في معنى الحسد


يعد الحسد أحد أكثر الظواهر التي يعتقد فيها البشر عبر المجتمعات والثقافات والطبقات وعلى مدار التاريخ، فهو موجود منذ القدم، في المجتمعات التقليدية والحديثة، وبين الفئات الأمية والمتعلمة، وعلى اختلاف الأديان والمعتقدات. ومع ذلك لا يمكن تجاهل حقيقة أن هناك اختلافات في الدرجة بين من يهتم بالظاهرة إلى حد الهوس والرهاب، وبين من يعتقد فى وجودها ولا يأبه كثيرا بالتفاصيل، وهناك أيضا من يرى أن الحسد هو مجرد وهم يعتنقه كثير من الناس بدافع الخوف أو الرغبة في إدانة آخرين وتحميلهم مسئولية الأحداث غير المرغوبة. وفى كل الأحوال فإن الحسد فعل مذموم شرير فى كل الثقافات، ويهدد السلام الاجتماعى لارتباطه بالحقد والكراهية، ويعتبره البعض شكلا من أشكال العدوان. إنه الحسد الذى قيل فيه: “إذا أراد الله أن يسلط على عبده عدوا لا يرحمه سلط عليه حاسدا”.

ولغويا فإن الحسد يعني تمنى زوال نِعمة المحسود، سواء كانت النعمة مالا أو صحة أو جمالا أو وضعا اجتماعيا او ممتلكات. ومما يدعم شيوع الاعتقاد في الحسد ذكره فى الكتب المقدسة بوصفه شرا وخطيئة، وبالتالى فإن إنكاره قد يعني مخالفة مقولات وتعاليم دينية مقدسة حيث تتعدد الآيات والأحاديث التى تتناول الحسد والحاسدين. وعلاوة على ذلك، يعد الحسد من أكثر الظواهر التى تتلاقى فيها المعتقدات الدينية والشعبية. وللحسد فى الثقافة المصرية أهمية كبرى منذ القدم، يقول محرم كمال فى كتابه “آثار حضارة الفراعنة فى حياتنا الحالية”، أن الحسد له جذور فرعونية حيث يشير إلى كتاب عُثر عليه في مكتبة الإله “حورس” فى إدفو يحتوى على رُقى وتعاويذ لطرد العين الشريرة، كما أن هناك أنشودة معروفة للإله “تحوت” يرجع تاريخها إلى الدولة الحديثة وقد ورد فيها: “أيها الإله تحوت إذا كنت تحمينى لم تبق لى حاجة إلى الخوف من العين”.

وهكذا فإن الحسد لا ينفصل عن العين والنظرة، حتى أن كلمة الحسد ذاتها تعنى “العين” فى الثقافة المصرية” فعادة ما يُقال أن المحسود أصابته عين. وفى ذلك يقول أحمد أمين فى قاموس العادات والتقاليد الشعبية: “يعتقد المصريون كثيرًا في الحسد،وخلاصة هذه العقيدة أن بعض الناس عنده خاصية في عينه، إذانظر إلى شيء أماته أو أتلفه، ومن غريب الأمر أن رجلًا عظيمًا كابنخلدون يحكي مثل هذا ويقول إنه شاهد بعض الناس إذا نظر إلىخروف أو نعجة نظرة خاصة أماتها، ثم إذا شرحت وجد قلبها قدتحتت وقال: إنه رأي في بلاد المغرب جماعة من هذا القبيل يسمون “البعاجين” .. ويضيف “ويعتقد المصريون أن الحسد يكون علىأتمه إذا نظر الحاسد وشفع نظرته بالشهيق، وكان من الشائع عندالنساء أنه إذا نظر رجل تلك النظرة أسرعت المرأة وقالت له “وراكتعبان أو عقربة أو نار” فيلتفت وراءه لينظر إليه، وبذلك يذهب سحرعينه”.

وتتفنن الثقافة الشعبية في وصف العين الحاسدة، والتى توصف بأنها “مدورة”. وفى هذا يقول أسامة الفرماوي في كتابه “النظرة فى المأثور الشعبى المصرى”، أن حركات الجسد الحاسدة تتمثل في: إدامة النظر إلى الشئ وقد يصاحبها شهقة أو ضرب كفا بكف، أو وضع اليد على الحاجب مع فتح وإغلاق العين في حركات متتالية، ويُعتقد أن الارتباط بين النظرة وحركات جسدية أخرى يقوى تأثير النظرة الحاسدة. وعموما وكما هو معروف، فإن الكثير من الأمثال الشعبية الخاصة بالحسد تركز على العين مثل: “العين يا تتلف يا تقصف”، “العين فلقت الحجر”، “حصوة فى عين اللى ما يصلى ع النبى”. وفى مواجهة ذلك تعتمد التدابير الوقائية على ما يمكن أن يدرأ العين مثل “التخميس”، “مسك الخشب”، “الرقية” والتى تتضمن الوخز الرمزى للعين، وكذلك إتباع أساليب تحايلية لصرف العين مثل تعليق رموز تسرق النظر وتحرفه عن الهدف، أو تسمية الذكر باسم أنثوى والعكس، وغير ذلك من الأساليب المعروفة والشائعة.

وثمة حقيقة، وهي أن أضرار الحسد النفسية على الحاسد أكثر وضوحا من تأثيرات حسده على المحسود، وكما يقول ابن المقفع: “أقل ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذاباً ليس بمدركٍ به حظًا ولا غائظ به عدوا، فإنا لم نر ظالماً أشبه بظلوم من الحاسد، طول اسف ومحالفة كآبة وشدة تحرق …. فهو منغص المعيشة دائم السخطة محروم الطلبة، لا بما قسم له يقنع ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود يتقلب في فضل الله مباشراً للسرور منتفعاً به ممهلاً فيه إلى مدة ولا يقدر الناس لها على قطعٍ وانتقاص”. وتعبر اللغة العربية عن هذه الحالة باستخدام كلمات كالنار والمرض لوصف مواقف ومشاعر الحاسدين. فوفق كتاب “الموجز فى اللغة العربية” يُقال: اضطرم صدره حسدا، استوقد الحسد ضلوعه، وتلظت كبده من الحسد. كما يتم نعت عين الحاسد بأنها عين مريضة فيُقال “ينظر إلى فلان بعين مريضة”، و”ينظر إليه بطرف سقيم”، و”قد نشأ بينهم داء الحسد”، و”سرى بينهم داء الضرائر”، و”دبت بينهم آكلة الأكباد” ، و”دبت له فى قلبه عقارب الحسد”.

ولا شك أن قوة الاعتقاد في الحسد جعلته يترسخ فى الوعى على الرغم من عدم وجود أية براهين علمية تؤكده، وانطلاقا من هذه الاعتقادات تأاي الخبرات الاجتماعية حيث يكثر استخدام الحسد لتفسير حدوث الأذى والضرر، وحتى إذا عرفت أسباب الأذى أو الضرر، فإن البعض يصر على أن الحسد هو السبب الرئيسي أما الأسباب الموضوعية فهى مجرد عوامل يحركها الحسد لإحداث الضرر. ومن قوة الاعتقاد في الحسد أنه ينال حتى من لا يعتقد فيه، فكما أن هناك خوف من الحسد، هناك أيضا خوف من تهمة الحسد، ولذلك نضطر أحيانا إلى مجاراة السياق وتحاشى النظر أو استخدام تعبيرات دينية وقائية مخافة الاتهام بالحسد إذا حدث مكروه. وأيا كان موقفنا من الحسد، فمعظمنا على قناعة بالمثل القائل: “داري على شمعتك تقيد”.

تاريخ الخبر: 2022-10-03 09:21:39
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

تعادل قاتل السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:23:47
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

هدية هلالية تمنح الأهلي الوصافة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:23:45
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

6 ميداليات خليجية للكاراتيه السعودي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:23:46
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 59%

الأخدود ينتفض على أنقاض أبها السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:23:48
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

اكتشاف استراحة ملكية في سيناء السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:23:50
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 56%

حل لغز لعنة الفراعنة بعد سلسلة وفيات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:23:53
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 64%

بيع أغلى ساعة في تيتانيك السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:23:51
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

أخطر 5 أمراض تنتقل من الغذاء السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-27 21:23:49
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية