خصخصة التعليم.. الجزء الظاهر من جبل الجليد «4»
أثر عودة تجربة المدارس النموذجية
* محمد إبراهيم علي
– استكمالاً لما بدأناه من حديث عن خصخصة التعليم أتوقف في هذا المقال عند الأثر الكارثي لتسليع التعليم على المجتمع وعلى وجه التحديد سوف نتناول ما يترتب على عودة المدارس النموذجية.
– بعودة المدارس النموذجية حدثت مشاكل وتعقيدات يمكن إجمالها في الآتي:-
* أولاً
عاد التمييز السالب الذي يلقي بظلال قاتمة على الطلاب والطالبات إذ أصبح ترتيب المدارس كالاتي:-
1- المدارس النموذجية (أ)
2- الفصول الخاصة بالمدارس النموذجية (أ)
3- المدارس النموذجية (ب)
4- الفصول الخاصة بالمدارس النموذجية (ب)
5- المدارس الجغرافية
– هذا التصنيف بلا شك سوف يؤثر بصورة قوية على المدارس الجغرافية والاستقرار الدراسي فيها.
– كما نلاحظ أن هذه التجربة فيها تناقض غريب فكيف يختلف مجموع القبول النموذجي من محلية لأخرى، فعلى سبيل المثال القبول النموذجي في أمبدة بالنسبة للبنين (251) درجة ونفس هذه الدرجة في محلية أخرى قبول جغرافي فهذا الوضع يؤخذ عليه الآتي:-
⏪ انعدام العدالة
⏪ هجرة الطلاب ذوو الدرجات الكبيرة من المحليات ذات القبول المتدني لذات القبول الأعلى ظناً من أولياء الأمور أن الأوضاع هناك أفضل فمثلاً يتحول طلاب أمبدة لأم درمان وطلاب شرق النيل لبحري مما يجعل هذه المحليات بصورة مستمرة في ذيل القائمة في تصنيف المحليات في الشهادة الثانوية.
ونلاحظ من خلال الوضع على الأرض أن هناك طالباً يتم قبوله بمدرسة نموذجية ولا يستطيع الوصول إليها إلّا بصعوبة لأن مواقع هذه المدارس غير مثالية للجميع، ونفس هذا طالب كان يمكن توزيعه لمدرسة يصلها سيراً على الأقدام. بينما طالب آخر يسكن جوار مدرسة نموذجية تم توزيعه في مدرسة جغرافية يصلها بثلاثة مواصلات فإذا كان فقيراً ربما أدى ذلك لتركه الدراسة وإذا كان غنياً تحول للفصل الخاص في المدرسة النموذجية أو مدرسة خاصة.
* ثانياً
– تعيش الولايات كافة نقصاً حاداً في عدد المعلمين وفي كافة التخصصات، والتجارب السابقة أوضحت أن الإدارات تحرص على إكمال النقص في المدارس النموذجية وإهمال المدارس الجغرافية، وهذا ينافي أسس العدالة ويرسخ الطبقية والغبن الإجتماعي فكيف يكون بمدرسة جغرافية بها حوالي 600 طالب معلم واحد للفيزياء وفي مدرسة نموذجية بها 300 طالب معلمين أو ثلاثة لنفس المادة!! وهكذا الحال في جميع المواد.
– كذلك يحدث في هذه المدارس تنافسٌ غير شريف بين المعلمين بسبب الدخل الإضافي الموجود فيها من الفصول الخاصة والحوافز التي تفرض على أولياء الأمور وتضيف عليهم أعباء إضافةً لأعباء الحياة اليومية القاتلة، وهنا يبرز دور الإدارات التعليمية الكيزانية في استخدام هذا السلاح للترغيب والترهيب ويغيب الدور التربوي والسلوك المهني القويم لتحل محله لغة السوق!!!
– ومن مظاهر انعدام العدالة الملازم لهذه التجربة أيضاً التحيّز السلبي الواضح في توزيع الإجلاس والكتاب المدرسي، حيث تأخذ المدارس النموذجية نصيب الأسد رغم النقص الحاد الموجود في المدارس الجغرافية.
* ثالثاً
– ارتباط تجربة المدارس النموذجية بتسليع التعليم بصورة عضوية تؤكده مؤشرات وأدلة تتمثل في الآتي:-
✓ عدد الفصول الخاصة في المدرسة النموذجية أكثر من الفصول الحكومية، حيث بلغ عدد الفصول الخاصة في مدرسة ما خمسة عشر فصلاً والفصول الحكومية تسعة فصول، كما نجد في مدرسة ما جلس من الفصول الخاصة لامتحان الشهادة 190 طالباً ومن الفصول الحكومية 80 طالباً بذات المدرسة.
✓ تصفية الطلاب جرياً وراء المنافسة في نتيجة الشهادة الثانوية حيث يقبل للمدرسة حوالي 300 ويجلس للامتحان أقل من ذلك بكثير، ولا تحدث أي محاسبة من إدارات التعليم ويتحمل ولي الأمر العبء بتحويل ابنه للفصل الخاص أو مدرسة خاصة.
✓ إرهاق الأسر بالرسوم التي تفرض على مدار العام وهي تفوق رسوم بعض المدارس الخاصة ويدفع منها الفتات للمعلمين وتذهب معظم الكيكة للجب الذي نعلمه جميعاً.
✓ الحصص الخاصة التي تفرض على الطلاب وهي تثقل كاهل الأسر وتحرم الطلاب من ممارسة النشاط الرياضي والثقافي والإجتماعي فيدخل الطالب المدرسة عند السابعة صباحاً ويخرج منها الخامسة مساءً.
✓ ظهور هذه المدارس جعل كثيراً من الطلاب الذين تم قبولهم بمدارس جغرافية بعيدة عن أماكن سكنهم يتجهون للدراسة بالمدارس الخاصة ، وبالتالي فقد هؤلاء الطالب حقهم في القبول الحكومي وزاد العبء الاقتصادي على الأسر.
▪ ختاماً
هناك دور مهم يقع على كاهل المعلمين والإعلاميين والمنظمات الحقوقية والقوى المدنية يتمثّل في تبصير المجتمع بخطورة هذه التجربة على التعليم في البلاد وزيادة نسبة الفاقد التربوي وضياع مستقبل كثير من التلاميذ كما يجب على الجميع مناهضة الفصول الخاصة داخل هذه المدارس.
يتبع…
* المدير العام السابق لوزارة التربية والتعليم- ولاية الخرطوم
خصخصة التعليم.. الجزء الظاهر من جبل الجليد «3»
