تحدي التفاوضات العسرة
تحدي التفاوضات العسرة
تتطلب العملية التفاوضية معرفة حصيفة بأطراف التفاوض جميعا, واتجاهاتهم وخططهم, وما يسعون للفوز به في كل مفاوضة, بل والتربيطات الجانبية فيما بينهم لاجل أن يميلوا بالقرار إلي وجهة محددة يسوقون النتائج اليها…!!!
وللوقوف علي درجة التعقيد والصعوبة في العملية التفاوضية, ربما يكون من الضروري أن نطلع علي توجهات أطراف التفاوض في العملية كلها ..
تجمع التفاوضات تحت الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ المندوبين جميعا معا من حوالي 200 دولة طرف في الاتفاقية, حيث تنسق الأطراف ذات الاهتمامات والظروف الوطنية المتماثلة أو المتشابهة مواقفها مسبقا – وفيما بين جلسات التفاوض – فتختار لكل بند علي أجندة التفاوض مندوبا من بينها يمثلها ويتحدث نيابة عن مجموعة الدول التي تنتمي إليها.
فضلا عن ذلك فالممثلون من المجتمع المدني والمنظمات الدولية المختلفة يؤدون دورا متزايد الأهمية في مؤتمرات التغير المناخي, وهم يسهمون بدور المراقبين, وبإمكانهم حضور الجلسات الرسمية للتفاوض, لكنهم لا يسمح لهم بالتحدث أو حضور الاجتماعات غير الرسمية( التي يتم فيها تنسيق المواقف), غير أن المراقبين بإمكانهم جعل أصواتهم مسموعة بالتحدث في الاجتماعات الموسعة للأطراف جميعا Plenary Sessions, سواء المفتوحة أو المغلقة, وفي الأحداث الجانبية الخاصة, ومن خلال التعليقات وإصدار التقارير لجماهيرهم خارج المؤتمر.
وينخرط في التفاوضات تحت الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ حوالي اثنتا عشرة مجموعة من الأطراف, تدأب ـ علي نحو منتظم ـ علي تنسيق مواقفها, وبعض هذه المجموعات تنسق بشكل عام في إطار عمليات الأمم المتحدة كمجموعة الـ 77 والصين, وهذه المجموعات التفاوضية تتميز عن المجموعات الإقليمية الخمس للأمم المتحدة التي تضم الدول الأفريقية, ودول آسيا الباسيفيك, ودول شرق أوربا, ودول أمريكا اللاتينية والكاريبي, ودول غرب أوربا والدول الأخري . وهذه المجموعات الإقليمية تؤدي دورا بارزا في تعيين ممثلي الأطراف المتعددة, ويتم تدوير رئاسة مؤتمرات الأطراف للمناخ فيما بينها.
ومن ناحية أخري تتجمع هذه المجموعات التفاوضية علي الاهتمامات المشتركة, لا علي التقارب الجغرافي, ورغم أنه توجد بعض الترجحات والمجموعات غير الناشطة علي نفس المستوي في كل مؤتمر, فإننا بمستطاعنا أن نميز بينها المجموعات التالية:
1- مجموعة المظلة ( Umbrella Group): وهي تضافر من الدول المتقدمة يتضمن استراليا وبيلاروس وكندا وأيسلندا وإسرائيل واليابان ونيوزيلاندا وكازاخستان والنرويج والاتحاد الروسي وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ومعظم أعضاء مجموعة المظلة لها حصص عالية من ابتعاثات غازات الدفيئة للفرد من السكان فيها, ولذلك فبعض أعضاء هذه المجموعة حذرون تجاه إجراءات التخفيف الطموح, والمجموعة بصفة عامة تدعو الدول النامية للمساهمة في التخفيف من ابتعاثات غازات الدفيئة . وفي التفاوضات تستهدف دول المظلة تذليل التباينات بين الدول المتقدمة والدول النامية التي كانت قد أدخلت علي الاتفاقية . وبصفة عامة تدعو دول المظلة إلي مستوي عال من الشفافية في التقارير الصادرة عن الدول المتقدمة والنامية بشأن غازات الدفيئة.
2- مجموعة التكاملية البيئية (Environmental Integrity Group): وتتكون هذه المجموعة من ثلاث دول متقدمة صغيرة هي ليشتنشتاين وموناكو وسويسرا, وثلاث دول نامية بازغة هي المكسيك وجمهورية كوريا وجورجيا. وتدعو هذه الدول إلي إجراءات تخفيفية طموح لابتعاثات غازات الدفيئة من قبل جميع الدول بما فيها الدول النامية.
3- التحالف المستقل لأمريكا اللاتينية و الكاريبي
(( Independent Alliance of Latin America and the Caribbean:
ويتكون هذا التحالف من شيلي وكولومبيا وكوستاريكا وجواتيمالا وهندوراس وبنما وباراجواي وبيرو, وهو يسعي إلي عبور التقسيمات والعراقيل بين الدول النامية والدول المتقدمة, ويدعو ـ كما دول مجموعة التكاملية البيئية ـ إلي إجراء تخفيفي طموح, ليس فقط من جانب الدول المتقدمة وإنما أيضا من قبل الدول النامية, ومثل كل مجموعات الدول النامية يؤكد هذا التحالف علي أهمية إجراءات التكيف مع التأثيرات المعاكسة لتغير المناخ, والدعم المالي والتكنولوجي, وبناء القدرات.
4- تحالف الدول الجزرية الصغيرة (Alliance of Small Island States): ويشتمل هذا التحالف علي عدد 44 جزيرة ودولة نامية شاطئية صغيرة, وحيث تتعرض هذه الدول للتأثر – علي نحو بالغ – بخطر ارتفاع مستوي سطح البحر, وبأحداث الطقس المتطرفة, فهي تقترح إجراءات تخفيفية طموح, وهي التي فرضت في تفاوضات اتفاق باريس خيار عدم تجاوز 1.5 درجة مئوية ارتفاعا لدرجة حرارة جو الأرض, الذي يبدو واقعيا كأضغاث أحلام.
وحيث يتشكل هذا التحالف من دول صغيرة منخفضة الدخل في الأغلب, فإنها تدعو لاستجلاب الدعم المتواصل ماليا, ولبناء القدرات في مجالات التكيف .
كذلك تظهر دول هذا التحالف اهتماما بالغا بجوانب ‘الفقد والتدمير’ بسبب التغير المناخي, نظرا لمحدودية فرصها في التكيف مع آثار الارتفاع العالمي لمستوي سطح البحر.
5- الدول الأقل نموا (Least Developed Countries): وهي مجموعة من 47 دولة, من الدول ذات الدخل المنخفض, والانتماء إليها يتبع معايير محددة, وتتم مراجعته علي نحو دوري بواسطة لجنة التنمية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة.
وعلي مثال الدول الجزرية الصغيرة لا تحتاز الدول الأقل نموا سوي قدرات محدودة جدا للاستجابة لآثار التغير الماخي, وهي تركز في التفاوضات علي أهمية إجراءات التكيف, ومعالجة ‘الفقد والتدمير’, وتصوت دائما في التفاوضات لدعم الدول النامية.