عاشت شوارع العاصمة باريس، ومدن أخرى فرنسية، يوم الخميس، زخماً احتجاجياً كبيراً تزامن مع الإضرابات الواسعة التي أعلنتها النقابات العمالية في عدد من القطاعات. ذلك احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، جراء الحرب في أوكرانيا و تبعات أزمة الطاقة الناتجة عنها.

هذا وتعرف فرنسا، أسوة بباقي دول الاتحاد الأوروبي، مستويات تضخم مرتفعة، تؤججها الارتفاعات غير المسبوقة في فاتورة الطاقة. فيما ما زالت حكومة ماكرون عاجزة عن تطبيق سياسات من شأنها تخفيف هذا العبء الاقتصادي على الطبقات الاجتماعية المتضررة.

بالمقابل، يسابق الرئيس الفرنسي، وحكومته الفاقدة للأغلبية البرلمانية، الزمن لتطبيق مخططه السابق برفع سن التقاعد وتغيير نظام المعاشات المعمول به في هذه الأثناء، ما ترفضه النقابات بشكل تام، ويعد بأسابيع ساخنة كتلك التي عاشتها البلاد نهاية عام 2019.

إضرابات ومظاهرات

وفي باريس خرج الآلاف في مسيرة انطلقت من ساحة دانفير-روشورو، باتجاه ساحة الباستيل ذات الرمزية التاريخية للثورة الفرنسية. وطالب المحتجون بزيادة الأجور في وجه ارتفاع مستويات التضخم التي تعرفها البلاد، كذلك بعدم تطبيق قرار رفع سن التقاعد الذي تعتزم حكومة ماكرون تنزيله في وقت قريب.

وشهدت أماكن أخرى من تراب البلاد مظاهرات مماثلة، كانت قد دعت إليها النقابات العمالية في وقت سابق، لتكون أول فعل احتجاجي في مسلسل يرتقب أن يستمر لأسابيع طويلة. وحسب الاتحاد العام للشغل الفرنسي، عرفت مظاهرات الخميس مشاركة أكثر من 250 ألف شخص من مختلف ربوع فرنسا، بينما جاءت أرقام الداخلية أقل بعض الشيء في حدود 118 ألف مشارك.

بالنسبة لرئيس "الاتحاد العام للشغل" فيليب مارتينيز، فإن الرسالة المراد إيصالها بهذه الاحتجاجات واضحة أن "ما يجب رفعه هو الأجور، لا سن التقاعد". وأضاف النقابي الفرنسي بأنه "تحذير أول للحكومة ولأصحاب العمل للبدء بسرعة في مفاوضات الأجور"، كما للقول إن الفرنسيين "لا يريدون العمل فترة أطول".

وفي وقت سابق، أعلنت النقابات الفرنسية عن إضراب وطني يشمل عدداً من القطاعات، على رأسها النقل الطرقي والسككي وخطوط الترامواي، وقطاع التعليم حيث غاب 20% من المعلمين عن حجرات الدراسة. هذا ويستمر إضراب موظفي شركة الطاقة "توتال إنرجي" لليوم الرابع، والذين يطلبون من خلاله رفع أجورهم مقابل الأرباح الكبيرة التي راكمتها الشركة من خلال أزمة الطاقة الجارية.

شتاء فرنسي ساخن

هذا وتعِد النقابات العمالية بشتاء احتجاجي ساخن في فرنسا، ما لم تستجب الحكومة لمطالبهم. وتزيد هذه المطالب إلحاحاً في وقت يرزح فيه نطاق واسع من الطبقات الشعبية الفرنسية تحت ثقل ارتفاع مستويات التضخم، الناتجة عن الأزمة الطاقية التي تعرفها البلاد.

وحسب "المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية" الفرنسي، فإن البلاد عرفت شهر سبتمبر/ أيلول نسبة 5.6% من التضخم. والتي تنعكس اضطراداً على فواتير الغذاء بارتفاع قدره 9.9% خلال شهر واحد، وبالنسبة للمواد الغذائية بـ11%. ويشتكي عدد من الفرنسيين من أن فواتير الكهرباء تضاعفت خلال السنة الجارية بـ700% عن نظيراتها خلال السنوات الماضية.

مقابل هذه الأوضاع يصر ماكرون وحكومته على الدفع بتطبيق قانون إصلاح نظام المعاشات التقاعدية، والذي بموجبه سيجري رفع سن التقاعد إلى 65 سنة. هكذا أعلنت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن لوكالة الصحافة الفرنسية، عقب اجتماع مساء الأربعاء في قصر الإليزيه مع الأغلبية، أن الحكومة أقرّت ذلك القانون "قبل نهاية الشتاء".

وحسب استطلاع رأي لمعهد "أودوكسا" الفرنسي المستقل للدراسات، فإن 55% من المستطلعين يرفضون رفع سن التقاعد، و67% قالوا إنهم مستعدون لدعم المظاهرات المناهضة له. وفي سبر آخر، لمعهد "أيلاب" هذه المرة، قال إن 70% من الفرنسيين يرفضون مشروع الإصلاح الذي يقدمه ماكرون.

فيما قد يؤدي إصرار الحكومة الفرنسية، الفاقدة للأغلبية البرلمانية، على تطبيق مشروع الإصلاح إلى أزمة سياسية. حيث يرجح مراقبون لجوء الرئيس إلى آلية المادة الدستورية "3-49" للمرة الثانية، والتي تخوله إقرار المشروع دون تمريره من البرلمان. بالمقابل يمكن للمعارضة اليسارية واليمينية المتطرفة، إذا ما توافقت حول الأمر، أن تسحب الثقة من حكومة بورن.

TRT عربي