قام الجيش الجزائري مؤخرا بافتتاح قاعدة جوية جديدة لا تبعد عن الحدود المغربية سوى بكيلومترات قليلة وتحديدا في منطقة تسمى أم العسل في الناحية العسكرية الثالثة حسب التقسيم المعتمد في الجزائر، ركنت فيها مجموعة من المقاتلات الروسية من طراز ميغ، في إطار سلسلة من القواعد التي شرعت في تشييدها مؤخرا في ما يشبه الحزام الأمني على مقربة من المغرب.
منتدى “فار ماروك” المتخصص في الشؤون العسكرية نشر مجموعة من صور الأقمار الاصطناعية رصدت مقاتلات MIG29M2 تسلمتها الجزائر حديثا، ويلاحظ المتخصصون في المنتدى أن النظام الجزائري ينهج خطة جديدة تقوم على تشييد العشرات من القواعد العسكرية على طول الحدود مع المغرب، فقد أصبح الجيش الجزائري يملك ستة مطارات عسكرية تبعد بعشرات الكيلومترات عن الحدود مع المغرب أقصاها 140 كيلومترا إضافة إلى ناحيتي وهران وتندوف العسكريتين وفي المجموع ما يفوق 100 موقع عسكري.
وأظهرت بعض صور الاقمار الاصطناعية تشييد قاعدة جوية إضافية وهي فور لطفي في المنطقة العسكرية الثالثة تم قريبا من محاميد الغزلان لاعتمادها كقاعدة متقدمة للمروحيات وطائرات الاعتراض، ويرى المنتدى أن السبب الرئيسي في تكديس القواعد العسكرية البرية والجوية على الحدود الشرقية يرجع إلى ضعف الجهاز اللوجيستي المكلف بامداد القوات لدى الجزائر.
الباحث في الشأن العسكري والاستراتيجي محمد شقير: الجزائر زرعت هذه القواعد تحسبا لأي مطالب من المغرب باسترجاع أراضيه الشرقية
يبدو أن تشييد النظام الجزائري لهذه القواعد العسكرية يندرج ضمن العقيدة السياسية والعسكرية لهذا النظام التي تقوم على اعتبار المغرب بمثابة العدو الرئيسي الذي ينبغي محاضرته عسكريا واستبق تهديداته التي ترى الجزائر أنها لن تأتي من خلال الحدود الشرقية الممتدة على طول الحدود البرية بين البلدين خاصة وأن هذه المنطقة تذكر النظام الجزائري بهزيمة في حرب الرمال الشيء الذي كان عقدة سياسية لديه.
كما أن تكثيف تشييد هذه القواعد مرتبط بقيام المغرب بعد تأمين منطقته الجنوبية وبسط سيطرته على مختلف مذكراتها ومعابرها بما فيها معبر الكركرات إلى خلق منطقة عسكرية شرقية تمتد من فكيك إلى الرشيدية وتجهيزها بمجموعة من القواعد العسكرية.
اضافة الى ذلك فإن التحالف العسكري بين المغرب وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل قد أثار مخاوف النظام الجزائري معتبرا أن هذا التحالف يستهدفه بشكل مباشر ويستهدف استقراره، متهما المغرب بفتح المنطقة خاصة حدوده الشرقية للنفوذ الإسرائيلي لمواجهة النفوذ الروسي والإيراني الذي بدأ يتزايد في المنطقة.
ولعل تجهيز القواعد العسكرية بمجموعة من طائرات الميغ روسية الصنع يأتي تحسبا لأي هجوم عسكري يأتي من الحدود الشرقية مع المغرب. بالإضافة إلى ذلك فيمكن القول أن زرع هذه القواعد في هذه المنطقة قد يكون لتفادي أي مطالب مستقبلية للمغرب لاسترجاع بعض المناطق التي ضمّتها فرنسا إلى الأراضي الجزائرية بعدما استولت عليها خلال حرب للا مغنية بما فيها تندوف التي تحتضن قوات البوليزاريو بالإضافة إلى بعض الواحات.
الأستاذ الجامعي والمتخصص في العلاقات الجزائرية المغربية حسن بلوان: الجزائر تتوهم التفوق وانتشار القواعد استعراض للعضلات
للحديث عن العلاقات المغربية الجزائرية لا بد من الاشارة إلى مفارقة خطيرة وهي أن الجزائر رهنت جميع تحركاتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية بعقيدة العداء المجاني اتجاه المغرب، بل اكثر من ذلك فالعقل الناظم للحكم في الجزاىر لا ينظر إلى نفسه إلا من خلال مرٱة المملكة المغربية، لذلك فالتحركات العسكرية الجزائرية على بعد أمتار من الحدود المغربية تدخل في هذا المنظار، وتسريع وثيرة بناء القواعد العسكرية على طول الحدود يدخل في هذا الإطار.
إذن كل تحرك جزائري وإن كان يدخل في الاستراتيجيات العسكرية المكفولة للدول، الا أنه يندرج في إطار الاستفزازات والتهديدلت المباشرة التي دأبت عليها الدولة الجزائرية نحو المغرب لصرف انتباه الشعب الجزائري عن مشاكله الحقيقية.
وعموما يمكن النظر لموضوع التحركات العسكرية انطلاقا من مجموعة محددات سياسية وعسكرية وتقنية لوجيستيكية:
– من الناحية السياسية يعتقد النظام الجزائري ان تسخين الجبهة الغربية مع المغرب يمكن أن يساهم في استمرار إخماد الحراك الشعبي الكامن باصطناع أزمات مع المغرب وبالتالي قمع أي تحرك شعبي انطلق منذ 2019.
– من الناحية العسكرية فالعسكر الجزائري الماسك بزمام الأمور في البلاد يعيش على وهم التفوق العسكري والقوة الضاربة وبالتالي يقوم بين الفينة والأخرى باستعراض العضلات على الحدود المغربية في رسائل مباشرة لا تخلو من تهديد واستفزاز كلما تقدم المغرب خطوات في مسار حسم ملف الصحراء المفتعل.
– من الناحية اللوجستيكية ينزعج حكام الجزائر من التسلح النوعي للقوات المسلحة الملكية خلال السنتين الاخيرتين خاصة بعد تطهير المنطقة العازلة شرق الجدار من فلول وعصابات البوليساريو في الصحراء المغربية، مما زاد من حنق العسكر الجزائري، كما انها تأتي بعد قرار المغرب الاستراتيجي بإقامة منطقة عسكرية شرقية كاملة الاختصاصات العسكرية على غرار المنطقة الشمالية والجنوبية.
– من الناحية التقنية فالتحركات الجزائرية قرب الحدود المغربية لا تعدو ان تكون استفزازات ورسائل مبطنة نحو المغرب، اما من الناحية التقنية الميدانية فالقواعد العسكرية المنتشرة على بعد كيلومترات من الجبهات لا يمكن أن تكون ذات جدوى لانها اهداف سهلة امام الاسلحة النوعية التي تملكها القوات المسلحة الملكية، لذلك فالتحركات الجزائرية على الحدود استفزازية واستعراضية ولا يمكن أن ترقى لمستوى التوازن الاستراتيجي بين البلدين.
