بعد يومين من تسلمهم مسودة اقتراح ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل بوساطة أمريكية، بحث الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري المسودة، وسلموا السفيرة الأمريكية في بيروت قائمة بالتعديلات التي يرغب لبنان في إدخالها على اقتراح بشأن كيفية ترسيم حدوده البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل.

وعلى الرغم من أن طلب بعض التعديلات لا يعني الموافقة على المسودة، إلا أن بيروت وتل أبيب أصبحتا أقرب من أي وقت مضى لتحقيق اختراق كبير في ملف ترسيم الحدود البحرية على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط، تبلغ مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً.

ويرجع فضل قرب البلدين من توقيع اتفاق الترسيم في الناقورة برعاية الأمم المتحدة إلى الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين ووفده الذين سافروا برحلات مكوكية بين بيروت وتل أبيب منذ عام 2020 في محاولة لإبرام اتفاق من شأنه أن يمهد الطريق للتنقيب عن موارد الطاقة البحرية ونزع فتيل الصراع بين إسرائيل وحزب الله.

أبرز نقاط الخلاف

تتفاوض لبنان وإسرائيل بشكل غير مباشر منذ أكثر من 10 سنوات، لكن دون تحقيق أي تقدم يذكر في ملف ترسيم الحدود البحرية فوق المناطق المتنازع عليها. فإلى جانب الخلافات الداخلية في كل بلد، تداخلت الخلافات الإقليمية والدولية وعقدت من إيجاد الحلول التي ترضي جميع الأطراف.

وفي أكثر من مرة توقفت المفاوضات بشكل تام نتيجة خلافات جوهرية، أبرزها:

- مسألة السيادة اللبنانية على الخط 23، والذي بموجبه تحصل لبنان على حقل "قانا" الذي يقع في منطقة يتقاطع فيها الخط 1 مع الخط 23، والذي أودعته إسرائيل الأمم المتحدة.

- بالإضافة إلى بند ربط الحدود البحرية بتلك البرية عند "خط العوّامات" الذي وضعته إسرائيل في البحر بعد انسحابها من جنوب لبنان في عام 2000، والذي يبدأ من رأس الناقورة عند النقطة 31 ويبعد عنه نحو 5 كيلومترات ويمتدّ إلى ما يُقارب الكيلومتر في البحر، ثمّ ينحدر ليلتقي في آخره مع الخط 23.

خريطة توضح الحدود البحرية المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان. (Reuters)

اختراق كبير

جاءت جهود هوكشتاين تتويجاً للمفاوضات غير المباشرة التي قادتها الولايات المتحدة لإيجاد حلول لاستخراج النفط من حقل "كاريش" وتصدير مخزوناته إلى أوروبا التي تحاول التخلص من قبضة روسيا على أسواق الطاقة، فضلاً عن البحث عن مصادر جديدة للغاز الطبيعي في حقل "قانا" التي كما ستساعد لبنان على الخروج من أزمته الاقتصادية الخانقة، ستوفر لأوروبا مصدر غاز قريباً من حدودها.

وعلى الرغم من أنه لم يجرِ الإعلان رسمياً عن مضمون العرض، فإن هيئة البث الإسرائيلية زعمت أن النقاط الرئيسية للاتفاقية بين لبنان وإسرائيل تقر بأن منصة الغاز في حقل "كاريس" ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. بالمقابل، سيأخذ لبنان حقوق الحفر والتنقيب في حقل "قانا" وأن شركة الغاز الفرنسية "توتال"، المشغلة للحقل، هي من ستدير نقاشاً منفصلاً مع إسرائيل لتحديد التعويض الملائم للحقوق الاقتصادية لإسرائيل، وفقاً لرويترز.

واستندت مسودة الاتفاق في الغالب على الخط 23 كركيزة أساسية، والذي بدوره يترك معظم المناطق المتنازع عليها تحت السيطرة اللبنانية، وذلك وفقاً لما ذكره مصدر لبناني مطلع رفيع المستوى في حديث للأناضول بأن "المقترح يحفظ للبنان حقوقه في حقل قانا والخط الحدودي البحري 23 والحقول الغازية كاملة (ضمن حدوده)".

كما نصت مسودة الاتفاق، التي تقع في 10 صفحات تتضمن مقدمة وخاتمة، على تحديث خط الإحداثيات المتعلقة بالخط 23، وأن الحدود البحرية عند البر لأقصى نقطة شرقية من خط الحدود البرية يجري تحديدها في سياق آخر أو في وقت لاحق، أي أن المنطقة الآمنة التي طالبت بها إسرائيل والمعروفة بـ"خط الطفّافات"، أو "خط العوّامات" الذي وضعته إسرائيل في البحر بعد انسحابه من جنوب لبنان في العام 2000، لا يشملها الاتفاق.

ردود فعل إيجابية

نشر مكتب رئيس مجلس النواب نبيه بري أن مسودة الاتفاق "إيجابية" و"تلبي مبدئياً المطالب اللبنانية" التي ترفض أن يكون لاتفاق الحدود البحرية أي تأثير على الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، لكن يجب دراستها قبل إعطاء الرد النهائي عليها.

من جهته قال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في كلمة تلفزيونية، يوم السبت، إن تسلم لبنان عرضاً مكتوباً من الوسيط الأمريكي بشأن ترسيم الحدود خطوة مهمة جداً، مؤكداً أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في هذا الشأن.

من الجانب الإسرائيلي، وعلى الرغم من رفض رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو للاتفاق واستقالة رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض بسبب معارضته الاتفاق، أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد موافقة أولية على مسودة الاتفاق الذي توسطت فيه واشنطن، وقال أمام الحكومة، الأحد، إن المسودة ستصون مصالح إسرائيل الأمنية والتجارية بشكل كامل.

وفي الوقت ذاته، أعرب لبيد عن انفتاحه على فكرة إنتاج لبنان للغاز الطبيعي من حقل متنازع عليه (قانا) "إذا حصلت إسرائيل على رسوم منه" رغم أن الجانب اللبناني أكد على لسان نائب رئيس البرلمان اللبناني إلياس بو صعب المكلف بملف ترسيم الحدود، الثلاثاء، أن لبنان "لن يدفع قرشاً من حصته في حقل قانا لإسرائيل وهذا من صلب الاتفاقية ولا حقوق لإسرائيل من قانا".

TRT عربي