلاعات رأي حديثة بأن أغلبية التشيكيين يفضلون خيار الجلوس إلى طاولة التفاوض مع روسيا، وبحث مخرج لأزمة الطاقة الجارية.

وفي إيطاليا، المقبلة في غضون عشرة أيام على انتخابات برلمانية، من المرجح أن يتصدرها تحالف اليمين المتطرف. قال زعيم حزب "لا ليغا" ماتيو سالفيني، في أحد تجمعات حملته الانتخابية، الأربعاء، بأن أوروبا "أخطأت حساباتها حين فرضت عقوبات على روسيا"، وأن على الحكومة المقبلة أن تجد حلاً لمأزق الطاقة "كي لا يقضي ملايين الإيطاليين شتاءهم في البرد والظلام".

وحسب استطلاع آخر لمؤسسة "YouGov"، فإن نسب الامتعاض الشعبي من الأوضاع الاقتصادية ترتفع بشكل متسارع في عدد من الدول الأوروبية. وفقاً له حلت بولندا في رأس التصنيف كأكثر البلاد تهديداً باندلاع اضطرابات اجتماعية، حيث 75% من مواطنيها مستعدون للاحتجاج ضد الأوضاع المعيشية، و63% مستعدون لخوض إضرابات. وحلت فرنسا في المرتبة الثانية بين دول الاتحاد، حيث يبدي 69% استعدادهم للتظاهر و65% للإضراب، ثم ألمانيا ثالثاً بـ64% للتظاهر و44% للإضراب.

هذا وتخشى الحكومة الألمانية من أن يوحد الامتعاض من أزمة الطاقة بين قوى اليمين واليسار المتطرفين، غير الراضين عن السياسة الطاقية للحكومة والذين يتهمونها بـ"تفضيل الترويج لمصالح كييف على حساب المواطنين الألمان"، وفق ما كتبت صحيفة "دي فيلت" الألمانية.

ووفقاً لهذه المعطيات، يرى مراقبون بأن أية حزمة مساعدات عسكرية أوروبية جديدة لأوكرانيا، ستكون ذات تكلفة سياسية كبيرة لحكومات الاتحاد وللمفوضية أمام البرلمان الأوروبي.

TRT عربي