طقوس الخصوبة.. طرق النساء السحرية لمواجهة «الكبسة والمشاهرة» من أجل الإنجاب

 

«قد تبين أن الكثير من العادات والتقاليد التى كان يمارسها المصريون القدماء لا تزال باقية إلى اليوم كالاعتقاد فى السحر وفنونه وتقلد التمائم والأحجبة والتعاويذ، والوصفات الطبية، والاعتقاد فى القديسين والمشايخ، وتقاليد الزواج والولادة والرضاعة والعادات المتعلقة بالحزن والوفاة».. هذه الكلمات تلخص ما جاء فى كتاب «طقوس الخصوبة»، الصادر حديثًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، للكاتب أشرف أيوب معوض.

«طقوس الخصوبة» كتاب يتكون من مقدمة و٦ فصول، ويضم بين دفتيه ١٦٤ صفحة، ويدمج المؤلف فى هذه الفصول بين النظريات الأنثروبولوجية، التى قام بجمعها المؤلف من الميادين فى قرى محافظة سوهاج بصعيد مصر، حيث ما زالت تمارس هناك طقوس الخصوبة، ويربط الكاتب هذه الطقوس بأسطورة «إيزيس وأوزوريس» فى إشارة لافتة إلى استمرارية الحضارة المصرية القديمة بوصفها عمق المخزون الفكرى والحضارى والتاريخى.

ويقدم المؤلف مصطلح «طقوس الخصوبة» من خلال الممارسات التى تلجأ إليها المرأة السوهاجية، بغرض تحقيق أمنيتها وهى الإنجاب، وكذلك حل المشكلات المتعلقة به، ويرجع سبب عدم إنجاب المرأة أو تعطلها وتأخرها إلى ما يسمى بـ«الكبسة» أو «المشاهرة» عند دخول أحد الأشخاص على المرأة وهى فى حالات معينة «عروس- واضعة- فطمت طفلها حديثًا» دون أن ترى هلال الشهر العربى الجديد.

وتسمى هذه الممارسات بـ«الخرافات» بعيدًا عمن يمارسها، أما الذى يمارسها، وغالبًا ما تكون المرأة فى المجتمعات الريفية أو الأقل وعيًا وتحضرًا، فهى لديها معتقدات ومسلمات تسلمتها من الأجيال السابقة وهى ما زالت مستمرة ومحققة لغايتها.

وأشار الكاتب إلى أن الخرافات السائدة فى المجتمع الحديث أحد أمرين: أن تكون الخرافات مخلفات من الماضى البعيد، والأمر الثانى: أن بعض هذه الخرافات من صنع العقلية الخرافية التى ورثها الإنسان من الأجيال القديمة التى قد يطبقها على ما يصادفه من مشكلات معاصرة إذا أعوزته الطرق التى تفضلها.

ويرى الكاتب أن السبب الرئيسى فى التجاء الإنسان إلى ممارسة السلوك والعادات المتصلة بالتفكير الخرافى هو العجز والضعف إزاء حاجاته الأساسية أو مشكلاته المستعصية، وعدم القدرة على التفكير المنطقى السليم، فالمرأة التى تشعر مثلًا بالقلق لعدم الإنجاب عمومًا أو لعدم «خلفة» الصبية بالذات، وتخشى على حياتها من التصدع، كما قد تلجأ إلى السحر لتحقيق غايتها وبخاصة إذا كانت تجهل الحقائق العلمية المتعلقة بالإنجاب والحمل.

وفسر الكاتب مفهوم الكبسة أو المشاهرة كما يراها أفراد المجتمع المتعلق به الكتاب وهو المجتمع السوهاجى أنها أذى أو ضرر يصيب المرأة عمومًا فى مراحل معينة من دورة حياتها «طفلة- عروسة- أم» وفى أوقات معينة مثل وقت ختانها أو زفافها أو إنجابها وأيضًا وقت فطامها مولودها، وهذا الأذى والضرر من شأنه أن يعطل خصوبتها.

ويرى المؤلف فى مجتمع البحث أن هناك أشخاصًا بعينهم من شأنهم أن يحدثوا الكبسة عند دخولهم على المرأة، «فى أوقات تكون عرضة للكبسة والمشاهرة» وكذلك عند دخولهم على الأطفال «الذكور عند ختانهم» مثل: القادم من المقابر أو من شارك فى واجب العزاء، والقادم من السوق، ومن يحمل لحمًا نيئًا، ومن يحمل باذنجانًا أسود، وحالق ذقنه حديثًا، ومن يرتدى ذهبًا، وامرأة عليها الدورة الشهرية وعروس جديدة وأطفال مختونين لم يهل عليهم الشهر العربى.

وعرض الكاتب مجموعة من طقوس حماية المرأة وكذلك طرق فك الكبسة، بهدف أن تكون المرأة قادرة على الإنجاب فى إشارة ثانية لافتة إلى إنسانية هذه الطقوس، وأن هناك عدة طقوس تمارسها المرأة بهدف الحمل والإنجاب أو بهدف فك الكبسة التى تعول عليها المرأة بسبب عطلها أو الاتقاء منها قبل أن تحدث وكذلك البنت بعد فطامها والعروس الجديدة.

وهنا، لا بد أن تذهب المرأة المكبوسة إلى المدافن ويعبرون عن ذلك بقولهم: «تشق المدافن»، فإما أن تلف حول القبور أو تخطو على الخشبة التى تحمل الموتى أو على «الليفة والصابونة» اللتين استخدمتا فى تغسيل الميت، ولا يوجد تناقض من أن القبور هى مسكن للأرواح، وهى مصدر خوف للناس وأن هذه الأرواح قد تؤذى الذى يقترب منها ويتم الالتجاء إليها طلبًا للإنجاب، وغيرها من الطرق التى تفعلها المرأة من أجل فك الكبسة.

ويتطرق الكاتب إلى أشهر المشاهرات، وهى التى تعمل من جريد النخل وهى قطعة صغيرة ويحفر عليها ثلاث أو خمس أو سبع علامات بآلة حادة، وتعلق للطفل المختون أو العروس أو الأم الواضعة أو الفاطمة طفلها حديثًا حتى وقت رؤية الهلال الجديد من الشهر العربى فيرميها صاحبها وهو ناظر ومتطلع للهلال ويقول: «يا شهر يا جديد خد مشهرتى الجريد».

ورصد الكاتب الكثير من الطرق التى تفعلها المرأة الريفية من أجل الإنجاب مثل أن تطل على القبر من الداخل شريطة أن تكون قد تطهرت من الدورة الشهرية وتعود إلى البيت وتلتقى زوجها، كما تلجأ بعض السيدات إلى الاستحمام بالصابونة والليفة الخاصتين بالميت، وغيرها من العادات التى تفعلها نساء القرية فى المجتمع السوهاجى.

وأشار الكاتب إلى نقطة مهمة أن المصريين القدماء اعتبروا العقم من أكبر المصائب التى يمكن أن تبتلى بها المرأة المصرية وسموه قديمًا بـ«الخطيئة العظمى» التى تضاهى خطيئة الزنا، ويعتبر سببًا وجيهًا من أسباب الطلاق، لأن المصريين القدماء اهتموا اهتمامًا بالغًا بالخصوبة والحمل والإنجاب وكان الزواج فى سن مبكرة.

وأوضح الكاتب أن فكرة «السنجل مازر» ليست وليدة اليوم، بل ترجع إلى عصر الفراعنة، حيث كان بعض النسوة أحيانًا يعقدن زواجًا مؤقتًا يحدوهن إلى ذلك هدف محدد وهو أن ينجبن أطفالًا شرعيين، فإذا ما بلغ هذا الهدف فإن سند فسخ الزواج يضع نهاية لهذه العلاقة، «وما إن أنجب أطفالى تكون قد قمت بإشباع رغبتى وأصبحت حلًا من التزاماتك الزوجية».

وبعد عرض النقاط المهمة التى يحتوى عليها الكتاب الذى رصد عادات وتقاليد مجتمع واحد وهو المجتمع السوهاجى، إلا أن هذه العادات توجد فى أغلب قرى الريف ولا تخلو منها، فهناك تشابه كبير بين تلك المجتمعات فى الوجهين البحرى والقبلى بمصر، وقد رصد الكاتب بدقة وموضوعية تلك الممارسات التى وصفها بالخرافة.

تاريخ الخبر: 2022-09-22 21:21:37
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:14
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:19
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية